خاص مجلة القدس/ الاصدار السنوي العدد 344 كانون الثاني 2018
حوار: منال خميس

شغلَت قضية اعتقال "عهد التميمي"، من قِبَل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على امتداد العالم، وحازت على تضامن شعبي ورسمي واسع. فقد أحيت تلك الطفلة، ذهبية الشعر، ابنة الـ(16) ربيعاً، بحضورها وشجاعتها، الوعي بالقضية الفلسطينية وبتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وأصبحت "عهد" النموذج الفلسطيني المقاوم سِلمياً بجسده وصوته، فلُقِّبَت بـ"أيقونة" النضال، وأُطلِق عليها اسم "جان دارك" فلسطين، لأنَّها برغم الألم، تُمثّل الأمل للإنسان الفلسطيني بأنَّه لن يضيع حقٌّ وراءه مُطالب. مجلة "القدس" التقت "باسم التميمي" والد "عهد" في حديثٍ خاصٍّ حول هذه "الأيقونة" الفلسطينية المعاصرة، التي لقَّنت جيش الاحتلال الذي لا يُقهر درسًا لن ينساه.

حدثنا عن طفولة "عهد"، والبيئة التي صنعتها، وشكّلت فرادتها؟
الصورة النمطية التي انتشرت لـ"عهد" بالمواجهة الدائمة مع الاحتلال، شكَّلتها عدة عوامل، فهي من أسرةٍ مناضلةٍ، قدَّمت وضحَّت وما زالت تُقدِّم وتضحي. فأنا جريح برصاص الاحتلال، واعتُقلتُ 9 مرات، ووالدتها جريحةٌ وأسيرةٌ، وإخوتها جرحى، وعمتها شهيدة، وخالها شهيد، ونحن في قرية تتميَّز باشتباك دائم مع قوات الاحتلال، وفيها أعلى نسبة شهداء، وفيها وُلِدَت "عهد" خلال الانتفاضة الثانية في 31 يناير 2001، وترعرعت في ظلِّ واقعٍ يبطش فيه الاحتلال بكلِّ مفاصل الحياة الفلسطينية، ومن هنا تشكَّل وعيها ضمن هذا السياق، وهذه المنظومة؛ المحيط الأسري، فالأكبر، فالأكبر، في سياق وفكر المقاومة المتجسِّد عمليًّا وفعليًّا على أرض الواقع.
أما الجانب الآخر من شخصيتها، فيظهر في البيت وهو مختلف جدًا، حيثُ أنَّ "عهد" خجولة وهادئة وحنونة، ومَن يراها هنا لا يراها هناك، فشخصيتها مختلفة، ولكن ما يُميِّزها هو أنَّ منحى صدامها مع المحتل على مدار حياتها، هو بنفس الوتيرة، وهذا يجعلها مشتبكةً ومتحديّةً، هي تشعر بأنها ند، ولا تحب أن ترى نفسها ضحية، وإنَّما ترى أنَّها صاحبة قضية، وبالتالي مواجهة المحتل رسالتها. واشتباكها ليس ردة فعل، أو حالة عاطفية، لهذا السبب لا يوجد تناقض في سلوكها على مدار نشاطها. إنَّ عهد تُشكِّل حالةَ رفضٍ نفسيٍّ للاحتلال وتكرهه، وبالتالي أصبحت ضرورةُ مقاومتِهِ جزءًا من مكوّنها النفسي والعاطفي.
ما هي هواياتها وأمنياتها؟
هي طفلةٌ مثل غيرها من الأطفال، ودائمًا كانت تقول لو لم يكن هناك احتلال لكنت تمنَّيتُ أن أكون لاعبة كرة قدم، لكن هذا الاحتلال سرق أحلامنا وحَرَفَها عن مسارها الطبيعي، لذلك أريدُ أن أدرس "الحقوق" لأدافع عن شعبي وعن قضيتي وعن أهلي.
هل كنتَ تتوقَّع لابنتك هذا المصير؟
أنا مؤمن أنَّنا أصحاب قضية، ولا مجال هنا للعواطف، فنحن نحمل رسالةً، ومستعدون للتضحية من أجلها. أنا أب، وبالنسبة لعهد مشاعري أعلى من أي شيء، لقد نشأت في بيئة خطرة، وبالتالي مشاعري أعلى، ونحن أصحاب قضية ولسنا حالةً انفعاليّةً، لذا مشاعري متناقضة تتنقّل ما بين الحزن والقلق والارتباك والخوف والاشتياق، إلى الفخر والعزَّة والكرامة والانتصار وبناء النموذج، فنحن نصنع نموذجًا قويًّا قادرًا على أن يحمل قضيّته، وبالتالي عهد أصبحت تُمثِّل نموذج جيلها، وهذا الجيل يجب أن يرانا أقوياء لنُسلِّمهُ الراية مرفوعة وغير مكسورة.
ربما هناك مَن يتساءل لماذا تصدرون نساءكم وأطفالكم لمقارعة الاحتلال؟
لكلِّ شخص رأيه، ونحن نحبُّ أن نعزف على قيثارتنا لا أن ندافع عنها، وأمَّا بالنسبة لكيف يرانا الآخرون، فهذه مشكلتهم وليست مشكلتنا! المرأة نصف المجتمع، وهي التي تربي النصف الآخر، وإذا عطَّلنا نصف المجتمع، نكون قد هزمناه من الداخل، وبالتالي سيُنتج أجيالاً ضعيفةً، مهزومةً، غير قادرةٍ على إنتاج مشروع حضاري مقاوم، ومن هنا تبرز ضرورة إعداد امرأة قوية، حُرّة، قادرة على تربية أجيال قوية قادرة على التحرير، وأنا أؤمن أنَّه يجب على المرأة والطفل أن يمارسوا دورهم، وهذه رسالة لبناء الوعي بطريقة أفضل.
ما هو الانتماء السياسي لعهد؟
عهد ليس لها انتماء سياسي، دائمًا كانت تقول أنا فلسطينية. وبرأيي ليس هناك ضرورة لأن يكون لها انتماء سياسي، فالمرحلة الآن تخطَّت الانتماءات السياسية، وعلينا ألّا نفرض على هذا الجيل أن يركب في مركبنا المثقوب، وإنَّما على هذا الجيل أن يبني مركبه وحده.
كثيرٌ من المؤسّسات والدول اختارت عهد كشخصية العام 2017 ما رأيكم بذلك؟
هذا صحيح، هناك أكثر من مجلة وجريدة ومنتدى ودولة اختارت عهد شخصية العام، ونحنُ نشكرهم جميعاً، ولكن هذا لا يُغيِّر لدينا شيئًا، فنحن أصحاب رسالة، وفي غمرة هذه الرسالة يأتينا ما يرفع معنوياتنا، وهذا مهم، وأذكر أنَّ عهد عندما سألوها عن رأيها حين كرَّمها الرئيس التركي ومنحها وسامَ الشجاعة، قالت المهم أنَّني أوصلت رسالة شعبي.
إلى أين وصلت محاكمة عهد؟
أولاً نحن نرفض هذه المحكمة. المحكمة صنعها الاحتلال ليُعاقبنا، وبالتالي لن يصدر عنها حكم عادل، بل سيرفعون لائحة الاتهام ضدها وسيصيغونها بما يضمن وضع عهد أطول فترة ممكنة في المعتقل، ونتوقَّع ذلك، فهذا احتلال، وهذه قوانينه، وهذا نظامه القضائي المؤسَّس أساسًا لعقابنا وليس لإحقاق العدل بحقِّنا، لذا لا نتوقَّع منه شيئًا، علمًا أنَّ عهد خضعت لتحقيق شديد. لقد حقَّقوا معها كأنَّها تنتمي لإحدى الخلايا العسكرية وليست طفلة، ولكنَّها صمَدَت أمام المحقّق، وصفعَت نظامَ تحقيقه بكلّ غروره وعنفه وانتصرت عليه.
الآن شخصيّة عهد أصبحت أقوى وأصلب، وهي كانت دائمًا تقول الرصاصة التي لا تقتلنا تزيدنا قوّةً، نعم هذه التجربة ستزيدها قوة.
ما هي رسالتك لأبناء شعبنا الفلسطيني؟
أقول لهم نحن كآباء علينا ألّا نزرع الخوفَ في نفوس وقلوب أبنائنا، بل أن نترك لهذا الجيل خياره في المواجهة، وهذا التفاعل مع عهد هو تفاعل واشتباك مع الاحتلال، فهذه رغبة الجماهير، وعلى النخب والقيادات أن تُعيد تصويب المسار سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا بما يتوافق مع نبض الشارع والناس، لنتخطَّى مرحلة الهزيمة التي نعيشها.