قلت سابقاً أن الرئيس حتى ولو حرر فلسطين ستبقى تلك الزمرة تقول ما يسيء للرئيس وما ينتقده في أبشع صورة، وأسجل أنني لست ضد الانتقاد بشرط أن يكون انتقاد منطقي غير محملاً بخيبة أمل عنوانها عدم الحصول على مناصب أو احتلال الكرسي الذي يظن البعض أنه مكسب! لقد عمل هؤلاء ما قبل الخطاب الذي ألقاه الرئيس محمود عباس على البحث عن ما يمكن فيه تمرير انتقاداتهم للرئيس وخطابه دون الانتظار لما سيقوله! ورغم أن البعض منهم انتظر؛ فقدت سيطرت على أفكارهم ليس ما قاله بل ما سيقولونه! وأحدهم قال بشكل كوميدي أن سياسة الرئيس هي التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه من التراجع؛ لكنه ابتعد عمداً وعن سابق إصرار في توضيح ما كان على الرئيس عمله؛ لأنه لا يعرف، ولا يفهم، ولا يعلم، ولا يستوعب إلا شيئاً واحداً؛ وهو إرضاء أطراف محددة، وإثباتاً للوجود من خلال السموم التي تنبعث من لسانه .!

في الحقيقة لم أجد في خطاب الرئيس ما يدينه، وما يمكن الحديث عنه كانتقاد؛ فلم يتخل عن الثوابت الفلسطينية، ولم يمنح العذر لكل مَن باع فلسطين والقدس من السفلة الذي أشار إليهم الشاعر العراقي مظفر النواب قبل عدة سنوات! وقد خاطب الرئيس المجلس المركزي في قاعة الشقيري، وتوجه نحو الشعب الفلسطيني عبر قناة فلسطين الفضائية، وقصد الشعب العربي من خلال قناة الميادين؛ وكأنه يجلس بينهم في إطار شعبي بسيط وغير رسمي وضع كافة الأوراق على الطاولة، ولم ينسى الرئيس أن يعبر نحو الاجتماع الوزاري لوزراء خارجية الدول العربية الست (وكأن الست أمريكا حاضرة) وألمح الرئيس إلى أحد الوزراء؛ إذ كيف تبجح في انتقاد الشعب الفلسطيني، وردة فعل الشعب من قرار ترامب، وهو في الحقيقة يعلم أن دولته قد قامت بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في قرارها هذا بخصوص القدس! وبدون مجاملات؛ وضع الرئيس الحقيقة كاملة على طاولة اجتماع المجلس المركزي، وقدم توصياته واقتراحاته غير الملزمة، ووضع القرار بيد أعضاء المجلس وبدون الحديث عن التفاصيل، ليس هناك ما يمكن الحديث عنه من ممارسة مشكوك فيها لانتقاد الرئيس طالما أنه وضع النقاط على الحروف دون أن يأخذ دور عنترة؛ الدور الذي تقتبسه بعض الشخصيات المتعددة وهم في الحقيقة ليسوا أكثر من كمبارس !

إن دورنا الآن في إيجاد السبل الكفيلة والداعمة لمواجهة مؤامرة القرن، وليس دورنا في البحث عن الحروف والكلمات التي قالها الرئيس لاستغلالها من جهة، و إرضاء أطراف أخرى من جهة أخرى، تلك الأطراف المعروفة التي تعمل من أجل مصالحها، وتستغل القضية الفلسطينية في ذلك، والأبواب مفتوحة على مصرعيها يمكن من خلالها معرفة وتقييم الطرق الصحيحة دون استغلال أو سيطرة من أحد، وحتماً في هذه الظروف فإن أعداء القضية هم أنفسهم أعداء الرئيس!.

بقلم: ميسون كحيل