إذا نظرنا لمجموع الأصوات لا المقاعد، فإن معسكر نتنياهو فاز بفارق 3500 صوت فقط على معسكر التغيير بقيادة يائير لابيد، والقوائم العربية، والسبب هو في كيفية إدارة كل طرف للانتخابات. فقد رتب اليمين المتطرف كل أوراقه ونسق فيما بينه، في كل منطقة، وعلى كل المستويات، بالمقابل فعلت القوائم العربية واليسار والوسط الإسرائيلي كل ما يجعلها تخسر الانتخابات.

لننظر أولاً لمعسكر اليمين كيف تصرف ليضمن فوزه، أحزاب الصهيونية الدينية الثلاثة المتطرفة، حزب "عوتسما يهدويت" و"نوعام" و"تكوم": وبعد أن خاضت هذه الأحزاب الانتخابات في آذار/ مارس 2021 منفردة وفشلت جميعها في اجتياز نسبة الحسم، لذلك قررت أن تتوحد تكتيكيا خلال الانتخابات وبعد الفوز يمكن أن يعمل كل حزب منفردا في الكنيست ما يراه، وبذلك استطاعوا حصد 14 مقعدًا وكانت هذه النتيجة مفاجأة الانتخابات. كما كان التنسيق بين حزبي الليكود وشاس كاملاً، فقد اتفقا أن يمنح  كل حزب أصوات حزبه للحزب الآخر في المناطق التي فيها له أغلبية، بالإضافة إلى اتفاق تبادل الأصوات الفائضة بين أحزاب اليمين.

وفي الجانب الآخر في معسكر الوسط واليسار الإسرائيلي، فلم ينجح حزباً اليسار المتآكلان: العمل وميرتس، من تحقيق الوحدة حتى ولو تكتيكيا كما فعلت أحزاب الصهيونية الدينية، وبالتالي لم يستطع "ميرتس" تجاوز نسبة الحسم وخسر هذا المعسكر أكثر من 135 ألف صوت، ولم يحصل سوى أربعة مقاعد، في حين لو توحد حزبا ميرتس والعمل، لكان من الممكن أن يحصلا على 6 مقاعد بدل 4 على أقل تقدير. وأكثر من ذلك خاضت أحزاب هذا المعسكر الانتخابات بشكل منفرد، دون أي تنسيق كما فعل حزبا الليكود وشاس، وهو التنسيق الذي أعطى هذا المعسكر اليميني ثلاثة مقاعد إضافية.

أما عن القوائم العربية، فقد كان الوضع أكثر سوءًا،  وبدلاً من أن تعزز هذه القوائم من وحدتها، والتنسيق فيما بينها، فقد انفضت وحدة القائمة العربية المشتركة، كما رفضت القوائم العربية حتى عقد اتفاق لتبادل الأصوات الفائضة. عبر هذا الأداء والإدارة السيئة للانتخابات خسرت القوائم العربية 3 أو 4 مقاعد، والأخطر أنها أضاعت أكثر من 130 ألف صوت، التي جمعها حزب التجمع الديمقراطي الذي لم يستطيع تجاوز نسبة الحسم، بالإضافة إلى الأصوات الفائضة الأخرى التي قد تعد بالآلاف، جميعها أو معظمها صبت لمصلحة حزب الليكود بزعامة نتنياهو، إن هذا الإخفاق يستدعي القيام بإعادة تقييم للتجربة لا تبادل الاتهامات وتعميق الشرخ.

لقد ارتكبت أحزاب معسكر التغيير الإسرائيلي والقوائم العربية كل الأخطاء التي كان من المفترض ألا ترتكبها إذا ما أرادت منع نتنياهو واليمين المتطرف الفاشي من الفوز. وفي نظرة سريعة لسوء إدارة معسكر التغيير والقوائم العربية، التي كان من الممكن تلافي أخطائها، لكان هذا المعسكر على الأقل منع نتنياهو من الحصول على 61 مقعدًا تؤهله لتشكيل ائتلاف حكومي، بل إن بؤس الأداء أعطى معسكر اليمين المتطرف أكثر مما كان يتوقع بحصوله 64 مقعدًا، ما سيتيح له تشكيل حكومة مستقرة  قد تستمر لأربع سنوات مقبلة.

والسؤال الآن: من سيدفع ثمن هذا الأداء الرديء؟

يمكن القول إن الشعب الفلسطيني، سواء من هم داخل أراضي العام 1948، أو في الأرض الفلسطينية المحتلة في الضفة والقدس وقطاع غزة، ستكون السنوات الأربع المقبلة سنوات قاسية وصعبة جدا مع أمثال بن يائير وسموتريتش ونتنياهو شخصيا. ولكن قد تكون إسرائيل ذاتها أكبر الخاسرين، وهنا أشير إلى ما قاله الصحفي الإسرائيلي العقلاني نحوم بيرنياع، وأكد عليه الصحفي الأميركي اليهودي توماس فريدمان "بأن إسرائيل التي نعرفها لم تعد موجودة"، والمقصود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية قد انتهت مع سيطرة الصهيونية الدينية والأحزاب الأرثوذكسية الدينية المتخلفة عليها. ومن هنا فإننا كفلسطينيين قد ندفع ثمنًا باهظًا من فوز هذا اليمين المتطرف الفاشي، ولكن تسقط هذه الطغمة الفاشية ورقة التوت عن إسرائيل العنصرية.

 

المصدر: الحياة الجديدة