بريطانيا تعيش أزمة عميقة عمودية حول مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي. الأزمة بين تيارَين: الأول يدعم الانسحاب من الاتحاد دون اتفاق، يتزعّمه رئيس الوزراء بوريس جونسون؛ وتيار آخر إمّا يريد البقاء في الاتحاد أو أقله الانسحاب باتفاق. المشكلة في هذا الانقسام. ومن هنا هو أزمة عميقة، لأنّه ليس فقط بين الأحزاب وإنَّما بينها وفي داخلها، فقد بات هناك انقسام في كل حزب أيضًا. كما أنَّ هناك انقسامًا بين مكوِّنات بريطانيا السياسية، بمعنى أنَّ إيرلندا الشمالية وغالبية إسكتلندا تعارض الانسحاب وتُهدِّد بفرط العلاقة الاتحادية مع إنجلترا.
ومنذ الثلاثاء عادت الأزمة إلى داخل البرلمان (مجلس العموم) الذي فقد فيه جونسون الأغلبية بعد أن انضمَّ أعضاء من حزبه، حزب المحافظين، إلى المعارضة المؤيّدة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي باتفاق. وفي ظلِّ هذا الواقع فإنَّ الذهاب لانتخابات مبكرة هو الأمر المرجح، ولكنَّ المشكلة هي في أنَّ الانتخابات قد لا تأتي بحل، لأنَّه كما ذكرنا فإنَّ الانقسام موجود في كلِّ حزب، فعلى سبيل المثال حزب العمّال تريد فيه النخب البقاء في الاتحاد الأوروبي، إلا أنَّ قواعد الحزب خاصة العمالية في الجنوب تريد الخروج.
ولو سألتَ غالبية البريطانيين اليوم عن رأيهم بالاستفتاء، الذي جرى قبل عامين، وأعطى أفضلية ضئيلة للخروج من الاتحاد الأوروبي لقالوا إنّه أدخلنا بأزمة لم نكن نريدها، إلّا أن اللعبة الديمقراطية هي هكذا، فالمتابع لما يدور في هذا البلد، والذي هو اقدم ديمقراطية في العالم، ما له إلا أن يبدي إعجابه بهذه الديمقراطية.
بريطانيا اليوم تخوض معركة تحديد خياراتها للعقود القادمة، من هنا تأتي حدة الأزمة، ومن هذه الأزمة يمكن فهم الواقع الجيوسياسي لبريطانيا التي بقيت تتأرجح بين كونه جزءًا من أوروبا وبالتالي هي متحالفة معها أو أنّها حليفه للولايات المتحدة الأميركية القابعة على الضفة الأخرى للأطلسي.
المشكلة هي أنَّ الزمن لن يرحم أصحاب القرار في بريطانيا لأنَّ المتغيرات تجري بوتيرة أسرع على الساحة الدولية وقد تضع هذه الأزمة بريطانيا في درجة متدنية في النظام الدولي المتبلور لمصلحة دول وقوى خارج القارة العجوز.