تقرير: جويد التميمي

أحيا الشعب الفلسطيني الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية في كافة أماكن تواجده، تحت شعار "كفى 74 عاماً من الظلم والكيل بمكيالين"، يوم أمس الخامس عشر من أيار/مايو كما كل عام، للتأكيد على صموده فوق أرضه، وتجديد آماله بالعودة والتحرير.

هذا الظلم المزدوج لشعبنا الفلسطيني الذي يشكّله الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه والمجتمع الدولي بعجزه عن تنفيذ قراراته، يجسد على الأرض واقعًا في قرى وتجمعات مسافر يطا جنوب الخليل، التي تتعرض في هذه الأيام إلى حملة شرسة لترحيل سكانها قسرًا وهدمها بغية تهويدها بالكامل، كجزء من عملية التهويد الشاملة الموجهة ضد فلسطين أرضاً وشعبًا، بدءًا من الاستيلاء على الأراضي، وانتهاء ببناء المستوطنات وجلب المهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالم ليقطنوا فيها.

في الرابع من مايو/أيار 2022، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، قرارًا برفض الالتماس الذي تقدم به أهالي 12 تجمعًا سكنيًا فلسطينيًا، ضد هدمها وترحيل سكانها وإعلانها مناطق "إطلاق نار".

قال محمد محمود نجاجرة (44 عاماً) الذي يقطن قرية المركز المهددة بالهدم والترحيل في مسافر يطا، ويعمل في تربية المواشي ويعيل أسرة مكونة من 16 فردًا، "يعتصرني الألم لما نواجه من اعتداءات من قبل الاحتلال ومستوطنيه، نحن مهددون من محكمة الظلم الإسرائيلية بالترحيل القسري، نحن وأطفالنا سنصبح في العراء، فعمليات الهدم والاستيلاء على الأراضي وبناء المستوطنات فيها، تأتي في سياق مخطط إسرائيلي يقوده المستوطنون بدعم من حكومتهم، يهدف في مضمونه إلى إيجاد منطقة عازلة حسب زعمهم في المناطق القريبة لتجمعاتهم الاستيطانية".

وأضاف: "بقوة الحق، لن نبرح قرانا وتجمعاتنا التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا، وسنبقى متشبثين بها، وادعاء قوات الاحتلال بأن قرانا وتجمعاتنا مناطق عسكرية خالية من السكان محض افتراء وكذب، فنحن متواجدون في أراضينا قبل الاحتلال، وسنبقى فيها وفي خيامنا وكهوفنا وبيوتنا ولن نرحل مهما تصاعدت اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، ومهما كلفنا ذلك من ثمن".

خبير الخرائط والاستيطان في جنوب الضفة الغربية عبد الهادي حنتش قال: "إن الاحتلال يحاول فرض ما يسمى منطقة إطلاق نار للتدريبات العسكرية لجنوده في مسافر يطا جنوب الخليل، حيث تقع قرب القرى ال12 المهددة بالهدم والتهجير وهي (جنبا، والمجاز، والفخيت، والحلاوة، والمركز، والفقرة، والطوبا، والتبان، ومغاير العبيد، وصفي القوقا، وصفي التحتا، وخلة الضبع) وهذه القرى مقامة على أراضي وممتلكات المواطنين قبل قيام الكيان الصهيوني في فلسطين".

وتابع: "في عام 1996م أصدرت سلطات الاحتلال 16 أمرًا عسكريًا في يوم واحد، بقرار واحدًا يقضي بالاستيلاء على 256 ألف دونم، من أراضي المواطنين بمسافر يطا جنوب الخليل، وأطلقت على هذه المنطقة بعد الاستيلاء عليها (منطقة إطلاق نار رقم  918) وأن هذا الاستيلاء طال جميع هذه القرى والتجمعات السكانية المجاورة وقرى أخرى، إضافة إلى ذلك رحلت سلطات الاحتلال 250 عائلة من هذه القرى المستهدفة بالهدم والترحيل، بزعم وقوعها ضمن منطقة إطلاق نار وتدريبات عسكرية، حيث رحلت هذه العائلات عنوة في ظل ظروف جوية صعبة، فأصبحت العائلات وأطفالها بقوة السلاح في العراء".

وأضاف حنتش: "كنت في ذلك الوقت أعمل في اللجنة العامة للدفاع عن الأراضي، وأسكنا بعض العائلات المهجرة عنوه في خيام بصورة مؤقته، وآخرين في كهوف عند أقاربهم، وفي عام 1999 رفعنا قضية لدى محكمة الاحتلال ضد الاحتلال وترحيلهم من قراهم، واستطعنا عام 2000 استصدار قرار من المحاكم الإسرائيلية يقضي بإعادتهم إلى قراهم وتجمعاتهم التي هجروا منها، وحينها عادوا إليها، إلا أن سلطات الاحتلال لم تتركهم وشأنهم فلجأت إلى أسلوب التهديد والوعيد، من خلال تنفيذها تدريبات عسكرية بين بيوتهم وإطلاق النار من على أكتاف أطفالهم لترويعهم وإجبارهم على الرحيل طوعًا، إلا أننا وبدعم من الحكومة الفلسطينية عملنا على تعزيز صمودهم في قراهم وتجمعاتهم وزودناهم بالخيام وخزانات المياه وأعلاف لماشيتهم وأغطية ومتطلبات حياتاهم اليومية".

وأوضح، في هذه الأيام تحاول سلطات الاحتلال متنكرة لقرار محاكمها السابق العودة إلى ترحيلهم، وذلك بسبب شكاوي قدمت من قبل عدد من المستوطنين، ومنظمة "ريغافيم" الإرهابية، وهي منظمة يمينيه متطرفة تسعى لإيجاد ما تسمى قنوات قانونية لتنفيذ مذكرات الهدم التي تصدرها السلطات الإسرائيلية ضد البيوت والمنشآت الفلسطينية، ويعتبر آري بريجز (مدير الدائرة الدولية في المنظمة) من أبرز نشطائها، ويتركز عمل "ريغافيم" في مناطق النقب المحتل والمنطقة المسماة "c" التي تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وهذه المنظمة تمتلك حرية الوصول إلى معلومات جغرافية أو ديمغرافية عن منطقة "c" بترخيص من "الإدارة المدنية"، وتستخدم نظم المعلومات الجغرافية، وتقوم بإجراء تصوير جوي مفصل بوجود احتلال إسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وكانت هذه المنظمة قدمت شكوى إلى سلطات الاحتلال بداية عام 2012 مفادها "وجود بؤر استيطانية فلسطينية غير شرعية يجب ترحيلها من المنطقة" ووافق وزير الحرب الإسرائيلي حينها على شكواهم في نهاية العام المذكور، وتم اختيار خربة سوسيا كبداية لمشروع الترحيل، ويبدو أن سلطات الاحتلال مصممة على تفريغ المنطقة وتهجير سكانها، وأصبحت هذه المنطقة واقعة بين ما يسمى الخط الأخضر من الجهة الشرقية وحزام من المستعمرات والبؤر الاستيطانية من الجهة الغربية، ويتعرض سكانها الفلسطينيون لاعتداءات وحشيه متواصلة من قبل المستوطنين المتطرفين وقوات الاحتلال التي تحميهم.

وتندرج عملية ترحيل المواطنين عن قراهم وتجمعاتهم الـ12 في إطار التطهير العرقي الذي يجرمه القانون الدولي وقوانين الأمم المتحدة، وخلال الأعوام القليلة الماضية سعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى توسيع رقعة السرطان الاستيطاني وتمدده في محافظة الخليل بشكل كبير، حيث دعمت إنشاء ما يقارب 27 مستوطنة، و42 بؤرة استيطانية، يقطنها ما يزيد عن 18 الف مستوطن متطرف، ينغصون حياة ما يزيد عن 800 الف مواطن يقطنون محافظة الخليل.

وقال رئيس مجلس قروي مسافر يطا نضال يونس أبو عرام، أصدرت محكمة الاحتلال بتاريخ 4/5/2022م، قرارًا برفض الالتماس الذي تقدم به أهالي القرى و12 تجمعًا سكنيًا، الذين يصل عددهم إلى 4 آلاف شخص، ضد قرار الاحتلال عام 1981 والقاضي بإغلاق منطقة المسافر بشكل كامل، وإعلان ما يزيد عن 30 ألف دونم من أراضيها مناطق "إطلاق نار 918"، غير مكترثة بأنها مأهولة بالسكان.

وأشار إلى أن محكمة الاحتلال تجاهلت كل الأدلة والبراهين القانونية القاطعة التي تقدم بها الأهالي على مدار 22 عامًا، والتي تكشف الكذب الإسرائيلي بأن تلك المناطق غير مأهولة بالسكان، وبذلك من المتوقع أن تقوم قوات الاحتلال، في أية لحظة، بهدم تلك التجمعات وتهجير ما يقارب 4 آلاف مواطن.

وقد تعرضت تلك التجمعات في أكثر من مرة لعمليات هدم وتهجير على يد الاحتلال. ففي عام 1966 هاجمت قوات الاحتلال جنوب الضفة الغربية، وبلدة السموع، وقرى مسافر يطا، وهدمت جزءا كبيرا من تلك التجمعات ومنها قرية "جنبا".

وفي العام 1981 أصدر الاحتلال أمرًا عسكريًا بإغلاق تلك المناطق، وإعلانها منطقة إطلاق نار، وشرع في تنفيذ سلسلة من الاعتداءات على الأهالي، كان أعنفها في 17 رمضان 1985 عندما قام بهدم عدد كبير من منازل المواطنين في تلك التجمعات. وفي صبيحة عيد الفطر من العام ذاته أعاد الاحتلال هجومه على (جنبا، وبئر الغوانمة، والمركز، والفخيت) وهدم ما تبقى منها للمرة الثانية.

وتكرر الأمر عام 1999، عندما شن الاحتلال حملة تهجير قسري لأهالي تلك التجمعات، وأغلق المنطقة بالكامل ونقل بقوة السلاح الأهالي وقطعان الماشية خاصتهم بحافلات، وأبعدهم عن قراهم، إلى منطقة نائية تقع بين قرية "الكرمل والتوانة"، وهدم تلك التجمعات للمرة الثالثة.