هي ليست معركة تدور بين عدوّين أو بين أعداء، وهي ليست حملة لأنّ طرفًا بها لا يهاجم طرفًا آخر لاحتلال أرضه وتدمير اقتصاده وقتل أبنائه. هي سباقٌ انتخابيّ من المفروض أن يكون ديمقراطيًا حضاريًا معتمدًا على الحوار الهادئ والنّقاش الموضوعيّ لإنجاح برنامج لتطوير البلد وخدمة أهله، سباقٌ بعيدٌ عن العنف الكلاميّ والتّشهير والتّجريح لأنّ الكلمة المغموسة بالبذاءة أقسى من السّهم وأخطر من الرّصاصة ومن الصّعب أن تلتئم ندوبها. والعنف الكلاميّ يقود الى العنف الجسديّ، هذا الدّاء الّذي انتشر في مجتمعنا ولم تسلم مدينة أو قريّة من أنيابه بل من نيرانه، هذا الوباء الّذي لم نكتشف علاجًا له حتّى اليوم سوى صراخنا الّذي على قدر الوجع بينما هو أصّم أبكم يمطّ لسانه ويمدّ بنانه ساخرًا منّا فيما تطحن رحاه الجميع. سباقٌ نظيفٌ شعاره أنّ الرّاشي والمرتشي سيّان حقيران لعنتهما السّماء ونبذتهما الأرض فالرّاشي يحوّل المرتشي إلى سلعةٍ تباع وتشترى، ويسلبه إنسانيّته، والمرتشي يبيع ضميره ونفسه بثلاثين من فضّة مثلما فعل يهودا الأسخريوطيّ، ويحمل الخنوع والذّلّ في نفسه مدى الحياة.

السّباق الانتخابيّ يسعى إلى بناء البلدة أو المدينّة وتطويرها كي تكون بيتًا دافئًا لأهله، بيتًا نظيفًا هواؤه وشارعه ورصيفه، بيتًا تسقسق عصافير أشجاره، ويتلألأ النّدى على أزهاره.

ما معنى سباق انتخابيّ لا يسعى إلى خلق إنسان حضاريّ عصريّ ينبذ العصبيّة القبليّة والتعصّب الطّائفيّ والتّطرّف الدّينيّ والاستعلاء القوميّ، إنسان حرّ خلّاق مبدع يحبّ بيته وحيّه وبلده وجاره ويحاور الآخر بهدوءٍ واحترام، إنسان لا ينام مرتاحًا إذا ما نام أولاده بعد أن شبعوُا بينما أولاد جاره يتضوّرون جوعًا؟!

أيّ سباق انتخابي لا يضع نصب عينيه الثّقافة بما تشمله من مسرح وسينما وموسيقى ورسمٍ وآدابٍ ورياضة وغيرها من الفنون يكون مصابًا بفقر الدّم، خاليًا من الحياة ولا يستحقّ الحيّاة.

كلّما اقترب موعد الانتخابات البلديّة والمحليّة في بلادنا عادني القلقُ وزارني الأرقُ من أن يُحوّل المتنافسون السّباقَ إلى معركةٍ ضارية تحرق الأخضرَ واليابس، وقودُها التّعصّب العائليّ أو الطائفيّ، وزيتُها المال السّياسيّ والوعودُ الكاذبّة والعهودُ الزائفة، معركة ينجرّ إليها الشّيخ والشّابّ والرّجل والمرأة تقودهم أهواؤهم لا عقولهم، تحلّل الحرام وتحرّم الحلال. معركةٌ ندفع ضريبتها الباهظة غداة يوم الانتخابات.

اللهم بدّد أرقي وأزِل قلقِي وساعِد أهلي في النّقب والمثلث والكرملِ والجليل والمدنِ السّاحليّة أن يعبروا البحرَ المتلاطم الأمواج بسلام. آمين!