شفيق الغبرا من القامات النضالية، والعلمية في ذات الوقت، ولمن لا يعرفه بإمكانه الرجوع لقراءة مقالاته العديدة، والاطلاع على مجموعة من كتبه الرائعة عن المسار النضالي من جهة، وعن تلك التي تعرض فيها للعلاقة الفلسطينية الكويتية التي عانت من التذبذب بين القوة والضعف لظروف كثيرة أسقطت عليها وغالبًا لم تأتي من ذاتها. د.شفيق الغبرا لمن يريد أن يقرأ في سير المناضلين الأفذاذ الرجوع لكتابه الثمين "حياة غير آمنة-جيل الأحلام والاخفاقات" عن تجربته مع الثورة الفلسطينية في لبنان، ليكتشف مدى الحساسية والفعالية التي يتمتع بها المناضلون، وهو كان أحدهم مع سلسلة من الكويتيين والعرب الآخرين الذين قدموا أرواحهم وجهدهم ووقتهم ومالهم لفلسطين لا يتوقعون حمدًا ولا شكورًا. لا أدرى ما فعلته الكتيبة الطلابية التابعة لحركة فتح في الناس إلى هذه الدرجة! هل رمت عليهم تعاويذ السحر، أم فعلت بهم الأعاجيب، أم ما الأمر حقًا؟ في ظني أنها شكلت منهم عجينة أخلاقية مختلفة كليًا ومتميزة عن كثير من قطاعات الثورة الأخرى! وهو ما تحسّه وتلمحه عندما تجتمع مع الأخ محمود العالول أبوجهاد نائب رئيس الحركة حاليًا-من ذات الكتيبة سابقًا والتي مازال منها أيضًا ممن نعرفهم في داخل فلسطين أخونا الجميل محمد قاروط أبو رحمه. يراودك إحساس بالطلاوة والجمال لا يقاوم أيضًا عندما تقرأ ما خطّته يد الراحل الكويتي-الفلسطيني الشهيد شفيق الغبرا، أومعين الطاهر(تبغ وزيتون-حكايات وصور من زمن مقاوم)، أو فتحي البس (انثيال الذاكرة...هذا ما حصل)، وأيضًا أبرز عقول الكتيبة منير شفيق (من جمر الى جمر-صفحات من ذكريات منير شفيق)، أوكتابات د.سعود المولى المناضل اللبناني الشرس، وفي تجربة المرحوم د.محجوب عمر المناضل المصري في الكتيبة، أو السيد هاني فحص المعمم اللبناني والمناضل الراحل، وفي ما كُتِب عن تجربة الشهيد علي أبوطوق والثلاثي الشهيد (مروان كيالي وباسم التميمي ومحمد بحيص)...، (أنظر كتاب المبدع مهند الأخرس المعنون الجرمق)، وقد تجد لدى عباس "الأقاليم" والدكتور وجيه "الغربي" ما يشبه ذلك أيضًا، (أنظر كتاب أسماء أبوعياش المعنون: فدائي عتيق)، وربما آخرين ممن لم أقرأ لهم، عن الثورة، وعن ذات الجماعة المميزة. رغم أن الجماعة أي الكتيبة الطلابية (أو كتيبة الجرمق التي كان قائدها الاول سعد أوعبدالقادر جرادات) قد تفرقت بين أصقاع الأرض، وربما تفرقت عن المنبع الفكري الذي جمعها إلا أنها بدت جماعة آنذاك-فترة الوجود الثوري الفلسطيني في لبنان- قفزت فوق الخلافات وكأنها تجمع فكرة فتح الأصلية في ينبوع نهر عمل متدفق نأى بنفسه عن الصراعات السياسية التي كانت دائرة في بوتقة القيادة وانخرطت في معمعان الفعل الثوري الذي جعل من التجربة مصقلًا لهم، وكأنه تم إعادة قولبة أرواحهم وقيمهم فناموا بين رحيق الآمال وعاشوا أحلام العودة والنصر. ورغم أفول الكثير مما تمنوه وتشتت الجمع بين التيارات الفكرية المختلفة، إلا أن القيم والاخلاق والقرب والمحبة والحنين والذكرى العطرة رغم كبر الألم، وانحباس الأحلام، وربما بعض السحر، ظلت ملازمة لهم حتى اليوم. كنت انتظر قدومه بشوق لمعرض الكتاب الأخير الذي أقيم في فلسطين، ولكنه نظرًا لعقبات الاحتلال المعتادة لم يحضر، وكان قد فاتني لقاؤه في السنة السابقة لاسيما والاحتفاء بكتابه الهام "النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت". وأظنه ملّ الانتظار فقفز إلى نعيم ما يريد. د.شفيق الغبرا الكويتي الفلسطيني الحيفاوي الأصيل شخصية تحبها عندما تراها ومن الوهلة الأولى لأنه يأسرك بدماثة خلقه، وبلكنته ومحياه الجميل وابتسامته الودودة وبتواضعه الجم، ولك أن ترى فيه رجل الاعتزاز بالوطن العربي من المحيط إلى الخليج الذي جعل من فلسطين معبرًا إلى الكويت ومن الكويت معبرًا إلى فلسطين فعبّر خير تعبير عن الوحدة في الذات والتطبيق وحقيقة الإيمان بل والمصير المحتم. رحم الله شفيق الغبرا.