ثمة مصطلحات أصبحت جزءا مهما في القاموس السياسي العربي وحتى العالمي، وأخذت هذه المصطلحات أهميتها كونها تعبر عن المنعطفات الحادة السلبية أو الإيجابية في تاريخ القضية الفلسطينية، والنضال الوطني الفلسطيني والصراع العربي الصهيوني، وبهذا الشأن هناك مصطلحات كثيرة ولكن أبرزها، من وجهة نظر عامة، ألا وهي " النكبة " و "النكسة " و " الانتفاضة "، طبعا هناك "هبة" وغيرها من المصطلحات، ولكن للثلاثة الأساسية أهمية خاصة، لأنها تعبر عن الأحداث الأكثر مفصلية. وقبل الانتقال للحديث عن تلك المصطلحات، لا بد من الإشارة إلى بعض المصطلحات التي جاءت مع الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي انطلقت عام 1965، مثل "الحرب الشعبية طويلة الأمد" و"فصائل الثورة" و "الانطلاقة " و"القرار المستقل" إلى آخره من المصطلحات.
بخصوص مصطلح "النكبة" كنت أنا وكثيرين مثلي، حتى وقت قريب يعتقدون أن المؤرخ الدمشقي قسطنطين زريق هو أول من استخدم مصطلح النكبة للتعبير عن الكارثة، أو كما سماها السياسي الفلسطيني البارز من تلك المرحلة موسى العلمي، بالفاجعة التي ألمت بالشعب الفلسطيني وفلسطين والأمة العربية، ولكن تبين أن هناك شاعر مصري من أصول شركسية يدعى أحمد محرم هو أول من استخدم المصطلح عام 1933، في قصيدة له يقول فيها: يا فلسطين اصطليها نكبة هاجها للقوم عهد مضطرم"، وكأنه كان يستشرف قبل 15 عاما من حرب 1948 ما سيحدث، ويدعو الأمة إلى أن تنهض لنجدة فلسطين. وهنا لا بد من الإشارة إلى الصحفية اللبنانية فيحاء دروزة، بأنها هي من أوصلني للشاعر أحمد محرم الذي نشر فصيدته المشار إليها في جريدة "البلاغ" المصرية.
قسطنطين زريق، الذي ألف كتابا مبكرًا جدًا عن هول ما حدث في حرب 1848، ونشره في شهر آب/ أغسطس من العام نفسه وسماه "معنى النكبة" قال إن وجود إسرائيل في قلب الوطن العربي وجه ضربة قاضية للمشروع القومي العربي الوحدوي، وهذه هي نكبة الأمة الحقيقية. فالمصطلح هو تعبير عن الكارثة، التي هي بحجم زلازل بقوة 12 درجة من مقياس ريختر، هزة غيرت شكل الشرق الأوسط وحتى العالم، بعد نجاح الاستعمار العالمي والصهيونية العالمية في تثبيت أقدامهما في أكثر المناطق اهمية من الناحية الجيوسياسية.
أما مصطلح "النكسة" فأول من استخدمه الكاتب والمؤرخ والصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل بهدف التخيف من وقع هزيمة حرب حزيران/ يونيو 1967. وعندما سئل هيكل عن سبب اختياره لمصطلح النكسة، وهوالمستشار المقرب جدًا من الزعيم المصري جمال عبد الناصر، قال، "لقد كانت الهزيمة ثقيلة جدًا على الأمة العربية، في ستة أيام فقط تهاوت الآمال والأحلام والطموحات، تهاوى المشروع القومي الطموح، فكان لا بد من أن نعطي للأمة أملا بالمستقبل، وإن النكسة عبارة عن خلل مؤقت يمكن إصلاحه أما الهزيمة فهي استسلام". مصطلح النكسة بالمعجم اللغوي هو الشخص المريض الذي يعود له المرض بعد انقطاع قصير، أو باللغة العاميه " انعكست حالته".
وحول مصطلح "الانتفاضة" الذي أصبح مصطلحًا عالميًا للتعبير عن حالة شعبية ثورية لرفض واقع ما، وفي الحالة الفلسطينية رفض الاحتلال الإسرائيلي. المصطلح قديم في اللغة العربية لكنه أصبح عالميًا بعد الانتفاضة الفلسطينية الشعبية التي اندلعت بشكل شامل في كانون الأول/ ديسمبر 1987، واستمرت لعدة سنوات ولقيت اهتمامًا وتعاطفًا دوليًا، ومنذ ذلك التاريخ كلما هب الشعب الفلسطيني في تحرك جماهيري قوي، تشارك فيها فئات واسعة من المجتمع، في وجه الاحتلال على الفور يتم استخدام مصطلح انتفاضة، وأصبح الأمر يسري على كل شعب يثور في العالم. وإذا كانت النكبة والنكسة تعبيرًا عن محطة مؤلمة في تاريخ القضية الفلسطينية، فإن الانتفاضة هي تعبير عن الروح الكفاحية العظيمة للشعب الفلسطيني وتمنحه الشعور بالكرامة والأمل، وهي دليل على أن إرادته الوطنية الصلبة لا يمكن هزيمتها رغم هول المأساة.
على أية حال، قاموس النضال الوطني الفلسطيني، ونضال الأمة العربية في وجه إسرائيل مليء بالمصطلحات، وسيضيف مصطلحات أخرى، بعضها يعبر عن الألم والبعض الآخر عن الإصرار والعزيمة، وفي نهاية الأمر وكما تقول رائعة المطرب والملحن المصري سيد مكاوي "الأرض بتتكلم عربي".
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها