رجل أتاه الله من ملكه الكثير والكثير، كان يحتل قمة الثراء، ولا يوجد بكل بلاده من هو أغنى منه.

كان يغدق بالنعم الكثيرة على أهله، والده وإخوته وزوجته وأبنائه، وكانت له أم طريحة الفراش لا يراها قط.

وذات يوم كان يجلس على عرش مملكته، يرقب أعماله من سفن بالميناء وعمال وإلى آخره، أتاه رجل صلاح ليدعوه للعمل إلى آخرته حيث أنها التي ستنفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ولكن الرجل الثري امتنع، أخبره أنه لا حاجة إليه للصلاة فهو يملك كل شيء، يملك كل ما يتمناه أي إنسان وأكثر، يملك أسرة محبة له والأموال الطائلة.

عرض عليه الرجل الصالح فكرة تثبت صدق ما يقول، وافق الرجل الثري على فكرته؛ قام بوضعه داخل تابوت وجاء بأربعة من الرجال حملوا التابوت، وذهبوا به لأهله ومعهم الرجل الصالح.

كانوا مجتمعين جميعا، أخبرهم الرجل الصالح، لقد توفي إثر حادث مرير تعرض إليه، جميعهم بكوا عليه، كان الرجل الثري بالتابوت يسمع كل شيء.

قال أحد إخوته: “نريد أن نراه”.

فأجاب الرجل الصالح: “لن يتمكن أحد من رؤيته، فهو الآن داخل التابوت ومعه ثعبان عملاق حيث أنه كان تاركا للصلاة، ولم يقبل على صلاته ودعائه طوال حياته ولا مرة واحدة، ولكن يمكنكم مساعدته، فبإمكان أحدكم إن لمس قدميه يعطيه بعضا من أيام عمره المتبقية”.

أبا الجميع أن يعطوه حتى يوما واحدا من أعمارهم، لا إخوته ولا أبيه ولا حتى زوجته وأبنائه، تذكر الرجل الثري كلام الرجل الصالح عندما أخبره أن مالك وأهلك لن يدخلوا معك القبر، وإنما عملك الصالح فقط من سيؤنسك بالقبر وينير لك إياه.

الجميع تنكروا له على الرغم من معاملته الحسنة لكل منهم، بقيت أمه، جاءت على عجل شديد، وطلبت من الرجل الصالح أن تؤتي ابنها كل ما تبقى من عمرها حتى يعود للحياة ويعمل الكثير من الصالحات ليلقى ربه سبحانه وتعالى راضيا عنه.

خرج الرجل الثري من تابوته والدموع تتساقط من عينيه، خر على الأرض يقبل قدمي والدته التي منذ أن رقدت بالفراش نسي أمرها تماما، انتبه لصلاته وعمل الصالحات، ولم يعد ينفق كل وقته وأمواله على عائلته وأسرته حيث أنهم لو يكونوا على قدر الظن الذي كان يضعه بهم؛ لقد خذله الجميع إلا والدته التي في الأساس خذلها هو من قبل.

شكر الثري الرجل الصالح على أجمل نصيحة قدمها له التي فادته بحياته قبل مماته، فأصبح يأخذ من الحياة ما يزود به رحلته للآخرة.