إن خطاب الرئيس أبو مازن في مستهل إجتماع القيادة الفلسطينية الذي عقد يوم الاثنين 19/3/2018 في رام الله شكَّل حدثاً سياسياً صاخباً، وما زالت إرتداداته تهزُّ أركان وعواصم العالم نظراً لأهميته، ومصداقيته، وتأثيراته.

والخطاب بأبعاده وآفاقه كان صرخةً من أعماق الوجدان، وهذه الصرخة مشحونة بالألم، والمعاناة المعتَّقة عبر سنوات من الدموع، والدماء، والاحزان، والنزيف الوطني.

من حق الرئيس أبو مازن أن يصرخ صرخةَ الرجال عندما يصمُّ البعض ُ آذانهم، ويتجاهلون ناقوس الخطر، ومن واجبه كرئيس مُنتخب من شعبه أن يصارح من أعطاه الثقة بالحقائق المرَّة. لقد أراد من صرخته المدوية أن يوقظ كل الأوفياء، وأن يضعهم وجهاً لوجه مع الحقائق الدامغة، لأنَّ السيل الجارف من المؤامرات السوداء سيجتاحُ أرضنا، ويدمرُ أهدافنا، ويُفتت إنجازاتنا، ويتركنا متسولين على أبواب من يحلمون بطيِّ صفحة ثورتنا وآمالنا.

من حق الرئيس أن يصرخ، وصرخةُ الاحرار تتفَّجرُ من أعماق المعاناة، وطعمها مرُّ لأنها مجبولةٌ بدماء الجراح النازفة، وبآهات الأهالي المعذَّبين، وطعناتِ اليأس والذل والجوع.

ليس من حق أحدٍ أن يلوم الرئيس أبو مازن الذي يتحمل الامانة بأمانة، والذي يصارح شعبه بكل صغيرة وكبيرة، وهو دائماً يعضُّ على الجراح، ويتحمَّل كل الشتائم والاهانات، فكم مرة عُلِّقت صورة الرئيس على الجدار في ساحات غزة، وطُلب من النسوة والأطفال أن يرجموه بالأحذية والحجارة. وكم مرة وُضِعت صوره على الارض في نهاية الاعتصامات، وقام الحاقدون بالدوس عليها، وكم مرة قامت معظم الوسائل الاعلامية الفلسطينية ينهش كرامته، والاساءة إلى تاريخه، وتناست هذه الوسائل أن نتنياهو وترامب هما العدو الأساس للشعب الفلسطيني، وللقضية الفلسطينية، ولكن للأسف هناك إصرار من معظم وسائل الاعلام الفلسطيني بأن يكون الرئيس أبو مازن هو العدو الأول. فاين هو الانتماء الوطني؟!!!

كل الاوفياء في الساحة الفلسطينية كانوا يدركون أن الانقلاب الذي تم في 14/6/2007 وأطاح بالمئات من قيادات وكوادر حركة فتح هو جريمة سياسية، ولا يخدم القضية الفلسطينية، وانما دمَّر المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وأسس العداوات، والاحقاد، والضغائن بين أبناء الشعب الواحد، وغابت الديمقراطية عن المجتمع الغزاوي، وغابت الشراكة الوطنية، وطُمست الوحدة الوطنية، وفتحت السجون والمعتقلات.

والرابح الوحيد من الذي حصل العام 2007، واسَّس الانقسام ودمِّر هو العدو الصهيوني الذي بنى آمالاً كبيرة وما زال على هذا الانقسام لتمزيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن الرئيس أبو مازن كان له الفضل الاكبر في تحريك عملية المصالحة منذ العام 2009 وحتى الآن، وأشرك في هذا الموضوع مصر، وقطر، ومكة المكرَّمة، وتنازل عن كل حقوق حركة فتح، ومؤسساتها، وضحاياها في القطاع، مقابل أن ترضى حركة حماس بالعودة عن الانقسام، والانخراط في المصالحة الوطنية. وحتى في الجولة الأخيرة وبرعاية القاهرة، استجاب الرئيس أبو مازن كونه رئيس دولة فلسطين، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس السلطة، وأعطى الثقة كاملةً عسى أن تكون حركة حماس قد أخذت خطواتٍ جديدة. ورغم الوساطة المصرية. ورغم الايجابية الفتحوية، وحسن النوايا، إلاَّ أنَّ العوائق والمخاوف والمحاذير كانت كثيرة، وتعَّرض الكثير من الوزراء للمضايقات، والاهانات، والتهديدات.

لقد جاء الحدث الاخير المؤلم، وهو التفجير المكوَّن من عدة عبوات، الذي استهدف الموكبَ الفلسطيني الذي ضم رئيس الحكومة الفلسطينية، ورئيس المخابرات العامة، وعدداً كبيراً من الضباط والجنود. والقيادة حمَّلت حركة حماس المسؤولية كون الاعتداء حصل في أراضي القطاع عند معبر بيت حانون، إلاَّ أن قيادة حركة حماس لم تولي الاهمية والسرعة المطلوبة للكشف عن الجهة التي فجرت.

والقيادة الفلسطينية التي تابعت هذا الموضوع بدقة، وحصلت على المعلومات المطلوبة، كان مطلوباً منها أن تصارح شعبها بالحقائق، وأن تضع القيادات الفلسطينية أمام الامر الواقع الذي لم يعد يحتمل التكتيكات الجارحة، وانما يريد حسم المواقف. وما قاله الرئيس أبو مازن يصبُّ في مضمون الاطار القائم على الأعمدة التالية:

أ- بذلنا كل ما نستطيع لإنجاح المصالحة، وتذليل كل العقبات، واصطدمنا بنتيجة "صفر" تمكين للحكومة، و"صفر" تطبيق للقانون.

ب- إما أن نتحمل مسؤولية كل شيء في قطاع غزة، أو تتحمله سلطةُ الامر الواقع.

ج- غزة هي جزء من فلسطين، واتفقنا مع حماس أننا دولةٌ ذاتُ سلطة واحدة، وسلاح واحد، وقانون واحد".

د- لو نجحت عملية إغتيال الحمدالله وفرج لكانت نتائجها كارثيةً على شعبنا، وأدت لقيام حرب أهلية فلسطينية.

هـ- لا يوجد طرفا إنقسام، بل هناك طرف واحد يكرِّس الانقسام، ويفرض سلطة أمر واقع غير شرعية.

و- حماس لديها مشروع مختلف عن المشروع الوطني، وهو مشروع قريب من مضمون صفقة القرن. وهذا ما أشار إليه في اليوم التالي لخطاب الرئيس، صلاح البردويل:" إنَّ حركة حماس مستعدة لفتح قنوات إتصال مع الادارة الاميركية".

إنَّ كافة هذه القضايا التي أشار إليها سيادة الرئيس أَبو مازن في خطابه، جاءت في الوقت الذي أشار إليه القادة الاسرئيليون بأنهم سيواصلون فرض السيطرة على الضفة الغربية، وغور الاردن، أي الحؤول دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967.

الواقع يقول أن الادارة الاميركية عازمةٌ على الاعلان عن صفقة العصر المدمِّرة للقضية الفلسطينية، والتي تنص على شطب موضوع اللاجئين، وأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وليست عاصمةَ فلسطين، وأيضاً أنه لا دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وانما دُويلة أو إمارة في قطاع غزة، وجزءٍ من سيناء لتقزيم القضية الفلسطينية، ودفن قضية اللاجئين هناك في رمال مشروع غزة المرفوض من شعبنا في غزة وأهلها. وعلى حركة حماس أن تعلن رسمياً - لأنه لا يوجد متسع من الوقت- فإما أن تكون جزءاً من المشروع الوطني الفلسطيني، وتتفاعل مع مكونات م.ت.ف، والسلطة الوطنية، وترفض أيَّ دولة في قطاع غزة على حساب الدولة الفلسطينية المستقلة، المعترف بها عالمياً دولة تحت الاحتلال، وهذا ما نتمناه، وإما أن يشرِّعوا أبواب قطاع غزة، ويفتحوا قنوات إتصال مع الادارة الاميركية، لتحقيق مشروع من نوع آخر مدمِّر للمشروع الوطني الفلسطيني، والأمر عائد لهم.

وعلى جميع القيادات الفلسطينية، والقيادات العربية، وقادة المنطقة أن يتذكروا ما قاله الرئيس محمود عباس علناً ومن أعلى منبر دولي: لا لترامب، لا لصفقة العصر المذلَّة، نعم للدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، نعم لحق العودة لشعبنا إلى أرضه وهو من ثوابتنا الوطنية.

كل الاطراف الدولية والأقليمية حسمت مواقفها، وعلى حركة حماس أن تحسم موقفها، لأن القطار الفلسطيني لم يعد يستطيع الانتظار.

الحاج/ رفعت شناعة

عضو المجلس الثوري

21/3/2018