كأي شخص قد يتعرض أي رئيس دولة في هذا العالم لوعكة صحية، ويدخل المستشفى لإجراء فحوصات دورية أو حتى طارئة، لكن أن تنهمر الأسئلة، وتسال التقارير، وتحط الأخبار المدلسة كأسراب جراد على الصفحات الصفراء المنقولة عن مصادر وصحف إسرائيلية، وتنطلق هلوسات البحث عن البديل، وأحيانا يقال الوريث، ويستدعى الورثة، وتسلط عليهم الأضواء، رغم علم (المروجين) أن من بين الأسماء واحد محكوم في قضايا جنائية ومطلوب في قضايا أخرى للمثول أمام القضاء!! فهذا لا علاقة له بقراءات المستقبل، وإنما عملية ممنهجة، ودعاية خبيثة، يتم خلالها استطلاع مواقف الناس من هذا الاسم أو ذاك، وتكوين معرفة حول مكانته، ووزنه وتأثيراته المباشرة على ما يجري في ميدان السياسة.
منذ العملية الجراحية في الأذن الوسطى للرئيس أبو مازن، الأسبوع الماضي ودخوله المستشفى الاستشاري في رام الله يوم السبت الماضي، اعتكف الذين في نفوسهم مرض وغرض في زوايا أصنامهم، يبيتون الإستخارات، لترشدهم شياطينهم إلى سبل ترتيب أوضاعهم وتقوية أوراقهم، وتهيأ لهم اللحظة الأنسب للعب والمقامرة بمصائر الجمهور.
نحن قدريون ومؤمنون، لكننا بذات الوقت مطمئنون، فرئيسنا وقائد حركة تحررنا الوطنية أبو مازن ما زال في موقع القدرة على العطاء، رغم قناعتنا بحاجته إلى استراحة محارب، لا تطلبها نفسه لإدراكه اللحظة، وواجب البقاء قيد اليقظة على رأس دوائر العمل الوطني، لكن جسده يجبره، فيمتثل امتثال المؤمن للعلاج، ليتمكن من استكمال واجب أداء الرسالة.
لا مفيد في هذه اللحظات إلا التفاؤل بصحة الرئيس، والأمل بقدرته على شن هجمات مضادة معتداً بالإرادة، والحيوية، والنشاط والتفاؤل، والأمل، والحكمة، والعقلانية كما عرفناه، ليتمكن من صد هجمات العمر (84 عاما)، ومفيد أيضا طمأنة الناس بأن نظامهم السياسي في أمان، وأن مروجي مقولة انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية، بعد أبو مازن ثلاثة جمعتهم العدائية المطلقة للوطنية الفلسطينية، ومنهج الرئيس أبو مازن السياسي الذي أحرج المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ونزع أقنعتهم، وأولهم المحتلون المستعمرون الذين يعتبرون أبو مازن خطراً وجودياً عليهم، باعتبار عقليته وفلسفته، وفكره الوطني والإنساني والتحرري التقدمي والديمقراطي المقاوم من أجل السلام لفلسطين والعالم أولاً وأخيراً.
ثاني هؤلاء هم الإنقلابيون على المشروع الوطني، على حركة التّحرر الوطنية، على المنظمة والسلطة والقانون والنظام، فهؤلاء لا يمكنهم رؤية قائد فلسطيني يتمكن في ظروف عصيبة أشبه بالمستحيل من جمع حركة التحرر الوطنية الفلسطينية على برنامج سياسي وطني نضالي، وبرنامج بناء وضعت وقواعده وأقرت هنا على ارض الوطن، فهؤلاء أنصار دويلة الجماعة، راعهم نجاحه بتجسيد فكرة الدولة لكل مواطنيها وقوى الشعب وأطيافه السياسية والفكرية.
أما ثالثهم، فهم بزنس القضية والمتاجرون بدماء الشعب وآلامه، وأصحاب مكاتب الخدمات لقوى إقليمية عملاقة، وأخرى قزم لكنها غنية بسيولة الدولار واليورو !! هؤلاء ما زالوا يبحثون عن (أدوار لا تليق إلا بالكبار الكبار) ربما تنسيهم انزلاقهم كالعميان في ادوار الوضيعين الصغار.
سلامتك يا ريس، سلامتك يا رئيسنا الإنسان، يا رئيس السلام، نحبك يا قائد، نحبك ونحب فيك الوطن المقدس، ونحبك رسول فلسطين إلى الأمم.