قيادة إسرائيل الخارجة على القانون تواصل دفع مشروعها الاستعماري قدما إلى الأمام دون تردد أو تأن حتى بلوغ بناء "دولة إسرائيل الكاملة" على كل فلسطين التاريخية. ولا تتوانى عن البحث الجدي داخل أروقتها ومؤسساتها الأمنية والفكرية الإستراتيجية عن كيفية التخلص من أبناء الشعب الفلسطيني كليا أو تقليص هذا الوجود للحد الأدنى بما لا يؤثر على المشروع الصهيوني التاريخي، وبحيث يمكن إخضاع من تبقى لاحقا منهم للسيطرة الأمنية الإسرائيلية داخل الجيوب أو الكانتونات المنوي إقامتها، أو داخل إسرائيل. لا سيما وأن القيادات الإستراتيجية الإسرائيلية اعتبرت بقاء 150 ألفا من الفلسطينيين بعد إقامة إسرائيل على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948 خطأ استراتيجيا، ولم يكن مبررا ولا مفهوما. وحملوا القيادات التاريخية، التي وقفت على رأس الدولة الاستعمارية عند التأسيس المسؤولية عن هذه "الجريمة"، ونشروا ذلك في كتاب في الذكرى الـ 30 لتأسيس "دولة إسرائيل".
وفي 25 كانون الأول/ ديسمبر 2017 قال نتنياهو بعد لقائه الرئيس دونالد ترامب في دافوس: "إننا لا نريد ضم الفلسطينيين، ولا نريد أن يكونوا جزءا منا، وبإمكانهم تسمية أنفسهم دولة، ولهم علم وسفارات واتفاقيات مع الدول. ولكن القدس ستبقى عاصمة إسرائيل، والأغوار ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، ولن نزيل المستوطنات". هذا الموقف جدده وزير الإسكان الإسرائيلي، يوآف غالنت حسب ما أورد موقع "عكا أون لاين" أمس بالقول: " إن إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين أكثر من الحكم الذاتي"، وأضاف "أن غور الأردن والضفة تعتبران بمثابة حزام الحماية الأمني لـ "دولة إسرائيل" أمام المخاطر المتزايدة في الشرق الأوسط". ودعا غالنت "إلى تعزيز الاستيطان في الضفة وغور الأردن"، وتابع يطالب بوجوب قيام إسرائيل "بتوسيع حدودها تجاه الأردن من أجل تعزيز الحماية الأمنية للحدود الشرقية"، لذات الهدف المذكور آنفا.
إذا ما طرحه الوزير الإسرائيلي، وقبله رئيس حكومته الفاسد، وما يطرحه قادة ومفكرو الحركة الصهيونية ليس مفاجئا، ولا يعتبر أمرا جديدا بالنسبة لأي فلسطيني مهما كان موقعه السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. وتعلم القيادة الفلسطينية ونخب الشعب الفلسطيني، أن القيادات الاستعمارية الإسرائيلية لا يقتصر مشروعها على نفي الوجود الفلسطيني، وإنما طمس روايته كلها، والعمل على تنفيذ مخطط التطهير العرقي تدريجيا لتصفية الوجود الكلي للفلسطينيين وقضيتهم. وبالتالي ما يطرحه غالنت يعتبر مؤقتا، لأنه قد يرفض لاحقا في ظل شروط مغايرة منحهم الحكم الذاتي، إذاً موقفه مرهون بالواقع القائم حاليا، ولكن هذا السقف متحرك، وليس ثابتا في المشروع الاستعماري الإسرائيلي، دون أن يحيد الإسرائيليون عن هدفهم الإستراتيجي إلا مرغمين.
لكن مشكلة إسرائيل التاريخية تكمن في اصطدامها بالشعب الفلسطيني المسكون بهويته وشخصيته الوطنية، ويرفض رفضا مطلقا أي بديل عنها حتى لو حصل على كل جنسيات الأرض، ويرفض التنازل عن الحد الأدنى من حقوقه السياسية. وهذا ليس مغالاة، ولا نوعا من الفانتازيا والسيريالية السياسية، إنما هي الحقيقة. ولا يهم الفلسطيني كثيرا ما يطرحه غالنت أو نتنياهو أو ليبرمان أو بينت أو غيرهم من قادة الائتلاف اليميني المتطرف، لأنه معروف سلفا، المهم لدى الفلسطيني، هو كيف يطوع وينجح في كي الوعي الاستعماري الإسرائيلي، لمراجعة مشروعه الاستعماري الإستراتيجي، وإعادة النظر في تغوله العنصري والتطهيري العرقي، وامتلاك الفطنة السياسية والاقتناع بخيار التسوية السياسية الممكن والمقبول، ويقر صاغرا بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، المتمثلة باستقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر. هذه مسؤولية الشعب والقيادة والنخب السياسية لإنزال إسرائيل عن شجرة استعمارها البشعة، وأيضا إنزال الأميركيان إلى الأرض والتخلي عن ممالأة إسرائيل الاستعمارية، حماية لمصالحها الحيوية في المنطقة والإقليم.