سيقدم الفلسطينيون أهل البلاد الأصليون ومعهم محبو السلام وأنصاره الإسرائيليون خدمة جليلة للعالم ومعتنقي الديمقراطية كشريعة ومنهج حياة، ويوقظونه من عملية تنويم مغناطيسي ليشهد بعينيه ويلمس بحواسه فظاعة المخادعة التاريخية التي تعرض لها تحت عنوان (إسرائيل واحة الديمقراطية في صحراء الدكتاتورية).

الهدف من المظاهرة بالأمس وسط تل أبيب، إسقاط (قانون القومية) الذي اقره أعضاء الكنيست العنصريون، والانتصار عليه بتحقيق مبدأ المساواة، أما الآلية فهي نضال سلمي مدني، وهنا ستبرز قدرة الفلسطينيين العرب المصنفين في القانون العنصري الجديد هذا كدرجة ثانية ان فكرهم السياسي الجامع وثقافتهم الإنسانية أقوى من قدرات العنصريين حتى لو امتلكوا كل مقدرات (دولة إسرائيل ونظامها) المخالف لنظام ومسارات القوانين الإنسانية، وسيبرهنون للعالم أن قوة العنصريين المنتجة للاستبداد والظلم، والتاريخ المحرف والمشوه قد تسود لفترة..لكنها لن تتمكن من اقتلاع الحقيقة، وهي أن جذور شجرة الفلسطينيين الحضارية في هذه البلاد منذ آلاف السنين ستبقى كما عهدها العالم أصيلة وأصلية، وأنها كانت منبتا للسلام.

بعد هذه المظاهرة لن يسقط قانون القومية العنصري مباشرة، لكنها – أي المظاهرة - مهمة جدا في سياق المنافسة التاريخية على تأكيد ليس حق الوجود التاريخي والآني والمستقبلي لأهل البلاد الأصليين (الفلسطينيين) وحسب، بل الاعتراف بأنهم كتراب وهواء وماء فلسطين، يستحيل القضاء عليهم او تحويلهم إلى كيان من نوع آخر، والإقرار بفشل مشروع استكمال المؤامرة بتحويل اسم البلاد من فلسطين إلى إسرائيل، فهنا اسم هذه الأرض وشعبها الذي خلق منها منذ فجر التاريخ وسيبقى فيها إلى الأبد.

من المفيد تسليط الضوء على ما قاله محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وتأكيده الإجماع الشامل والقوي في لجنة المتابعة على ضرورة إسقاط القانون، والتعامل على الصعد المحلية والعالمية على أساس حقوقنا القومية والمدنية كاملة.

واللافت رد بركة الشديد الوضوح على سؤال صحفي حول رفض زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني المشاركة في هذه المظاهرة بسبب موقف التجمع الوطني الديمقراطي الرافض ليهودية الدولة، فقد قال أبو السعيد: "من يوافق على شعاراتنا فليأت ولن نفتقد من لا يوافقنا"، ليفني ردت أن القائمة المشتركة لا تقر بيهودية الدولة، ونحن نقولها واضحة إن كل الجماهير العربية لا تقر بيهودية الدولة.

بات ممكنا الآن استشراف طبيعة المعركة السياسية السلمية المدنية المصيرية التي يخوضها الفلسطينيون داخل حدود العام 1948، بعد انكشاف أسباب ودوافع العنصريين لتشريع قانون القومية، حيث اعتقد المتغطرسون أصحاب النظر القصير بإمكانية فرض يهودية الدولة بقوة القانون على أكثر من 20% من سكانها وهم من العرب الفلسطينيين، بعدما ظاهر الفلسطينيون وجهروا برفضهم (يهودية دولة اسرائيل)، وهنا يجب أن نستدرج إلى هذه السطور تأييد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليهودية إسرائيل حسب الكثير من خطاباته وتصريحات مستشاريه، الذين جابههم الرئيس ابو مازن بموقف رافض حاسم حول طلباتهم من القادة الفلسطينيين الاعتراف بيهودية إسرائيل !.

ستلفظ صفقة القرن أنفاسها الأخيرة عندما يسقط قانون القومية، وسيبدو الرئيس ترامب كسائق لعربة عجلاتها مكعبات إسمنتية!!! وهنا بإمكاننا تصور حجم العبء الملقى على عاتق الجماهير العربية وكذلك الإسرائيلية المؤمنة بحتمية السلام والحقوق القومية والمدنية والمساواة، وعلينا التذكر أن الشارع المنظم والمنضبط والمسير بأفكار تحررية نحو أهداف نبيلة مؤثر أكثر من أي سلاح حتى لو كان ناريا او عنصريا وسم بدمغة القانون.