سعى قادة الاستعمار الصهيوني بعد الإعلان عن قيام دولتهم على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني 1948، ونتيجة عدم تمكنهم من بلوغ هدف التطهير العرقي الكامل لأبناء فلسطين من وطنهم، وفي أعقاب تدشين عمل البرلمان الإسرائيلي في العام 1949، ورغم وجود واستمرار الحكم العسكري ضد أبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة حتى عام 1957، ومواصلة سياسة التمييز العنصري والقهر والإرهاب المنظم ضدهم حتى يوم الدنيا هذا، سعوا لإشراك الفلسطينيين في الكنيست أولاً عبر الأحزاب الصهيونية والحزب الشيوعي القائمة؛ ثانيًا بعد أن شكلوا أحزابهم وأطرهم الفلسطينية ذات التوجهات المختلفة، والتي جاءت نتيجة تبلور قناعات في الأوساط الفلسطينية بضرورة المشاركة في المؤسسة التشريعية بهدف إسماع صوتهم والدفاع عن قضاياهم الوطنية والقومية والاجتماعية الاقتصادية والثقافية، وبعيدًا عن العامل الفلسطيني وخلفياته، وبالانشداد لحسابات وأجندة القيادات الصهيونية، فإن هدف هذه القيادات كان تلميع وجه الدولة الإسرائيلية الناشئة، وإعطاءها صبغة "ديمقراطية"، وذلك بهدف منحها "الشرعية" والقبول في الأوساط العالمية والإقليمية.
باختصار شديد هذا الوجود الفلسطيني في الكنيست الإسرائيلي، ورغم أهداف القيادات والمخططات الصهيونية الاستراتيجية والتكتيكية من الوجود الفلسطيني العربي المكشوفة، إلا أن وجودهم أكد أكثر من حقيقة في الشارع الإسرائيلي الصهيوني والعالمي، أولا تأكيد حضورهم كجزء أساسي في الدولة الإسرائيلية؛ ثانيًا حماية اللغة والثقافة الفلسطينية داخل الدولة اللاشرعية؛ ثالثًا نفي وترسيخ حقيقة عدم إمكانية وجود دولة إسرائيلية صهيونية نقية، وأياً كانت أدوات وجرائم وانتهاكات أجهزة الدولة الكولونيالية، بالتالي سقوط خيار الترانسفير، الذي لم تُطوَ صفحته حتى الآن؛ رابعًا الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، باستثناء مندوبي الحركة الإسلامية الجنوبية، الذين أسقطوا هذا الخيار من حساباتهم، وهو ما عراهم وفضح حقيقة خلفيتهم المتواطئة مع الحركة الصهيونية وقواها الأكثر فاشية ودموية.
وتمكن النواب الفلسطينيون في أكثر من مناسبة ومحطة من لعب دور مركزي في السياسة الإسرائيلية، وعلى سبيل المثال لا الحصر على خلفية اتفاقية المبادئ مع منظمة التحرير انسحب حزب "شاس" من حكومة رابين، وبقيت حكومة انتقالية عرجاء، استندت إلى دعم أحزاب المعارضة، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) والحزب العربي الديمقراطي وبالتالي أنقذوا حكومة إسحاق رابين، ومكنوها من التوقيع على الاتفاقات الأخرى. وهنا لا أناقش الموقف من الاتفاقيات، بقدر ما أردت تبيان أهمية الصوت والعضوية الفلسطينية في الكنيست.
وفي ظل تعاظم وتعمق أزمة المشروع الصهيوني الاستعماري ودولته المارقة والخارجة على القانون، التي وجدت انعكاسها في جولات الانتخابات الأربع من 2019 وحتى 2021، والتي عادت مجددًا تطفو على السطح بعد حل الكنيست الـ24 نفسه، والذهاب لانتخابات برلمانية جديدة، ومع كل استطلاع رأي جديد، وآخرها الاستطلاع الذي أجرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أمس الجمعة 24 حزيران الحالي يتأكد المراقب، أن أعضاء الكنيست الفلسطينيين في القائمة المشتركة تحديدًا باتوا بيضة القبان في المشهد الإسرائيلي، وعنوان تشكيل أي حكومة قادمة، حيث حصلت الموالاة على 57 مقعدًا، والمعارضة بزعامة نتنياهو حصلت على 57 مقعدًا، و6 مقاعد للقائمة المشتركة.
وهو ما يسمح للاستنتاج العلمي والواقعي، أن الصوت والكرسي الفلسطيني في الكنيست الإسرائيلي رقم صعب، ومعادل يوازي كل جبروت وبطش وعنصرية قوائم الأحزاب الصهيونية بمختلف تلاوينها ومشاربها من الفاشية إلى الأقل فاشية، إلى قوى المركز الصهيوني. كما أن المقعد الفلسطيني المؤيد للسلام، والمتمسك بالدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية في مختلف التجمعات داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة عام 1976، هو وليس أحد غيره من يمسك بتلابيب المشهد الإسرائيلي، ومن يريد بلوغ سدة الحكومة عليه أن يعود إليهم، ويتفق معهم، لأن القوى الصهيونية المختلفة لن تتفق فيما بينها، كون التناقضات الموجودة بينها كبيرة وعميقة، رغم أنها ذات خلفيات استعمارية واحدة.
أضف إلى ذلك أن عبقرية وبراعة وفهلوة الملك الفاسد، نتنياهو، الأطول حكما في إسرائيل، والأكثر حضورًا وشعبية في أوساط المجتمع الإسرائيلي خلال الـ 13 عامًا الماضية، لم تمكنه من حشد 61 نائبًا صهيونيًا حتى الآن. وقد أذهب بعيدا دون جزم، إلى أنه لن يستطيع تأمين هذه المقاعد حتى لو تحالفت معه قائمة منصور عباس الإخوانية. الأمر الذي يملي عليه أو على غيره اللجوء إلى القائمة المشتركة، التي أتوقع لقواها إن أحسنت إدارة المعركة الانتخابية القادمة، فإنها ستحصد مقاعد تتجاوز الرقم 6 ويمكن أن تحصد 8 أو حتى 9 مقاعد. لكن من السابق لأوانه الحديث بما يمكن أن تحصده أي من القوائم، لأن الشارع الانتخابي في الوسطين الفلسطيني والإسرائيلي الصهيوني متموج ومتحرك.

*المصدر: الحياة الجديدة*