لم تصل الأوضاع الاقتصادية في المحافظات الجنوبية إلى حافة الهاوية، كما هي اليوم بين ليلة وضحاها، عشر سنوات من الحصار الإسرائيلي، إلى جانب حكم الانقسام البغيض كانت تدفع بهذه الأوضاع خطوة إثر أخرى إلى هذه الحافة التي لم تعد متماسكة، بما ينذر بالانهيار الكارثي وعلى أكثر من صعيد ..!!

عشر سنوات من حكم الانقسام كانت خلالها حركة حماس تحصن خزائنها بالجبايات والضرائب غير القانونية، فيما تجارة الأنفاق التي أدارتها جعلت العديد من كوادرها القيادية أثرياء حرب بكل معنى الكلمة، "قطط سمان" أنتجتها هذه السياسة، وهذا الحكم، ولأن حركة حماس لا تعرف النقد والمراجعة، ولا تحسن مواجهة الواقع حتى الآن، يواصل الناطق باسمها خطاب التزوير والخديعة، الذي يريد أن يوهم الناس أن أزمة القطاع المكلوم، هي نتاج اللحظة الراهنة، بسبب عدم ممارسة حكومة الوفاق الوطني لمهامها، في الوقت الذي لا تسلم فيه حركة حماس هذه الحكومة كافة دوائرها ومؤسساتها، وما زالت مصرة على ممارسة الحكم في الجبايات والأمن وسواها من الممارسات السلطوية ..!!

عشر سنوات من حكم حزبي إقصائي، لم يقدم للناس سوى أحابيل البلاغة الإنشائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، عشر سنوات راكمت الأزمة تباعا، وحين بلغ السيل الزبى كما يقال، جاءت حماس إلى المصالحة الوطنية، وبعد تفعيل مصر دورها لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، من اجل تأمين حربها المشروعة ضد الإرهاب، جاءت حماس إلى المصالحة الوطنية ووقعت على اتفاق القاهرة، الذي ينص على تنفيذ بنود اتفاق المصالحة الموقع عام 2011. ومنذ هذا التوقيع وحتى اللحظة لا تعرف حركة حماس غير المناورة والمناكفة، والتشبث بشعارات المصالحة دون إي تطبيق ..!!

تعرف حماس أن المصالحة تعني أولا إنهاء الانقسام، وإنهاء الانقسام يعني بلا أية مواربات، سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح الشرعية الواحد، وتعرف أن هذه الطريق هي الوحيدة التي تخرج القطاع المكلوم من أزماته الاقتصادية وغيرها، وتعرف أكثر انه ما من مال سياسي قادر على معالجة هذه الأزمات، حتى لو جاء من بيت مال المسلمين (..!!) وعليها أن تعرف أن الناس في القطاع المكلوم يعرفون تماما أن تفاقم أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها، لا سبب لها الآن ولا منتج سوى هذه المماطلة الحمساوية في الامتثال لبنود المصالحة والالتزام بها لتحقيقها كما هي، وهم الذين يعرفون قبل ذلك، أن حكم الانقسام هو المعضلة الكبرى التي أوصلت القطاع مع الحصار الإسرائيلي وحروبه العدوانية الثلاث، إلى هذا الوضع الذي يعيشه اليوم، وضع الكارثة التي تحدق بهم بعيون لاهبة ..!!

لا مناص أبدا من الامتثال لبنود المصالحة الوطنية، وبقدر ما هي ضرورة إنسانية لإنقاذ أهلنا في المحافظات الجنوبية، بقدر ما هي ضرورة وطنية لمجابهة التحديات الراهنة، والتصدي لها، لحماية المشروع الوطني التحرري، مشروع الدولة المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية وبتحقيق الحل العادل لقضية اللاجئين.

العالم بأسره اليوم يرى الشرعية الوطنية الفلسطينية، في خضم هذه المواجهة، ويرى قرارها الحاسم في خوضها، واضحا ودونما تردد في الحراك السياسي للرئيس ابو مازن، من اجل فتح أبواب جديدة أمام صفقة السلام الحقيقية، سلام العدل والحق والمصالح المشروعة، لتكون هي صفقة العصر التي ترجوها البشرية من اجل الأمن والاستقرار والازدهار.

العالم بأسره يرانا في خضم هذه المواجهة، لكنه يرى أيضا معضلتنا في الانقسام البغيض فما زال يقول لنا بضرورة الوحدة الوطنية، فمتى تسمع حماس هذا القول وتؤمن بهذه الضرورة ..؟؟