أولاً يجب التعامل مع القرار-التوصية الذي أقرَّه المجلس المركزي بأنَّه تتويجٌ لسلسلة طويلة من المحطّات الفارقة في التعامل مع الوضع السياسي برمّته، وبخاصّة بعد القرار الأمريكي بإزاحة القدس عن طاولة التفاوض رغم كونها واحدة ممَّا توافقنا على تسميته بقضايا الوضع النهائي. لو أمعنّا النظر جيّدًا ببقية تلك "القضايا" لوجدنا أنه يتم إزاحتها تِباعاً- تارةً بنفس صلافة القرار المتعلّق بالقدس وتارةً بطرق ملتوية: فقضية اللاجئين مثلاً تخضع لمحاولات محمومة للقفز عنها، فالجانب الإسرائيلي يكرّر رفضه القاطع لعودة أي لاجئ إلى بيته، بينما تتكفَّل الإدارة الأمريكية بمحاولة تقويض "الأونروا" بكل ما تمثِّله من تأنيب مستمر لضمير المجتمع الدولي المتقاعس عن تنفيذ قرارات مؤسساته الواحد تلو الآخر.

أمَّا موضوع المستوطنات فهو أيضًا يتعرَّض لعملية متصاعدة من "الإزاحة" عن طاولة التفاوض، ولعلّ قمّة تلك المحاولات هي التوجُّه لفرض السيادة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية الخاضعة للاستيطان. وغني عن القول إنَّ تشريع الاستيطان بهذا الشكل يُنهي عمليًّا البندَيْن الآخرَيْن من بنود الحل النهائي، فلا المياه ستبقى قابلةً للتفاوض في ظل استمرار الهجمة الاستيطانية، ولا الحدود سيكون لها مكان في أي اتفاق مُقبِل إنْ تمَّ استثناء القدس والمستوطنات من دائرة التفاوض.

كيف يمكننا الرد على كلِّ هذه الهجمة والتي تشمل أُسُس المشروع الوطني الفلسطيني، مشروع الحد الأدنى الذي لا تراجع بعده، فظهرنا لا يستند إلّا إلى هذا الحائط؟

علينا برمجة الرد الفلسطيني بحيث تأتي كل خطوة مراكمةً لما قبلها.

1. الرد على الاحتلال هو من خلال المقاومة الشعبية المتصاعدة، وهذا الأمر غير خاضع للنقاش ما دام الاحتلال مستمراً

2. الرد على القرار الأمريكي الخاص بالقدس يكون بالاستمرار في عزل الموقف الأمريكي دوليًّا وفي إلغاء الدور الأمريكي الذي أوصل المنطقة لكل هذه الفوضى وثبَّت دعائم الاحتلال الإسرائيلي لوطننا.

3. الرد على إلغاء كل قضايا الحل النهائي التي كان من المفترض أن تُشكِّل تتويجًا للفترة الانتقالية هو بالقفز فوق تلك "المرحلة"، والانتقال إلى تثبيت الدعائم السياسية والقانونية والمؤسساتية لدولتنا المستقلة، بكل ما يقتضيه ذلك من فك الارتباط بالاحتلال وخاصة في الموضوع الاقتصادي والأمني، وبكل ما يستدعيه من تكثيف لجهود تكريس الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

4. موضوع التوصية الخاصة بتعليق الاعتراف بإسرائيل هي سلاحنا الأقوى، نظراً لما سيمثِّله قرار كهذا من قطيعة شاملة مع إسرائيل وإعادة للصراع إلى مربّعه الأول. لذلك اقترح أن يُدرَج هذا القرار -التوصية على جدول أعمال أول اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على أن يتم اتخاذ قرار من اللجنة بتعليق "التعليق" لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وأن نضع شروطًا عمليةً تسمح باتخاذ القرار المناسب بعد انقضاء الفترة المحدّدة، أي أنَّ المطلوب أن نستخدم نحن أسلوب الـ(waiver) الذي تسلَّطه أمريكا فوق رؤوسنا في كل صغيرة وكبيرة، وأن نبدأ بشرط عملي يتمثل بإلغاء صفة "الإرهاب" عن منظمة التحرير الفلسطينية، لننتقل بعد ذلك إلى مطالب أكثر شمولية، وأن يكون موضوع نقل السفارة الأمريكية عملياً إلى القدس أو صدور قرار من الكنيست بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات هما اللحظة التي تعني تعليق الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل بشكل فوري.

5.كل ما تقدَّم يبدأ ويستمر وينتهي بتصعيد المقاومة الشعبية، فبدون هذا السلاح الفلسطيني لن نتمكن من فرض أي شرط أو تحقيق أي انجاز.

6. وماذا عن "أوسلو"؟ -لقد أصبح هذا الاتفاق وراء ظهرنا..