ست عشرة ساعة هي زمن المعركة، من الساعة الخامسة والنصف فجرا حتى الساعة التاسعة والنصف مساء، أعادت الامل، ليس للشعب الفلسطيني والشعب الاردني الشقيق الشريك في هذا النصر، وإنما الأمة العربية جميعها. انتصار الكرامة جاء بعد هزيمتين كبيرتين للجيوش العربية مع إسرائيل، الأولى في حرب عام 1948، والتي نجم عنها نكبة الشعب الفلسطيني، الفاجعة الكبرى، وهزيمة حرب حزيران / يونيو 1967، التي احتلت خلالها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، بالاضافة إلى هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء.

معركة النهار الواحد  الشرسة في 21 آذار/ مارس  1968، والتي انتهت بهزيمة مذلة للجيش الاسرائيلي الذي تباهى الاسرائيليون بأنه "لا يقهر" كانت بمثابة نصر كبير للثورة الفلسطينية، للفدائيين المعبئين برغبتهم الكبيرة للحرية والايمان بعدالة قضيتهم والمسلحين باسلحة فردية بسيطة، لقد أضاء هؤلاء الفدائيون مع إخوانهم جنود وضباط الجيش العربي الأردني شمعة في عتمة الهزيمة، ومثل الانتصار في معركة الكرامة انطلاقة ثانية للثورة الفلسطينية ومنحها الزخم الجماهيري الذي قاد في حينه إلى تحرير منظمة التحرير الفلسطينية من قبضة الأنظمة العربية وهيمنتها عليها.

أذكر الجماهير الغفيرة التي خرجت الى شوارع عمان في اليوم التالي للمعركة وهي تهتف للثورة الفلسطينية، لفتح التي اتخذت قرار المواجهة والصمود في بلدة الكرامة وهو القرار الذي جلب النصر التاريخي. وبعد أقل من عام من هذا النصر، وبالتحديد في شباط / فبراير 1969 تم انتخاب ياسر عرفات، الذي كان قائد هذا النصر، رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قائدًا عامًا للثورة الفلسطينية، ومنذ ذلك التاريخ أمسك الشعب الفلسطيني بقراره الوطني المستقل، بقرار القضية الفلسطينية.

ولعل أبرز دروس معركة الكرامة أن النصر يمكن ان يتحقق إذا توحدت إرادة العرب في مواجهة إسرائيل، فالذي صنع معجزة الكرامة هو ذلك التلاحم بين الفدائي والجندي الأردني في ميدان المعركة.

لقد أعادت هذه المعركة للأمة العربية ثقتها بنفسها، كما ألهمت الزعيم المصري والقومي العربي جمال عبد الناصر ليطلق حرب الاستنزاف  ضد إسرائيل على جبهة قناة السويس في حزيران/ يونيو من نفس العام، وهي الحرب التي استمرت حتى صيف  عام  1970، ومثلت مقدمة لحرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

من دون شك أن معركة الكرامة وضعت نفسها حدثا مهما في تاريخ الشعب الفلسطيني، وهي احدى المحطات المهمة في نضاله الوطني الطويل، ولحظة تاريخية استعاد خلالها الفلسطينيون زمام المبادرة بما يتعلق بمصيرهم ومصير قضيتهم. صحيح أن الشعب الفلسطيني لم يحقق أهدافه بعد ولكن هو موجود بقوة على الخارطة السياسية والجغرافية بفضل هذه التراكمات  النضالية، هو لا يزال صامدًا على أرض وطنه، وأفشل كل محاولات الصهاينة لإلغاء وجوده وحرمانه من حقوقه الوطنية السياسية المشروعة.

سيبقى نصر الكرامة ملهما للشعب الفلسطيني ولكافة الشعوب التي تكافح من أجل الحرية وهذا سر ديمون معركة الكرامة في ذاكرة الشعب الفلسطيني والأمة العربية الجماعية.

المصدر: الحياة الجديدة