زهران معالي

عادة تشهد الطرقات الرابطة بين المدن في العالم حوادث سير ينتج عنها وفيات وإصابات، لكن في الضفة الغربية التي يضطر بها الفلسطينيون لتشارك الطرقات قسرا مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، إن نجوت من حادث السير، فلن تنجو من رصاصهم.

محمد علي أبو كافية (36 عاما) من بلدة بيت اجزا شمال غرب القدس، أب لثلاثة أطفال، كان آخر الضحايا، الذي ارتقوا برصاص شرطة الاحتلال على الطرق أو الحواجز العسكرية لمجرد "الاشتباه"، أثناء عودته لبلدته على الطريق الرابط بين مدينتي قلقيلية ونابلس، قرب مستوطنة "حفات جلعاد"، السبت الماضي.

أبو كافية الذي يعمل مرشدا تربويا في إحدى مدارس بير نبالا، افتتح محلا لبيع الهواتف النقالة في بلدته، وكان يقود مركبته في طريق عودته من مدينة قلقيلية بعد شراء بضائع لمحله، حيث اصطدم عن طريق الخطأ بمركبة شرطة متوقفة على جانب الشارع الرئيسي قرب المستوطنة، وقام أحد جنود الاحتلال المتواجدين بالمنطقة بإطلاق النار عليه، ما أدى إلى استشهاده، وفق مصادر عائلية.

أبو كافية وفق مراقبين ومختصين، ضحية تعليمات إطلاق النار التي صدرت عن المستويين الأمني والسياسي الإسرائيلي لجيش الاحتلال في شهر كانون أول/ ديسمبر 2021، التي منحت الضوء الأخضر لقتل مزيد من الفلسطينيين.

وتظهر تلك التعليمات والقرارات أن الغاية فقط القتل من أجل القتل لمجرد الاشتباه أو عدمه، دون تمييز بين النساء والرجال والأطفال، وجعلت كل مسلح إسرائيلي (عسكري أو مدني) محكمة متنقلة يستسهل الضغط على الزناد، وتخطف آمال عائلات بعد إعدام أحد أعمدتها لمجرد الشك.

ويبدو أثر تلك التعليمات واضحا وجليا في طبيعة الإصابات التي أدت لاستشهاد 152 فلسطينيا منذ بداية العام الجاري حتى أمس الأحد، بينهم 51 في قطاع غزة أصيبوا بشظايا في جميع أنحاء أجسادهم جراء القصف الصاروخي على القطاع، وفق وزارة الصحة.

وتشير احصائيات الوزارة إلى أن 101 شهيدا ارتقوا بالضفة الغربية، جراء إصابتهم بجروح قاتلة، 56 منها بالأطراف وغالبيتها بالعلوية منها، فيما ارتقى 9 منهم جراء إصاباتهم بجميع أنحاء جسدهم ستة منهم بالرصاص الحي واثنان بالدهس، ورجل ثمانيني جراء تعرضه للضرب.

وتفيد تلك الإحصائيات المتعلقة بشهداء الضفة الغربية، بأن 13 مواطنا استشهدوا جراء إصابتهم بالرصاص الحي بمنطقة الرأس واثنان بالرقبة والوجه، إضافة إلى 18 آخرين تعرضوا للإصابة بمناطق الصدر والبطن والقلب والظهر، فيما ارتقى ثلاثة أسرى جراء الإهمال الطبي.

ويقول مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار الدويك ، إن إسرائيل لديها سياسة الاصبع الخفيفة على الزناد، والمطبقة في جيش الاحتلال، تعطي الصلاحية للجنود والضباط في الميدان، باتخاذ قرار بإطلاق النار باستخدام القوة النارية واستخدام السلاح المميت، وذلك في حال اشتباههم بأن حياتهم تعرضت للخطر.

ويؤكد أن الإعدامات الميدانية جزء من سياسة عامة عنصرية يتبناها الاحتلال ضد الفلسطينيين، حيث أن القرار الذي اتخذ في كانون الأول/ ديسمبر الماضي من المستوى الأمني والسياسي الإسرائيلي يعطي صلاحيات للجندي بإطلاق النار عند الشعور بالخطر، ما أدى لتصاعد عمليات الإعدام خارج إطار القانون.

ويشير دويك إلى أن الإعدامات الميدانية التي ينفذها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين على الحواجز والطرقات وداخل المدن الفلسطينية، تترافق مع الإفلات من العقوبة لغياب المساءلة ولحمايتهم بتعليمات إطلاق النار من المستويين الأمني والسياسي الإسرائيلي.

ويوضح أن القيادة الفلسطينية أحالت عدة ملفات تتعلق بالإعدامات إلى الجنائية الدولية، وكذلك تقارير للمقرر الخاص في الأمم المتحدة، وعدة مداخلات لمجلس حقوق الإنسان حول الإعدامات الميدانية.

ولا تقتصر تعليمات إطلاق النار على جنود الاحتلال، بل تمنح المستوطنين الحق بإعدام الفلسطينيين لمجرد الاشتباه، ويبدو ذلك واضحا بقرار شرطة الاحتلال التي دعت فيه أمس الأحد جمهور المصلين اليهود وخاصة في مدينة القدس المحتلة، إلى حمل سلاحهم الشخصي خلال حضورهم إلى دور العبادة والكنس خلال عيد "رأس السنة العبرية" الذي بدأ عصر الأحد، وينتهي مساء الثلاثاء، بحسب ما أفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان".

ويتفق مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"، عمر رحّال مع دويك، بأن سياسة الإعدامات الميدانية بحق الفلسطينيين تمثل ترجمة لقرارات وتعليمات المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي، وأنها تهدف لإيقاع المزيد من الضحايا من الفلسطينيين.

ويرى رحّال ، أن الإعدامات الميدانية هي شكل من أشكال تغيير قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين وهي شكل من أشكال إرضاء المستوطنين، وتأتي في إطار المزايدات الانتخابية الإسرائيلية، منوها إلى أن مراكز الأبحاث الإسرائيلية واستطلاعات الرأي تظهر أن الإسرائيليين يشتكون من تراجع الأمن الشخصي، ولذلك ترسل الحكومة الإسرائيلية عبر قتل الفلسطينيين رسائل للمجتمع الإسرائيلي أنها قادرة على توفير الأمن للإسرائيليين.

ويتابع: رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد في الأصل كان يعمل صحفيا، ولا يملك سجلا عسكريا، وبالتالي يريد أن يثبت للإسرائيليين أنه قادر على مواجهة الفلسطينيين عبر سياسة الإعدامات الميدانية.

وتنص مدونة السلوك حول قواعد إطلاق النار الصادرة عن الأمم المتحدة والمعتمدة لدى جيش الاحتلال على أنه إذا واجه الجندي خطرا فعليه أولا أن يصرخ بأعلى صوته لتحذير مصدر الخطر، وإذا لم يستجب يطلق الرصاص بالهواء، وفي حال لم يستجب يعمل على شل حركته أي إطلاق الرصاص على الأطراف السفلية، وفق ما يوضح رحّال.

ويردف: لكن الاحتلال يأخذ أبعد الخيارات بإطلاق النار على المناطق العلوية من أجساد الفلسطينيين بهدف القتل بتعليمات من المستوى الأمني والسياسي، في تجاوز واضح للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة التي تتحدث عن حماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال.

ويؤكد رحال أن المطلوب فلسطينيا استغلال كل المسارات لفضح الاحتلال وجرائمه، وذلك عبر الشق القانوني بالتوجه للمحاكم الدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية، وكذلك الأمم المتحدة عبر المقرر الخاص بالأراضي الفلسطينية المحتلة ومجلس حقوق الإنسان، إضافة إلى مخاطبة الرأي العام العالمي عبر الاتحادات الدولية والنوادي الرياضية والمجموعات الشبابية والجمعيات وغيرها للتأثير في حكوماتها.

ووفق مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" الذي وثق استشهاد ستة فلسطينيين خلال نصف العام الجاري؛ نتيجة ما يسمى رسميا لدى الاحتلال "إجراء اعتقال مشبوه"، تظهر أن دولة الاحتلال تسترخص حياة الفلسطينيين، فلم تكن هذه أحداثا شاذة ولا أنّ الجنود تصرّفوا خلافاً للقانون، بل كانوا يطبّقون سياسة إطلاق النيران الفتاكة وغير القانونية التي تحظى بدعم تام من قبل كبار المسؤولين السياسيّين والعسكريّين وبتصديق من المستشارين القضائيّين.