بعد ربع قرن، أو بدقة أكثر، بعد ثلاثة وعشرين عاما، اعترف الإخوان المسلمون في فلسطين أن خطر الإبادة والإهمال الكامل يتهددهم، لأنهم رفضوا المشاركة بأي شكل من الأشكال في المساحة الشاسعة للنضال الفلسطيني الذي تحول إلى رافعة كبرى للنضال العربي، وكان تنظيم الإخوان المسلمين قد تعرض في تلك الفترة إلى خسائر فادحة من خلال الخروج الكثيف والمستمر لكوادر الإخوان من التنظيم نفسه، فقد ذهبت كوادر بارزة منهم واشتركوا في تأسيس حركة فتح التي بدورها أطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، ودفقت كل قوتها في جسم منظمة التحرير هي والفصائل الوطنية الأخرى التي كان لها عناوين إيديولوجية قومية أو يسارية، بل إن أحد هذه الفصائل خرج في عام 1985 من قلب الإخوان المسلمين أنفسهم على يد شاب متحيز هو الدكتور فتحي الشقاقي الذي أسس حركة الجهاد الإسلامي، وقد لقي من جماعة الإخوان هجوما شاذا، وقالوا فيه أكثر من ألف مرة ما قال الإمام مالك في الخمر، لكنه لم يأبه لذلك، أما هم فظلوا يرزحون تحت نهجهم المقيت إلى أن زجوا بأنفسهم قبل النهاية في الانتفاضة، فاستغلوا زخمها، وأعلنوا عن تأسيس حركة حماس، التي بقيت رغم ذلك، خارج السرب، وخارج الشعب، بل إنها ظلت حاضرة في صلب المشروع الصهيوني، وإحدى حلقاته الانسحاب الأحادي من قطاع غزة عام 2005، على خلفية تسليمه لهم، لإيقاعهم في اللعبة المكشوفة التي حدثت بعد قليل وهو الانقسام الذي يرونه انفصالا شاملا، وإمارة غزة التي يريدونها بدلا من الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومنذ وقع الانقسام في الرابع عشر من حزيران 2007 واتفاقات المصالحة تتوالى ولكن عراقيل حماس تستمر، حتى بعد إعلان حماس عن المراجعة التي قال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق أن النقاش حولها استمر أربع سنوات، فإن الانحناءة للمراجعة كانت شكلية وقصيرة النفس، وبرغم القيادة الجديدة ممثلة بإسماعيل هنية، ويحيى السنوار، والعاروري الذي سبق له أن أعطى إسرائيل اكبر مبرر لاستدراج العنف في عام 2014، بحرب ثالثة على غزة، بعد أن كانت حماس قد نفت علاقتها بقتل الشابين الاسرائيلين فاعترف العاروري ممثل حماس في تركيا، بان الفاعلين ينتميان إلى حماس!! لماذا هذا الاعتراف بعد طول نفي؟ هذا هو السؤال الكبير، ومعروف أن حرب إسرائيل الثالثة ضد قطاع غزة استغرقت واحدا وخمسين يوما، وقتلت أكثر من إلف وأربعمائة، ودمرت عشرات الآلاف من المنازل، وألحقت أضرارا خرافية أخرى بمفردات البنية التحتية في القطاع، لكن حماس اعتبرت نفسها بألف خير، على ماذا؟ هذا هو الذي ينكشف الآن في ممارسات شاذة أهمها عمليات الاعتقال والتعذيب والإعدام على خلفية التخابر مع رام الله، والتفجير الإجرامي ضد موكب رئيس الوزراء الذي كان يضم رئيس المخابرات العامة، وتكثيف الهجوم على شخص الرئيس من أناس في حماس تكمن شهرتهم في تفاهتهم، ومحاولة إحياء المجلس التشريعي الذي انقلبوا عليه والمنقلب لا شرعية له، وعمليات التشكيك والاعتقالات والإغلاق ضد شركتي "جوال" و"الوطنية موبايل" لأنهما لم يحصلا على بيانات المشتركين التي لا يمكن أن تفصح عنها الشركات إلا بأمر من النائب العام الشرعي في رام الله لان النائب العام الذي عينته حماس في القطاع ليس شرعيا.
هذه السلوكيات الدالة على أقصى حالات التناقض، لأن تيارات حماس الموزعة على ولاءات متعددة، هذه الموجه الثأرية من الشعب وكأنه سبب فشلها وليس الاندفاع الهستيري وراء مشاريع وهمية، والركض الأهوج وراء غزلان ميتة، إلى أن يأخذ حماس، سيأخذها حتما إلى التمزق، والى حرب أهلية بين صفوفها المتعارضة المصالح، والى طرق للخبية كثيرة، قد يكون أشدها خطرا الارتماء في أحضان العدو الرئيسي وهو الاحتلال علنا، والدلائل على ذلك كثيرة، وهذه هي المعركة القادمة، كيف تتم السيطرة على انتحار حماس؟.