أصدرت كل الدول العربية بيانات شجب ورفض لقرار الرئيس الأميركي ترامب، وأكدت جميعها على إن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وبعضهم أشار إلى انه لا يجوز التلاعب بها، لأنها من ملفات الوضع النهائي، وأعتبر القادة العرب أن القرار الأميركي ينافي القانون الدولي. وتلا ذلك انعقاد مجلس وزراء خارجية الدول العربية الأحد الماضي، وأصدر بياناً سياسياً أدان الخطوة الأميركية، واستخدم الوزراء اللغة الإنشائية بامتياز في العتب على الولايات المتحدة. لكن المجلس الوزاري لم يتخذ قراراً سياسياً واحداً، ولم يشر إلى أية خطوة عملية للرد على الموقف الأميركي المشؤوم، وراوح في ذات المكان، بحيث جاء بيانهم منسجماً ومتلائماً مع واقع الحال العربي المفكك والمتصارع بين مكوناته.

مع إن الأشقاء العرب كان بإمكانهم أن يهزوا العصا في وجه ترامب وإدارته عموماً وفريقه المكلف بملف التسوية برئاسة صهره كوشنير وحتى في وجه الكونغرس المنحاز لصالح إسرائيل قبل إصدار قراره والتوقيع عليه. لاسيما وإنهم جميعاً كانوا يعلموا أن رئيس الإدارة الأميركية سيلعن اعترافه، ويوقع عليه، وسيصدر تعليماته لنقل السفارة إلى القدس، كما انه أبلغ العديد من الزعماء بقراره، وكان الرئيس أبو مازن أجرى اتصالات بهم جميعاً وابلغهم زعيماً زعيماً بما ابلغه إياه ترامب عشية التوقيع على القرار الأهوج والأرعن، قرار الاعتراف الرسمي بأن القدس "عاصمة" لإسرائيل الاستعمارية. فضلاً عن إن العديد منهم، كان يعلم قبل اتصال ساكن البيت الأبيض بالرئيس عباس والملك عبد الله الثاني يوم الثلاثاء الموافق ال5 من كانون الأول/ ديسمبر الحالي بما سيقدم عليه. ومع ذلك ظلوا في حالة انتظار أو بتعبير آخر مخفف، بَقيوا مغمضوا العيون، ومغلقوا الآذان عما سمعوا، وارتضوا الصمت خشية العواقب التي قد تطالهم من قبل راعي البقر الأميركي! ولو تجرأوا على قول كلمة شجاعة قبل إقدام ترامب على قراره المغامر المؤيد للاستعمار الإسرائيلي، لجعله يفكر بما ستؤول إليه الأمور لاحقا. لكنهم لم يفعلوا.

وانسجاماً مع واقع الحال العربي البائس والمتهالك لم يتمكن الأشقاء من إصدار بيان وزاري يتناسب مع طبيعة اللحظة السياسية الحرجة، والقرار الأميركي الخطير والمعادي للمصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية، ولم يصدروا قراراً واحداً يرقى لمستوى المسؤولية، وتلطى بعض العرب خلف دعوة الرئيس التركي للقمة الإسلامية، التي من المقرر أن تبدأ أعمالها اليوم  الأربعاء، ولم يتجرأوا على مجرد الدعوة لقمة عربية. مع إن القمة العربية لن تكون أفضل حالاً من مجلس وزراء الخارجية، لأن العم سام والقيادة الإسرائيلية قد يغضبوا من مجرد الدعوة لها. لهذا إكتفوا بما صدر عن وزارات خارجيتهم أو بيانات عن دواوين الملوك والرؤساء والأمراء، التي جاء بعضها باهتاً وخجولاً، كأنه بيان لإحدى الدول النائية في آخر قارات الأرض.

مع ذلك شكراً للأشقاء العرب على ما أصدروه، وأعلنوه من مواقف لصالح القدس والقضية الفلسطينية، حتى لو كان شكلياً وضعيفاً. لكن هذا لا يكفي، وستبقى الدعوة للقمة العربية مطلب عربي، لاسيما وان إتحاد البرلمانات العربية دعا لعقدها فوراً، لذا ليس من المروءة والرجولة الاستنكاف العربي الرسمي عن الدعوة للقمة، ليس هذا فحسب، وإنما ربط عقدها بسلسلة من القرارات الرسمية التي تتناسب مع طبيعة اللحظة السياسية، وترقى لمستوى المسؤولية الوطنية والقومية، وتكرس مجدداً القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب جميعاً. خاصة وأن الخطر القائم واللاحق نتاج التردد والتعلثم والصمت المريب، لن يكون في مصلحة أي نظام سياسي مهما كان اسم زعيمه وطبيعة ومكوناته. وبالتالي الانتصار للقضية الفلسطينية، هو انتصار لكل العرب والأمم والشعوب المحبة للسلام والحرية والعدالة السياسية. وبقدر ما تكونوا مع قضية فلسطين وقضايا الأمة، بقدر ما تكونوا قدوة للأمة وشعوبها، والعكس صحيح.