تتصاعدُ حدَّةُ التجاذباتِ الإقليميّةِ وتمدُّ المحاورُ المتصارعةُ في المنطقةِ وعليها أذرعَها لتضمَّ إلى غنائمها مناطقَ جديدةً. وَحدَهُ الدّورُ الأمريكيُّ يبقى محصوراً في تنفيذِ هدفينِ محوريَّينِ يكملُ أحدُهما الآخرَ: الأولُ هو ضمانُ تفوّقِ دولةِ الاحتلالِ والاستيطانِ وترسيخُ احتلالِها واستيطانِها وتوفيرُ الدّعمِ الأعمى لها في المحافلِ الدّوليّةِ. أما الهدفُ الثّاني الذي يحكُمُ السياسةَ الأمريكيّةَ فهو نشرُ الفوضى والحروبِ الدّاخليةِ وتغذيةِ النزّاعاتِ الطائفيّةِ والمذهبيّةِ واختلاقِ صراعاتٍ جديدةٍ بينَ العربِ وجيرانِهم لا هدفَ لها سوى حرفِ الأنظارِ عن الخطرِ الذي يمثّلهُ التّحالفُ الأمريكيُّ-الإسرائيليُّ ليسَ فقط على فلسطينَ وشعبِها ومقدّساتِها الإسلاميّةِ والمسيحيّةِ، وإنّما على المنطقةِ بأسرِها. وتسخّرُ الولاياتُ المتّحدةُ كلَّ ما لديها من ترسانةٍ عسكريّةٍ وقوّةٍ اقتصاديّةٍ لممارسةِ الضغطِ والتدخّلِ المباشرِ لتحقيقِ هذينِ الهدفينِ. ولا تلتفتُ أمريكا في سعيِها لإنجازِ أهدافِها لا إلى الأخلاقِ ولا إلى القانونِ الدّوليِّ ولا تعيرُ انتباهاً لأصواتِ العقلِ التي ترتفعُ بين الحينِ والآخرِ داخلَ مراكزِ صنعِ القرارِ الأمريكيِّ محذّرةً من الخطرِ الذي تمثّلهُ مغامراتُ الإدارةِ الأمريكيّةِ ليس فقط على مصالحِ أمريكا وهيبتِها وإنّما أيضاً على مستقبلِ دولةِ الاحتلالِ والاستيطانِ ذاتِها.

 

تنشرُ أمريكا الفوضى وتنثرُ بذورَ الصراعاتِ المذهبيّةِ وتقسّمُ الدّولَ العربيّةَ إلى دويلاتٍ، وتخلقُ حالةً من الفراغِ الذي يغذّيهِ ويكرسّهُ عجزُ النظامِ العربيِّ عن تلمّسِ المخاطرِ الحقيقيّةِ وانشغالُهُ إما بالحروبِ الدّاخليّةِ أو بالتّصدّي للأخطارِ الخارجيّةِ، الحقيقيّةِ منها والوهميّةِ، مع إهمالٍ صارخٍ لإدراكِ الخطرِ الذي يمثّلهُ الاحتلالُ والاستيطانُ الإسرائيليُّ على الأمنِ القوميِّ العربيِّ. ليس هناك فرصةً أفضلَ من تلكَ التي تعيشُها المنطقةُ الآنَ لكي تستغلّها دولُ الجوارِ لسدِّ الفراغِ وانتهازِ حتلةِ الفوضى لبسطِ نفوذِها في الدّولِ العربيّةِ الواحدةِ تلوَ الأخرى. فمن جهةٍ تخوضُ إيرانُ معركةً لاقتسامِ النفوذِ مع أمريكا في منطقةٍ تمتدُّ من أفغانستانَ إلى لبنانَ مروراً بالعراقِ وسوريا، بينما تراكمُ تركيا من حجمِ نفوذِها في دولِ المغربِ العربيِّ وتُنصّبُ من نفسِها محجّاً للسرّاجِ والغنّوشي وغيرهم من رموزِ الإخوانِ المسلمينَ المستعدّينَ للتحالفِ مع الشيطانِ في سبيلِ تثبيتِ دعائمِ سُلطتِهم. من جهةٍ أخرى يستمرُّ استنزافُ السعوديّةِ في حربِ اليمنِ وتُشغَلُ مصرُ بالإرهابِ وبتأمينِ حياةِ مواطنيها ضدَّ الخطرِ الدّاهمِ الذي يمثّلهُ سدُّ النهضةِ الاثيوبيِّ.

 

ليسَ هناكَ أولويّةٌ تفوقُ في أهميّتِها استعادةَ الوحدةِ الوطنيّةِ الفلسطينيّةِ، ولا بديلَ عن التفرّغِ لمَنعِ العدوِّ من استغلالِ أزماتِ المنطقةِ للقيامِ بخطواتٍ تهدّدُ مستقبلَ شعبِنا وأرضَهُ وتقطّعُ أوصالَهُ. فبالإضافةِ إلى الدّورِ الذي يلعبُهُ العدوُّ في تكريسِ سلطةِ الانقلابِ في غزّةَ وتثبيتِ دعائمِها عبرَ ما يسمى بتفاهماتِ التهدئةِ، فإنَّ شهيّةَ الاحتلالِ لا تتوقّفُ عن طلبِ المزيدِ من الاستحواذِ على الأرضِ واستقطاعِ أجزاءَ جديدةٍ منها لضمّها إلى كيانِهِ العنصريِّ وقْتلِ إمكانيةِ قيامِ الدولةِ الفلسطينيّةِ إنْ بفصلِ غزَّةَ عن الوطنِ أو بتمزيقِ أوصالِ الضفّة وتهويدِ القُدسِ. كلُّ ما يدورُ حولَنا يجبُ أنْ يقودَنا إلى نتيجةٍ واحدة، وهي انَّ فلسطينَ ليستْ جزءاً من المحاورِ المتقاتِلةِ في المنطقةِ، فليست المجابهةُ بينَها معنيّةً بفلسطينَ حتّى نضطرَّ إلى الاختيارِ بينَ معسكرِ الشرِ ونقيضهِ. لا يعني هذا أن نتقبّلَ السياسةَ العدوانيّةً الأمريكيةَ أو ننحازَ إليها، بما في ذلك تلكَ السياسةُ المغامِرةُ ضدَّ إيرانَ، لكنّ المنطقَ يقتضي أنْ نضعَ الأمورَ في نصابِها دونَ أنْ نتبرّعَ بمنحِ صكوكِ "الشهادةِ من أجلِ القدسِ" وتقبيلِ أيادي أحدٍ باستثناءِ أيادي أمهاتِ وآباءِ الشّهداءِ وجباهِ المقاومينَ للاحتلالِ الإسرائيليِّ فوقَ أرضِ فلسطين.

 

*فلسطينُ أكبرُ من كلِّ المحاورِ وفوقَ الصَراعاتِ التي تأخذُ في الحسبانِ كلَّ شيءٍ باستثناءِ مصلحةِ شعبِنا. لذلكَ لا خيارَ أمامَنا سوى دعوةِ الأمّةِ إلى تجاوزِ خلافاتِها والإسراعِ إلى الانضمامِ إلى "محورِ فلسطينَ"، فهو وحدَهُ محورُ الحقِّ وضمانةُ صيانةِ كرامةِ الأمّةِ ومستقبلِها. 

 

١٣-١-٢٠٢٠

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان