في الفيلم المؤثر والمؤلم "ذا فاذر" جسد أنتوني هوبكنز باقتدار دور مريض ألزهايمر، التهم المرض دماغه، وغرق في نسيان كل شيء، عكس الفيلم بصورة درامية مأساة الملايين، ورغم الهلع الذي أشاعه المرض في السينما والواقع، لاحت في الأفق أخيرًا بارقة أمل، عقب الإعلان عن نجاح تجارب سريرية على دواء جديد.

وقالت شركتا إيساي وبيوجين، الثلاثاء، إنّ عقارهما التجريبي " ليكاناماب"، أبطأ من التدهور الإدراكي والوظيفي لمرضى ألزهايمر، في تجربة شملت نحو 1800 مريض في مراحل مبكرة من الإصابة، فيما قد يعتبر نجاحًا نادرًا، في مجال كثرت فيه الأدوية التي لم تسفر عن نتيجة.

وداء ألزهايمر هو اضطراب عصبي متفاقم يؤدي إلى ضمور الدماغ وموت خلاياه، ويعدّ السبب الأكثر شيوعًا للخَرَف؛ إذ يؤدي إلى انخفاض مستمر في القدرة على التفكير، وفي المهارات السلوكية والاجتماعية؛ ما يحدّ من قدرة الشخص على العيش بشكل مستقل.

وعلى مدار 20 عاماً من المحاولات والإخفاقات في المجال البحثي، لم يُسجّل سوى دواء وحيد في مواجهة ألزهايمر هو "أدكانيماب"، أعلن عنه في يونيو 2021، وفي حال تسجيله، سيكون الدواء الجديد "ليكاناماب" هو الثاني من نوعه، الذي تعتمده إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

لكن ما مدى قدرة الدواء التجريبي الجديد على مواجهة مرض ألزهايمر؟ وما خطة العلاج المقترحة؟ وهل يستحق حقاً أنّ يغرق المرضى وذويهم في أحلام وردية؟ أم أنّ الطريق لا تزال طويلة ووعرة أمام الوصول لعلاجٍ ناجعٍ؟

تفاؤل حذر

كريستيان ستين فريدريكسن، مدير وحدة التجارب السريرية في جامعة كوبنهاغن، أبدى تفاؤلاً مشوباً بالحذر بشأن الدواء الجديد، قال: "أعتقد أن هناك سببًا يدعو للتفاؤل نيابة عن المرضى الذين يعانون من مرض ألزهايمر".

ويضيف أنّ النتائج المنشورة - حتى الآن– تظهر تأثيرًا مقنعًا لـ "ليكاناماب"، بالنظر إلى جميع التدابير التي تم مراعاتها في التجربة، بما فيها تقييم أعراض مرض ألزهايمر، ومع مزيد من التدقيق في البيانات مستقبلاً، فإننا نتحدث عن نتائج تغير قواعد اللعبة.

لكن فريدريكسن يرى أنّ الوقت لا يزال مبكرًا جدًا، فمن الصعوبة بمكان التنبؤ بتأثير النتائج الحالية على برامج العلاج مستقبلًا، فالنتائج لا تزال محدودة للغاية، وهناك حاجة لمعرفة رأي السلطات التنظيمية فيها، ويتابع: "ليس ثمة شك أنّ تغيرًا جذريًا سيحدث في مجال علاج ألزهايمر، في حالة الموافقة على الدواء الجديد".

خطة علاج معقدة

يقول مدير وحدة التجارب السريرية في جامعة كوبنهاغن إنه من الضروري أن نضع في اعتبارنا أنّ تقديم هذا الدواء للمرضى لن يكون أمرًا يسيرًا أبدًا، إذ يُعطى العلاج عن طريق الحقن في الوريد، مرة كل أسبوعين.

ويتابع: "يحتاج المرضى إلى الخضوع لعملية تشخيص صارمة، وتكرار التصوير بالرنين المغناطيسي، لذا يجب تصميم مسار للتشخيص والرعاية يتلائم مع هذه المتطلبات" لافتاً إلى أن هذا المسار قد يمكن تقديمه في البلدان التي لديها نُظم رعاية صحية متطورة ومتقدمة تقنيًا، وهو ما يمنع كثير من المرضى من الاستفادة من الدواء، خاصة في الدول الفقيرة.

ويأتي السباق لوقف تطور مرض ألزهايمر، وسط توقعات بتضاعف عدد الأميركيين الذين يعيشون مع المرض إلى 13 مليونًا في عام 2050، وفقاً لجمعية ألزهايمر، بينما قالت المنظمة الدولية لمرض ألزهايمر إنّ عدد المرضى على مستوى العالم قد يصل إلى 139 مليونًا بحلول عام 2050.

اللغز الأكبر

وقال رونالد بيترسن، مدير مركز أبحاث مرض ألزهايمر في مايو كلينيك، في مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا الأميركية، إنّ هذا الدواء ليس علاجًا يشفي من المرض، لكنه قد يغير مسار المرض، ويبطئ معدل تقدمه.

وحسب البيانات المعلنة، يوقف الدواء تقدم المرض بنسبة ٢٧ في المئة، إذ يعمل على إزالة تراكم صفائح وطبقات من نوع من البروتينات الموجودة بالمخ يدعى "أميلويد بيتا"، وهي أحد أسباب الإصابة بألزهايمر.

وخلافاً لما اعتقد فيه العلماء لسنوات طويلة، يقول بيترسن أنّ "أميلويد بيتا" ليس العنصر الوحيد المتسبب في الإصابة بألزهايمر، فالمرض معقد للغاية، ويشمل مسببات أخرى مثل بروتينات: تاو، وألفا سينوكلين، وTDP-43، فضلًا عن أمراض الأوعية الدموية، وديناميات السائل الدماغي النخاعي.

ويستطرد: "بروتينات "أميلويد بيتا" مجرد قطعة واحدة من اللغز الأكبر، ربما تكون مهمة للغاية في بعض الأفراد كونها سبب شائع للمرض، لكن في نهاية المطاف، سنحتاج إلى علاجات مركبة؛ لمهاجمة مكونات متعددة تقف وراء الإصابة بألزهامير.

توضيح بيترسن عن تعدد أسباب ألزهايمر، يفسّر أسباب فشل غالبية الأدوية التي تم تطويرها خلال العقود السابقة لمجابهة مرض ألزهايمر؛ إذ كانت تستهدف منع تراكُم صفائح أميلويد بيتا فقط، من دون النظر في بقية مسببات المرض.

فئة محدودة وأمل في المستقبل

جيف كامينغز، مدير مركز تشامبرز جراندي لعلم الأعصاب التحويلي بجامعة نيفادا لاس فيجاس بالولايات المتحدة، قال: إنّ دواء "ليكاناماب" سيعالج فئة محدودة نسبياً من مرضى ألزهايمر، تنحصر فيمن يعانون من ضعف إدراكي خفيف؛ حيث سيتم الحفاظ على الذاكرة والتفكير لوقت إضافي قبل تطور المرض.

ويشير كامينغز إلى أنّ الأعراض الجانبية للدواء التجريبي، ظهرت في حوالي 20 بالمئة من المرضى، من بينها تورم في الدماغ لدى حوالي 3 بالمئة من المشاركين، وتحدث غالبًا في مراحل العلاج المبكرة، لكن سرعان ما يتم السيطرة على الأعراض الجانبية في نهاية المطاف.

وفي ختام حديثه يتوقع كامينغز أنّ يرى في خلال العقود الثلاثة القادمة، تقدمًا هائلاً في السيطرة والوقاية من مرض ألزهايمر وأمراض الدماغ الأخرى التي تصيب المسنين؛ حيث ستصبح العلاجات أكثر ملاءمة وجدوى وفعالية، بمساعدة اختبارات الدم في الكشف المبكر والتدخل قبل ظهور الأعراض على المرضى.

يشار إلى أنّ نتائج التجارب السريرية على الدواء الجديد مستقاة من البيانات الأولية فقط، إلا أنّ شركتي إيساي وبيوجين تقولان إنهما تخططان لنشرها في مجلة يراجعها الأقران، كما سيسعيان لتقديم البيانات من أجل الحصول على موافقة من السلطات التنظيمية الأميركية بحلول نهاية مارس المقبل.