ليالي عيد

على مدار أمس واليوم تحول المسجد الأقصى المبارك الى ساحة للانتهاكات الاحتلالية.. تدنيس وطقوس تلمودية وجولات استفزازية ورقصات هستيرية وهتافات عنصرية، منفذوها مستوطنون يبحثون عن حق أنكره عليهم تاريخ المدينة المقدسة ورفضه حاضرها، أما حُماتهم فكانوا جنودًا مدججين بالسلاح والعتاد، مارسوا ساديتهم بحق المرابطين والمصلين، اعتقلوا وأصابوا العشرات من المرابطين الرافضين للاقتحامات، في ظل تمادٍ واضح من المستوطنين وحاخاماتهم بممارسة طقوس توراتية كانت ممنوعة سابقًا في باحات المسجد.

أكثر من 846 مستوطنًا استباحوا قبلة المسلمين الأولى، على شكل مجموعات متتالية على مدار أمس واليوم لمناسبة احتفالات دولة الاحتلال بما يسمى رأس السنة العبرية، تلبية لدعوات أطلقها غلاة المتطرفين المتمثلين فيما يسمى "جماعات الهيكل" على مدار الأسابيع الماضية، لحشد أنصارها لأوسع اقتحام للمسجد الأقصى المبارك.

الناشط المقدسي أحمد الصفدي، قال لـ "وفا": "في ظل حمى الأعياد والانتخابات الإسرائيلية، حاولت شرطة الاحتلال توفير المكان والحيز وخاصة المسجد الأقصى المبارك للمستوطنين لاقتحامه وإقامة طقوسهم العنصرية وجولاتهم الاستفزازية".

وتابع الصفدي الذي كان شاهد عيان على الاعتداءات الاحتلالية: "ممارسات الاحتلال ومستوطنيه، استفزت المرابطين الذين رفضوا الاقتحامات، وحاولوا التصدي لها بالتكبيرات والهتافات للأقصى، إلا أن جنود الاحتلال قابلوا التكبيرات بالاعتداء على المكبرين وعلى الصحفيين والصحفيات لإبعادهم عن باب السلسلة وإتاحة المكان للمستوطنين الخارجين من المسجد الأقصى بالاحتفال من أجل إيصال صورة مزيفة للعالم بأن المستوطنين احتفلوا دون أي مضايقات".

موجة عاتية من العدوان الاحتلالي على المسجد الأقصى من اقتحامات ونفخ في البوق، والرقص واستباحة المسجد سعيا لتهويده بشكل كامل وفرض واقع جديد فيه، يتكرر في كل عيد ومناسبة احتلالية، سيتكرر أيضًا في الخامس من تشرين الأول المقبل الذي يصادق ما يسمى "عيد الغفران" العبري، ويشمل محاكاة طقوس "قربان الغفران" في الأقصى.

وفيما يسمى "يوم الغفران" يحرص المستوطنون على النفخ في البوق والرقص فيما يسمونه "كنيسهم المغتصب" في المدرسة التنكزية في الرواق الغربي للأقصى، وستشهد الأيام من 10 وحتى 17- من تشرين الأول المقبل- ما يسمى "عيد العُرُش" التوراتي، ويحرص المستوطنون خلاله على إدخال القرابين النباتية إلى الأقصى، وهي أغصان الصفصاف وسعف النخيل وثمار الحمضيات وغيرها.

ويقول مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي لـ"وفا": "منذ عام 2003 يحاول الاحتلال تغيير الوضع التاريخي القانوني القائم في المسجد الأقصى المبارك، حيث إنه يفرض واقعًا جديدًا يسيطر من خلاله على إدارة المسجد الأقصى بالكامل".

ويضيف: "تدخلات الاحتلال المتمثلة بالتعمير والترميم والتواجد المكثف لقواته داخل ساحات المسجد الأقصى محاولة لفرض التقسيم الزماني والمكاني"، مشيرا إلى أن الاحتلال يعمل على تقليص دور الأوقاف الإسلامية كما يحاول إنهاء الوصاية الأردنية، رغم زعم المسؤولين الإسرائيليين  احترام الوصاية الأردنية، لكن على أرض الواقع ما يجري هو محاولات إسرائيلية متكررة لإنهاء الوصاية الأردنية، حيث أن الاحتلال في عام 2017 حاول تثبيت التقسيم الزماني والمكاني من خلال وضعه للبوابات الالكترونية، وفي عام 2019 حاول الاحتلال تثبيت تقسيم المكاني من خلال إغلاق باب الرحمة وإقامة كنيس يهودي".

ويوضح الرويضي: "تواصلنا مع أطراف دولية وحذرنا من حرب دينية بسبب استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، طالبنا العرب والمسلمين باتخاذ موقف واضح يتجاوز إصدار البيان الصحفي المجرد، ليصبح هناك تحرك فعلي على أرض الواقع يأخذ بالاعتبار وضع المسجد الأقصى المبارك ويتخذ مواقف عملية تؤدي إلى حمايته".

وثمن الرويضي صمود المرابطين حماة المسجد الأقصى المبارك، والتحرك الدبلوماسي للرئيس محمود عباس مع الأردن الشقيق، إلى جانب التحرك القانوني مع أطراف دولية".

ويختم الرويضي: "نتأمل من القمة العربية المرتقب انعقادها في مطلع تشرين الثاني في الجزائر الخروج بقرارات تساند القدس وتدعم احتياجاتها وتوفر أدوات صمود المقدسيين، كما نأمل من العالم الإسلامي بأن يكون هنالك تحرك فعلي لاستنهاض عمل كامل على المستوى العالمي لإبراز مخاطر ما يقوم به الاحتلال في مدينة القدس".

مشهد الاعتداء على الأقصى، يتكرر في كل عيد أو مناسبة احتلالية، يستغلهما الاحتلال والمستوطنون لتغيير طابع المسجد الأقصى عبر زيادة الرموز الدينية اليهودية وجعله ذات قداسة لدى المستوطنين بالدعوة إلى اقتحامه واستباحته، في استهداف متعمد لقبلة المسلمين الأولى وإقحامه بالأعياد اليهودية.

المنظمات المتطرفة، التي تتبنى فكرة هدم الأقصى وإقامة "الهيكل" المزعوم على أنقاضه، تستغل موسم الأعياد في التحريض على تنفيذ المزيد من الاقتحامات للأقصى وزيادة أعداد المقتحمين وساعات الاقتحام، وفرض واقع جديد فيه على أمل تحقيق مخطط التقسيم المكاني والزماني للمسجد.

وكما كل مرة، تسبق سلطات الاحتلال اعتداءاتها بحق الأقصى، بإجراءات تزعم أنها لحماية المستوطنين المقتحمين، من خلال تكثيف انتشار العناصر الشرطية الراجلة والمحمولة، ونشر المتاريس الحديدية حول المسجد، وتشديدات على أبوابه، وحرمان الشبان من دخوله خلال الاقتحامات، والاعتداء على المرابطين لتفريغ محيطه منعًا لوصولهم إلى داخله والرباط فيه وصد اقتحامات المستوطنين، حتى الصحفيين لا يسلمون من اعتداءات الاحتلال لمنعهم من فضح الممارسات العنصرية والاعتداءات الهمجية.

ويقول أمين سر حركة فتح في القدس شادي مطور، لـ "وفا": "إن الاحتلال ماض في برنامج تهويد المدينة المقدسة، وما تم مشاهدته خلال فترة الأعياد اليهودية من انتهاك حرمة المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين، وجعل مدينة القدس ثكنة عسكرية من أجل تأمين اقتحام ساحات المسجد الأقصى، دليل واضح على سياسة التهويد".

وأضاف: "أن سياسة الاحتلال تهدف إلى تهويد مدينة القدس، إلا أن إرادة المقدسيين وإرادة شعبنا في الدفاع عن المدينة، هزمت الاحتلال وسياسته الرامية إلى عزل المدينة المقدسة وتهويدها".

لم تكتف سلطات الاحتلال بحماية الاقتحامات والاعتداء على الأقصى والمصلين، بل دعت المستوطنين لحمل السلاح، خلال حضورهم إلى الكنس خلال "رأس السنة العبرية"، خاصة في مدينة القدس المحتلة، وفي هذه الدعوة تشريع واضح وصريح لقتل الفلسطينيين بأمر مباشر من حكومة الاحتلال.

التصعيد الاحتلالي بحق الأقصى يُذكي ناره اقتراب موعد الانتخابات العامة في دولة الاحتلال المقررة في تشرين الثاني المقبل، حيث يرى قادة الاحتلال، أن أسهل الطرق لكسب أصوات الناخبين لا سيما المتطرفين منهم، يكون من خلال تكثيف الاعتداءات بحق الفلسطينيين ومقدساتهم