تشير أدبيات الجهات المختصة بموضوع البيئة وجودة المناخ وخاصة جودة الهواء على مستوى الأمم المتحدة إلى أن تلوث الهواء يشكل واحداً من بين أكبر المخاطر الصحية العالمية المتنامية التي تهدّد المجتمع والبيئة في عصرنا، ولعل تأثير التلوث على الهواء الذي نتنفس والبيئة التي نعيش ونأكل من خيراتها يشكل موضوع اهتمام بالغ الخطورة، خاصة وأن بيانات الأمم المتحدة تشير إلى أن التلوث يقتل نحو 6.5 مليون شخص على الصعيد العالمي كل عام, وهذا يعني أن واحداً من بين كل ست حالات وفاة يتسبّب فيها التلوث بكافة أشكاله.
ناقوس خطر كبير يدق أبواب الدول والمجتمعات، الفقيرة والغنية، المتقدمة والنامية، لأن التلوث من الأخطار عابرة الحدود، وشيوعها يقلل نسب الناجين ويزيد مساحة الضرر على البيئة والإنسان، والتلوث يخلق أنواعاً أكثر تعقيداً وتحديات مركبة أمام الحكومات والمجتمعات والأفراد، ولذلك تركز الأمم المتحدة ومن خلال منظماتها المتخصصة وبالتعاون مع مختلف حكومات البلدان والمنظمات الإقليمية والوطنية ذات العلاقة بالبيئة لتطوير المبادرات والسياسات والممارسات الصديقة للبيئة التي من شأنها تحسين نوعية الهواء لحماية صحة الإنسان وباقي الكائنات الحية على الأرض، ولذلك أطلقت العديد من المبادرات الدولية وحثت مختلف الدول على الانضمام لها، ومن بينها مبادرة "التحالف الدولي للمناخ والهواء النقي" وكذلك "حملة تنفس الحياة العالمية"، التي تهدف الى خلق أوسع مشاركة وتحالف دولي على المستويين الرسمي والشعبي لتعبئة المدن والأفراد لحماية صحتنا وكوكبنا من آثار تلوث الهواء والتعاون للتصدي لأسباب التلوث والتقليل من آثاره.
ورغم أن فلسطين لا تشكل تهديداً في هذا المجال نظراً لأن نسبة انبعاثاتها من غازات الدفيئة محدودة جدا ولا تتجاوز مستوى 0.01 % من إجمالي انبعاثات العالم وفقاً لأحدث البيانات الرسمية المتوفرة لدى سلطة جودة البيئة الفلسطينية، فإنَّ الحكومة الفلسطينية ومن خلال سلطة جودة البيئة أعلنت عن انضمامها لهذه المبادرة الدولية بشكل رسمي، وأعلنت عن قيامها بإعداد الخطط والاستراتيجيات الوطنية اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ وفق الأهداف التي أطلقتها الأمم المتحدة على هذا الصعيد.
تأتي هذه المشاركة لتعزيز حضور وتفاعل دولة فلسطين مع الجهد الدولي والإقليمي لمواجهة التغير المناخي، وإدراكًا من السلطة الوطنية لأهمية إضافة جهودها لما تقوم به الأمم المتحدة وأعضاء الائتلاف والدول الأخرى للحد من الملوثات المناخية قصيرة الأجل وخاصة الكربون الأسود والميثان وغيرهما من الملوثات التي يستهدفها التحالف، بهدف إبطاء الاحتراز العالمي بمقدار 0.5 درجة مئوية بحلول عام 2050. ويرى التحالف أن معالجة قضايا جودة الهواء تساهم في تجنب نحو 2.4 مليون حالة وفاة مبكرة تحدث سنويا بسبب تلوث الهواء في العالم. ويمكن أن يؤدي خفض الملوثات المناخية القصيرة الأجل إلى الحد من الأمراض والمساهمة في الأمن الغذائي وتحسين النظم الغذائية وزيادة النشاط البدني وفقاً لأهداف التحالف.
ينبغي الإشارة إلى أن انبعاثات المركبات بكافة أنواعها تشكل المصدر الرئيسي لتلوث الهواء في الهواء الطلق- بما في ذلك الجسيمات الدقيقة (PM) الذي يتضمن الكربون الأسود وفقاً لتقارير المنظمات المتخصصة في الأمم المتحدة في هذا المجال. وتعزى الزيادة في حجم هذه الانبعاثات إلى العديد من الأسباب منها: زيادة عدد المركبات المستخدمة، زيادة الاستخدامات وساعات تشغيل تلك المركبات، إضافة إلى أن العديد من هذه المركبات قد لا تكون صالحة للتواجد في الخدمة، إضافة إلى ضعف نوعية الوقود وضعف تنظيم المركبات في جميع أنحاء العالم لأسباب مختلفة من دولة إلى أخرى التي تتضح من خلال صور ازدحام المركبات في مختلف المدن والتجمعات وفي مختلف الأوقات، ولمواجهة هذا الجانب أيضا أطلقت منظمة الأمم المتحدة للبيئة "الشراكة للمركبات والوقود النظيف" بهدف دعم البلدان لمعالجة تلوث الهواء في المناطق الحضرية من خلال اعتماد أنواع وقود أنظف وتكنولوجيات ومعايير أكثر كفاءة للمركبات. وفي هذا الإطار انطلقت مبادرات من قبل العديد من الدول من أجل التخلص التدريجي من البنزين المحتوي على الرصاص وتنظيم وقود المركبات وتشجيع مصادر الطاقة البديلة وتشجيع المبادرات التي من شأنها تقليل استخدام المركبات وبالتالي تخفيف أضرارها البيئية وتخفيف مسببات تلوث الهواء.
ومن هنا تعتبر المشاركة الفلسطينية في هذه المبادرات والتحالفات الدولية مهمة على أكثر من صعيد، فعلى الجانب الرسمي تمثل ضرورة سيادية لتكريس حضور ومشاركة فلسطين كدولة في مختلف المحافل الدولية، وتأكيد على حق فلسطين في التواجد كباقي دول العالم الحديث، وعلى المستوى البيئي فإن هذه المشاركة ستمكن الجهات المعنية في الأراضي الفلسطينية من المساهمة في الجهود الدولية لحماية البيئة وتحقيق غاياتها في الاستدامة والهواء النظيف، إلى جانب أهمية المشاركة في تطوير سياسات وإجراءات على المستوى الوطني من شأنها تعزيز ثقافة صداقة البيئة وحشد الطاقات الرسمية والشعبية من أجل هواء نقي ونظيف في فلسطين، لما يمثّله هذا النجاح من خلال هذه العضوية من دعم لمسيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة ذات العلاقة وخاصة ما يتعلق بجودة الهواء والحد من العوامل التي تؤثّر سلبيًّا في تغيير المناخ، وفي المحصلة المساهمة في دعم الجهود الفلسطينية لتحقيق مستويات وظروف صحية على مستوى المجتمع بشكل عام وتوفير بيئة أكثر جودة لحياة الأطفال وغيرهم من فئات السكان الضعيفة والمهمشة، وكذلك المساهمة في استخدام الموارد الاقتصادية وتخفيض التكاليف المالية الناجمة عن التلوث وتداعياتها المستقبلية.
إنها عضوية تضعنا جميعاً على مستوى الحكومة والهيئات المتخصصة ومؤسسات المجتمع المدني وباقي القطاعات وصولاً لكل مواطن في مختلف التجمعات الفلسطينية أمام التزام بمراجعة تصرفاتنا وطريقة استخدامنا للموارد اليومية، ومراجعة عاداتنا وثقافتنا فيما يتعلق بالبيئة والمناخ، وهي فرصة لإطلاق مبادرات وطنية لتعميم ثقافة صداقة البيئة وحماية الهواء من التلوث، تبدأ من الأسر الفلسطينية والمدارس وصولاً للمؤسسات والقطاعات الرسمية والمهنية، وهي عضوية تمكننا من تطوير أدوات القياس والمراقبة لجودة الهواء والإبلاغ المبكر عن أية اتجاهات سلبية للتلوث الذي يؤثر على حياة السكان وباقي الكائنات الحية، قياس ومراقبة تمكن الجهات المختصة من اتخاذ إجراءات التدخل المناسبة في الوقت والمكان المناسبين، فدعمنا لهذه المبادرة سيبقي فلسطين نقية ونظيفة وقابلة للحياة الخضراء بأيدي أبنائها.