لن تمضي المصالحة الوطنية قدماً في دروبها الصحيحة إذا ما واصلت حركة حماس لغة الانقسام القبيحة، لغة الاتهام والتشكيك والتطاول على أبسط حقائق الواقع الميدانية والسياسية، بل وتزويرها على نحو متعجرف، ومن ذلك التصريحات الحمساوية التي تقول إنها قد حلت ما تسمى اللجنة الإدارية، فيما الواقع يقول إن هذه اللجنة "الحكومة" لا تزال قائمة وتمارس سلطاتها "النفعية" والقمعية معاً، خاصة في شؤون الأمن والجبايات، وبالضد من اتفاق القاهرة الذي قام على أساس حل اللجنة الإدارية..!!
الناطقون باسم حماس وما أكثرهم ما زالوا يصفون بكذب مفضوح، إجراءات الشرعية التي تستهدف إنهاء الانقسام البغيض، بأنها "إجراءات عقابية" ضد قطاع غزة، ويتناسون الحصار الإسرائيلي (..!!) وسنوات حكمهم التي جلبت الويلات للقطاع المكلوم.
لا مصالحة مع لغة الانقسام، ولا مجال لتزوير اتفاق القاهرة، وما ثمة تفاهمات جانبية مصرية فيه مع حركة حماس وحدها، مثلما يلمح إلى ذلك الناطقون الحمساويون، وحتى رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الذي قال إن لقاءه مع فصائل العمل الوطني في غزة جاء بعد زيارته لمصر..!! ولا مصالحة مع "مقترحاته" الدعائية التي تريد عرقلة انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، بعقد ما سماه مؤتمر إنقاذ وطني ترعاه مصر..!! ليس هذا إلا تهرباً من استحقاقات المصالحة وفق اتفاقها الموقع، ومن يواصل هذا التهرب لا يتعامل في الحقيقة مع المصالحة كخيار استراتيجي مثلما يقول..!!
إنهاء الانقسام ليس أحجية، وطريقه طريق واحدة، حيث تكون السلطة الواحدة والقانون الواحد، وسلاح الشرعية الواحد، وهذا إذا ما تحقق بهذه الصورة الواضحة، يُمكّن حماس من المشاركة في المجلس الوطني، وقبل ذلك يُمكّن الوحدة الوطنية من أن تستعيد عافيتها المنتجة لفعاليات نضالية أقوى في مواجهة ما تسمى صفقة القرن التي لا تريد غير رأس المشروع الوطني، مشروع الحرية والاستقلال.
لا مصالحة مع خطابات الفذلكة والمواقف الدعائية، لا مصالحة مع الباطنية التي لا تزال حماس تَدينُ بها وترعاها منهجاً في الخطاب والسياسة..!!
لن تسعف الباطنية حماس، فدروب المصالحة جلية، كما العراقيل التي تسعى لإغلاقها، تماماً كما الحلال بَين والحرام بَين، ولن يسعف التلاعب بالكلمات ولا البلاغة في تعليقاتها الإنشائية، ناطقيها الرسميين، في قلب الحقائق والوقائع وتزويرها، وتجربة سنوات الحكم الانقلابي في غزة، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك، أن حركة حماس الإخوانية، لا تريد شريكاً لا في الحكم ولا في غيره، عدا عن أن بينيتها العقائدية لا تؤمن بالجبهة الوطنية، ولا بتحالفات الشراكة في أطرها الجامعة..!!
لكن، لربما تصحو حماس على حقيقة الضرورات الوطنية، التي تحمي المصالح الوطنية العليا، فتكف عن هذا التلاعب وهذه الخطابات لأجل أن يستعيد أهلنا في غزة عافية الحياة اليومية، لوضع حد لتدهور الأوضاع الاقتصادية وغيرها، ويعمل على تحسينها بلقمة عيش كريمة أولا ولمواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية ثانيا.
لربما يحدث ذلك، ونتمنى أن يحدث ذلك، ولا خيار غير أن يحدث ذلك.