تقرير إيهاب الريماوي

مساء أمس اجتمعت عائلة فادي عنبر الدباس في منزلها ببلدة جفنا شمال رام الله، طلبت الأم من نجلها خالد (21 عاماً) الإسراع في اتخاذ قرار الزواج حتى تبدأ بالبحث له عن عروس، غير أنه طلب منها التريث، وأن تبحث عن عروس لشقيقه محمد.

خرج خالد من المنزل بعد أن تلقى اتصالاً هاتفياً من صديقه باسل حتى يقوم بتوصيله إلى مكان عمله في أحد مخابز رام الله، أبلغ والدته أنه لن يتأخر وسيعود بعد ساعة، وأكد لها أنه سيتصل بها قبل أن يصل لتفتح له الباب.

تأخر خالد، الأمر الذي أقلق والدته خاصة بعد ورود أنباء عن إصابة شبان برصاص الاحتلال الاسرائيلي قرب مخيم الجلزون، لتحاول الاتصال به لكنه لم يرد.

بعد عدة محاولات رد عليها ضابط في جيش الاحتلال، وقالت له إنها والدة صاحب هذا الهاتف، فسألها ماذا يفعل في هذا الوقت، وأخبرته أنه خارج لتوصيل صديقه، لكنه كذبها وشتمها وأغلق الهاتف في وجهها.

خرجت الوالدة مذعورة إلى الشارع، وتوجهت إلى موقع إصابة خالد، الذي كان مليئاً بالدماء، لكنها لم تتمكن من الإطمئنان عليه، غير أن اتصالاً هاتفياً من هيئة الشؤون المدنية أبلغها رسمياً باستشهاد نجلها برفقة صديقه باسل بصبوص (18عاماً) من مخيم الجلزون وإصابة الشاب رأفت سلامة عوض حبش (19 عاما) من بلدة بيرزيت.

يتداخل نحيب والدته مع حشود من الشبان الذي جاءوا معزين باستشهاد خالد، وتقول بصوت بالكاد يُسمع: "قتلوهم بدم بارد، ليش ما اعتقلوهم".

"حرام شباب مثل الوردة، يقتلوهم هيك، الله يرضى عليهم"، تقول عواطف بصبوص والدة الشهيد باسل التي كانت تتوسط مجموعة كبيرة من النسوة اللواتي تجمعن حولها في منزلها في مخيم الجلزون.

ولا تختلف حالة عائلة صديقه الآخر الشهيد باسل، وقالت والدته إنها استيقظت عند الساعة الرابعة فجراً، لم تجده في المنزل فتفاجأت بأن باب المنزل مفتوح، فتوجهت إلى شقيقته تسألها عنه، لكنها لم تكن تعرف أنه خارج البيت، تحاول شقيقته الاتصال عليه لكنه لم يجب، فتقول لها والدتها: باسل استشهد.

تعجز والدته، عن إيجاد وصف مناسب لنجلها الأصغر الذي تعتبره الأحنّ والأقرب إليها بين اخوته (خمسة أبناء وخمس بنات)، وجميعهم متزوجون باستثناء باسل وشقيقته الصغرى.

يعمل باسل في مخبز وعمله يبدأ في ساعات الفجر، وخلال اليومين الماضين كان يرفض الخروج من المنزل ويصر على البقاء في المنزل رفقة والدته.

"يبدو أنه أحس أنه سيشتهد، بدو يظل قدامي وما يغيب عني"، تقول والدته.

بالأمس كانت والدته في زيارة لشقيقه أحمد البصوص المُعتقل منذ عام 2018 وهو محكوم بالسجن لمدة 10 سنوات، رفقة شقيقته والتي كانت الأخيرة طيلة وقت الزيارة تحاول أن تخفف عن والدتها وتخبرها بأن أحمد سيخرج قريباً، وعليها أن تشكر الله أنه ليس تحت التراب، لكن العائلة أفاقت صباح اليوم على نبأ استشهاد باسل.

"خلال الشهرين الماضيين لم يترك منزل صديق أو قريب إلا وذهب إليه، يبدو أنه كان يشعر بأنه سيستشهد". تقول شقيقته.

"باسل وخالد اصدقاء طول عمرهم مع بعض، واستشهدوا مع بعض، وبحبوا بعض، في أحلى من هيك كرامة"، تقول والدة الشهيد باسل.

يقول شاهد العيان ماهر أبو عوقة الذي يقع منزله بجوار موقع إعدام باسل وخالد: "أفقنا على صوت زخات كثيفة من الرصاص بشكل متواصل لمدة 10 دقائق عند الثالثة والربع فجراً، صحونا مذعورين نحاول الاحتماء بجدران البيت، إحدى الرصاصات اخترقت شباك الصالون الخارجي وأصابت الباب الرئيسي، ولولا عناية الله لأصابت نجلي الذي كان نائماً فيه".

ويضيف: " كان الجنود يتصرفون بشكل هستيري، يطلقون الرصاص بشكل عشوائي تجاه المنازل في المنطقة، فلم ألحظ في بادئ الأمر ما يجري، لم يكن هناك دوريات عسكرية بل جنود مشاة، وبعد إطلاق الرصاص بعدة دقائق جاءت الدوريات، وانسحبوا عند الخامسة صباحاً".

تُرك المصابون نحو ساعتين في الموقع، ولم تأت سيارات إسعاف لنقلهم حسب أبو عوقة، بل نقلوا بواسطة الدوريات العسكرية، فيما لم تعلن سلطات الاحتلال عن موعد لتسليم جثامين.

وحسب الترجيحات فإن ما جرى هو إعدم وقتل دون مبرر، حيث أن الشبان الثلاثة كانوا قادمين من منعطف حاد يحجب الرؤية تماماً أمامهم، ويبدو أنهم تفاجأوا بجنود الاحتلال الذين أمطروهم بالرصاص الحي، ليرتقى باسل الذي كان يقود المركبة وصديقه خالد الذي كان يجلس بجانبه، ويصاب صديقهم الثالث رأفت الذي كان يجلس في المقعد الخلفي.

ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، أن هذه الجريمة تأتي ضمن سلسلة الجرائم اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المواطنين في مختلف المناطق، فالاحتلال يطلق النار من أجل القتل ولخلق حالة من الخوف والذعر.

ويضيف: "ما حدث في مخيم الجلزون عملية قتل وإعدام مباشر، فلا أحد يصدق أن ثلاثة يخرجون لتنفيذ عملية دعس، فالمنطقة التي وقعت فيها الجريمة منطقة معتمة، وكان يمكن لجنود الاحتلال أن يوقفوهم، لكنهم أرادوا قتلهم".

ويتابع منصور:" الاحتلال يعجز عن المواجهة الآن، لذلك فإن أفضل طريقة بالنسبة له هي نشر حالة الخوف والرعب والقتل في كل مكان، ويريدون أن يعيش الفلسطيني في جو من الخوف والرعب، فهذه السياسة الاسرائيلية يدفع ثمنها من خلال عمليات القتل اليومية، فالوضع في الضفة ذاهب نحو الانفجار، وعمليات القتل والسياسة الإسرائيلية تستهدف الكل الفلسطيني".

وباستشهاد باسل البصوص، وخالد عنبر يرتفع عدد الشهداء المحتجزين في ثلاجات الاحتلال إلى 110 شهداء منذ عام 2016، أي منذ استشهاد الشاب عبد الحميد أبو سرور من مدينة بيت لحم في الثامن عشر من نيسان/ أبريل عام 2018.

وحسب احصائية وزارة الصحة، فإنه منذ بداية العام الجاري وحتى اليوم استشهد 160 مواطناً، بينهم 109 في الضفة، و51 في قطاع غزة.