هل قدر الشعب الفلسطيني أن يبقى ماله العام عرضة للقرصنة، متى سنحرر مال الشعب من سيطرة سلطات الاحتلال الاستيطاني وسلطة الانقلاب (الاخواني الحمساوي) وهل بلغت المصلحة المشتركة بينهما بإبقاء السلطة الوطنية في حالة عجز مادي لإضعاف مقومات الصمود؟! فلا فرق بين سلطة احتلال متغطرسة استعلائية مستكبرة ظالمة تقرصن عائدات الضرائب الفلسطينية في تل أبيب، وسلطة انقلاب تستولي على الملايين هي في الأصل تبرعات للمؤسسات التعليمة في قطاع غزة كمثال وليس على سبيل الحصر.

أهدافهم من القرصنة: خلخلة قواعد وركائز النهوض بالمشروع الوطني، ومنع مواكبة معركة بناء مؤسسات الدولة وتمكين المواطن من حقوقه مع المعركة السياسية الدبلوماسية القانونية في المحافل الدولية؟! وإشغال الشارع الفلسطيني بلقمة العيش، على حساب إبداع سبل المواجهة مع الاحتلال الاستيطاني وتطوير وتوسيع المقاومة الشعبية السلمية، ما يعني في معادلة بسيطة تعطيل انجاز الحرية والاستقلال وقيام الدولة، والتعمية على مشاريع دولة الاحتلال بالاستيلاء على القدس وتهويدها، والإيحاء للعالم أن مشكلتنا اقتصادية إنسانية وليست قضية تحرر وطني.

سيكون صائبا وفي الاتجاه الصحيح لو أن مظاهرات المطالبين برواتبهم في غزة توجهت إلى مقر رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، لتطالبه بتسليم المؤسسات الوطنية كلها ودون استثناء إلى حكومة الوفاق الوطني، وتجريم من يمنعها من بسط سيادة القانون وتطبيقه. وأن الحل يكمن في تنفيذ حماس الإعلانات والتفاهمات التي أعقبت اتفاق القاهرة والالتزام بنصوصها، والأهم من كل ذلك الانفكاك عن تحالفاتها مع قوى خارجية، لم تجلب للقضية والشعب إلا الكوارث والدمار والموت العبثي لعشرات آلاف المواطنين.

نعتقد ودون أدنى شك بمعرفة الموظفين الذين عينتهم حماس منذ الانقلاب بأسباب المشكلة، وسبل حلها، فهم يعلمون أن سلطة حماس اللاشرعية فرضت ضرائب على المواطنين وجبت منهم منذ الانقلاب عام 2007 وما زالت متحكمة بالجباية، وتصرف ما تجمعه على عسكرها ومنتسبيها، وأنه لا بد من انسحاب حماس التام من مؤسسات السلطة التي استولت عليها بالقوة، ومساءلة قادة حماس المسؤولين عن تردي أوضاعهم، كالدكتور محمود الزهار الذي وعدهم بتحويل غزة المغتصبة بقوة الانقلاب إلى جنة!!. لكنه فشل في وعد إنشاء دولة إسلامية، وتطبيق معادلة الحكم والمقاومة !!

لا يجوز استغلال الحقوق الأساسية للمواطن المنصوص عليها في القانون والتعامل معها بازدواجية، فهي مصانة ومضمونة للمواطن ما دامت وليدة قرارات صادرة عن مؤسسات قانونية شرعية، لذا فإن المطالب بها أو المدافع عنها يجب ألا يتخذ سبيل الحزبية للانتصار لها، وإنما عليه كسر قيود الحزبية والتحرر منها خاصة إذا كان السبب في الظلم الواقع على من يعتقد انه مظلوم، ولا يتأتى ذلك إلا بقول الحق أمام السلطان الجائر الذي استولى على مقدرات البلاد وحرم أهلها، واعتبرها كغنائم وخص إتباعه وعسكره بها.

حسنا فعلت وزارة التربية والتعليم العالي، عندما كشفت عن استيلاء حماس على27 مليون دولار، قيمة تبرعات جمعتها من الطلبة، ومن موارد المقاصف المدرسية في قطاع غزة، وأنفقتها كرواتب لموظفيها!! ونعتقد أن مصداقية وزير التربية والتعليم العالي الدكتور صبري صيدم الذي أعلن هذا البيان لا يمكن لحماس خدشها، مهما امتلكت من أدوات تجريح ودعاية مضادة.

ما أكده د.صيدم نقطة في بحر الأموال العامة التي تسيطر عليها حماس من مصادر أخرى، وهذا ما يجب أن ينتبه إليه كل مواطن في القطاع حتى لو كان من إتباعها أو أنصارها، فالقضية لا تتعلق ببرنامج سياسي حزبي يؤيده أو يعارضه، وإنما بمصيره ومستقبله كمواطن، فالأنواء السياسية متبدلة كالطقس، وما هو قائم اليوم سيقع أو يتغير غدا، ولا يبقى إلا الوطن والمواطن، والإيمان بمبدأ الوطنية يتطلب الموقف الصحيح والسليم، لضمان الحفاظ على وجود الإنسان كفرد، والمجتمع كقيم وثقافة، والشعب الفلسطيني صاحب الأرض والوطن التاريخي والطبيعي فلسطين، وصاحب المستقبل الأبدي عليها.