الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الأرض والإنسان، هو جوهر الصراع مع الفارق بين الأهداف والخلفيتين السياسية لكل منهما. فالفلسطيني يعمل بكل الوسائل من أجل التجذر في أرضه وبيته حيثما تواجد على أرض فلسطين التاريخية، ولطرد الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران 1967، وتكريس استقلال دولة فلسطين على تلك الحدود وعاصمتها القدس الشرقية، ومن جهة أخره من تم تشريده وطرده منهم لبلدان الشتات في عام النكبة 1948 والنكسة 1967، يعمل على العودة لأرضه وبيته داخل دولة الاستعمار الإسرائيلي تنفيذا لقرار العودة 194، ولاستعادة حقه التاريخي في وطنه الأم، الذي لا وطن له غيره، حتى لو حمل كل جنسيات العالم. في حين يعمل الإسرائيلي لتأصيل مشروعه الاستعماري بفرض السيطرة على كل فلسطين التاريخية ، وطرد أبناء الشعب الفلسطيني عبر مجموعة من الانتهاكات والجرائم وعلى رأسها خيار الترانسفير، بهدف تفريغ الأرض من السكان ليتمكن الإسرائيليون من إحلال مستعمرين جدد محلهم، بالتلازم مع ذلك يجري بشكل يومي عملية ضم ممنهجة للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفرض القانون الإسرائيلي على أراضي دولة فلسطين المحتلة دون استثناء.
ومن يتابع التطورات على الأرض يلحظ التغول الاستيطاني الاستعماري على الأرض الفلسطينية، ويطالع كل يوم نص قانون جديد مرره الكنيست وقبله اللجنة الوزارية التشريعية لفرض الهيمنة على الأرض، ولتعزيز الحضور الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة، باعتبارها "جزءا لا يتجزأ من أرض دولة إسرائيل الكبرى"، وليست حتى "أرضا متنازعا عليها" أو "أرضا محتلة" لشعب آخر. وبالتالي الوجود الفلسطيني على الأرض، بمثابة وجود "طارىء" وليس "وجودا تاريخيا أصيلا."
عملية الدحرجة الجارية لضم الأرض الفلسطينية من قبل المستعمرين الإسرائيليين تسير على عدة جبهات وخطوط متوازية في آن واحد لبلوغ المرحلة الثانية من المشروع الإستراتيجي الصهيوني. ولا يجوز لأي منا أن يستهين بأي قانون أو قرار أو إعلان عطاء مهما كان صغيرا أو ثانويا، لان كل عمليات الضم المتلاحقة ، وأي كان عنوانها مصادرة للأرض، أو عطاءا للبناء، أو قانونا أو فتوى دينية، أو شق طريق أو بناء سكة حديد، أو حتى رفع علم هنا أو هناك، أو وضع حاجز وإغلاق لهذه القرية أو تلك المدينة، أو سحب الهويات، ونفي السكان من مدنهم وقراهم، ونهب بيوتهم أو طردهم منها، كما في القدس ... إلخ فإنها جميعها عوامل تؤصل للمشروع الاستعماري الإسرائيلي، ونفي للفلسطيني عن أرض وطنه.
من النماذج الدالة على ما تقدم، إصدار مجموعة من القوانين الاستعمارية منها: قبل أسبوعين صادقت الكنيست في القراءتين 2و3 على تطبيق قانون مجلس التعليم العالي الإسرائيلي على مؤسسات التعليم العالي في المستوطنات. واستنادا للقانون تم إلغاء المجلس الموازي، الذي أشرف على هذه المؤسسات طيلة العقود الماضية من الاستعمار في الأرض الفلسطينية المحتلة. كما أن الخطوة الجديدة حفزت نفتالي بينت، وزير التعليم والمعارف، أن يعلن مباشرة "إن من شأن هذه الخطوة، أن تسمح بإنشاء كلية للطب في جامعة "أريئيل".
وقبل بضعة أسابيع طبقت وزارة الزراعة مشروع قانون يسمح بنقل حصص البيض بين مزارع الدواجن في المناطق وإسرائيل. لاحظوا كم الموضوع يبدو بسيطا، غير انه يتعلق بالسيطرة التدريجية على مناحي الحياة.
وفي كانون الثاني من العام الماضي (2017) صادق الكنيست على قانون يعترف بقرارات المحاكم العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كأدلة مقبولة في الإجراءات المدنية في المحاكم الإسرائيلية، والغرض منها تسهيل ملاحقة ضحايا الهجمات الفلسطينية، أضف لتكريس القانون الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية، باعتبارها جزءا من "إسرائيل"، وليست أرضا محتلة، وفي ذلك تجاوزا وخرقا فاضحا للقانون والمواثيق الدولية، التي تمنع تطبيق القانون الإسرائيلي على الأرض المحتلة عام 1967. وبالتالي على القيادة الفلسطينية العمل على كل الصعد والمستويات لإسقاط وهزيمة إسرائيل وخيارها الاستعماري.