ألقى الرئيس دونالد ترامب خطابه في الجلسة الافتتاحية للدورة ال 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الأول، وليته لم يتكلم، ولم يخاطب زعماء وقادة الدول والأمم، لأنه كان أجدر وأكرم للولايات المتحدة صمت رجل العقارات الشعبوي المتغطرس. ولعل من اللحظات الأكثر إثارة في خطابه، هو إطراؤه لنفسه وإدارته، عندما ادعى، "أن إدارته حققت من الإنجازات ما لم تحققه أي إدارة أميركية سابقة"، ما أرغم المستمعين على الخروج عن المألوف، عندما انفجروا بالضحك على ما ادعاه الأميركي البشع، لأن الجميع يعلم علم اليقين ان إدارة ترامب، هي الإدارة الأسوأ في تاريخ الأمم المتحدة من حيث الأداء والالتزام بمواثيق وقوانين ومعاهدات الشرعية الدولية. لا بل هي الإدارة الأكثر بلطجة في تاريخ اميركا المعاصر منذ تأسيس الأمم المتحدة قبل 73 عاما، كونها عملت وتعمل على تهشيم وتشويه ومطاردة الأمم المتحدة، وتلاحق مؤسساتها ومنظماتها الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والشعوب وتأمين العدالة. ولعل ما ذكره في خطابه يدلل على ذلك بشكل صريح، عندما أعلن رفضه لمحكمة الجنايات الدولية، وعدم التعاون معها، وبذات القدر عدم العودة للجنة حقوق الإنسان الأممية، وقبلها الانسحاب من منظمة اليونيسكو.
أضف أن راعي البقر الجديد في ذات الخطاب هدد وبشكل سافر دولة ذات سيادة، هي فنزويلا ورئيسها، وأعلن ان إدارته ستهاجم الرئيس نيكولاس مادورو، وحرض الجيش دون مواربة على القيام بالانقلاب على رئيس منتخب بشكل شرعي. كما هاجم الاشتراكية، وكأن منظومته الرأسمالية أفضل حالا. وتناسى الرئيس الأفنجليكاني الشعبوي، ان إدارته قد تكون الأسوأ في تاريخ القيادات الرأسمالية، فهو أسوأ من ريغان وتاتشر وكل الزعماء، الذين ابتليت بهم شعوبهم خلال العقود السبعة والنصف الماضية.
وبالتوقف أمام القضية الفلسطينية وعملية السلام، لاحظ اي مستمع لخطاب ترامب، ان الرجل كأنه رئيس عصابة وقاطع طريق، وفي ذات الوقت رجل مرعوب يخشى إسرائيل وحلفاءها، ويحسب الف حساب لصوتها ونفوذها في الولايات المتحدة الأميركية. فضلا عن انه أسير خيارات ومحددات أركان الحكومة العالمية من أصحاب رأس المال المالي، الذين جلهم يسبح بحمد إسرائيل الاستعمارية. وهو ما عكسه في تباهية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبنقل السفارة من تل ابيب للعاصمة الفلسطينية العربية الأبدية. فضلا عن دعمه المطلق لدولة الاستعمار الإسرائيلية.
ولم يحاول رئيس أميركا الـ45 مراجعة ذاته، أو الإصغاء لصوت العقل والسلام الفلسطيني الإسرائيلي، وللصوت الأميركي المتعاقب والسابق لإدارته منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو 1993، ولا حتى لبعض اصوات قادة دول العالم، ولا لصوت القرارات الدولية ومرجعيات عملية السلام، لأن هاجسه المعلن، هو ضمان أصوات اليهود الأميركان في الانتخابات النصفية لمجلس النواب الأميركي في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، خاصة وانه بات يعلم، ان الحزب الديمقراطي، هو المرشح بالفوز في الانتخابات القادمة، وعليه يخشى الشروع بعملية العزل له من سدة البيت الأبيض في واشنطن. لهذا كان ترامب معنيا أولا- بالتأكيد على موقفه المتكامل والمتماهي مع إسرائيل المارقة. ثانيا- عدم التوسع في الموضوع خشية الانزلاق بمواقف غير محمودة النتائج أكثر مما هو قائم في المشهد السياسي الأميركي الفلسطيني، لاسيما وان هناك تغيرا نسبيا، عكسه في أعقاب لقائه مع نتنياهو أمس، عندما أكد لأول مرة أنه يحبذ خيار حل الدولتين، وطالب حكومة الائتلاف اليميني المتطرف بتقديم شيء للفلسطينيين.
ورغم اللفتة الأخيرة، وهي ليست ذات شأن بالمعنى النوعي، فإن خطاب الرئيس الأميركي، كان خطابا تفجيريا يعكس روح البلطجي وشرطي العالم، وهذا ما أعلنه أن الولايات المتحدة، هي إمبراطورية، وقائدة العالم، وكأنه يوجه رسالة لأقطاب العالم مفادها: أميركا سيدتكم، وزعيمتكم، ومرجعيتكم، ولا خيار لكم غير الرضوخ لمشيئتها؟! هذه الروح الشيطانية المتعالية، هي ما حمله خطاب الشعبوي ترامب.
ملاحظة: بعض المتابعين لما أكتب سألوني عما جاء في مقالي قبل يومين "التراجع الأميركي المحدود"، الذي تضمن معلومات عن تراجع أميركي نسبي في الخطة الأميركية، وأجبتهم بأن أهل السياسة لا يقولون كل ما لديهم من على المنابر، وقد يطلقون مواقف متناقضة مما يجري تحت الطاولة، ومرة اخرى أعيدهم لما ذكره ترامب في أعقاب لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، لعلهم يلتقطون طرف الخيط.