تحقيق: مصطفى ابو حرب

ثلاثة عشر عامًا مرَّت والشعب الفلسطيني لم ينسهُ لحظةً. ففي كلِّ المحطَّات وجميع مناحي الحياة يُذكَرُ اسمُ ياسر عرفات، هذا القائدُ الذي أفنى حياتَهُ مناضلاً من أجل حُقوق شعبنا وفي سبيل قضيّتنا، فباتت كوفيّته رمزًا للنضّال ومحلَّ تباهي الكبار والصغار، وأصبحت سيرتُهُ خيرَ سيرةٍ ما زالت تتداولها الأجيالُ المتعاقبة.

اسمه وفلسطين صونان
"مَن فينا لا يعرفُ الشهيد الرّمز ياسر عرفات؟! لقد كاَن وما زال اسمُهُ مُلازمًا لذكر فلسطين، إذ لا يسعك أن تذكر شيئًا من التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني دون ذكرِ اسم ياسر عرفات، فهو كان وما زال أيقونةَ شعب فلسطين، وعنوان فخرٍ لشعبنا بأطيافه السياسية كافّةً"، بهذه الكلمات استهلَّ ابن مخيّم البداوي الشاب محمود مقدادي (21 عامًا) حديثَهُ عن الرمزيّة التي اكتسبها الرئيس الشهيد أبو عمّار.
وأكَّد مقدادي أنَّ "ياسر عرفات عنوانٌ بارزٌ في تاريخ فلسطين، ولن ينساهُ شعبُهُ لأنَّه أول الرصاص الذي أضاء سماء اللُّجوء وشموع العودة، وحوَّل القضيّة الفلسطينيّة من قضية جموع مُشتَّتة إلى قضيّة حقٍّ ووطنٍ سليبٍ، ولن يضيع حقٌّ وراءه شعب الجبارين كما أسماه الرّمز الشهيد ياسر عرفات".
وقال مُخاطِبًا روح الرئيس الشهيد: "نَمْ قريرَ العين فأنتَ سلَّمت الرّاية للأشبال من بعدك، ونحن على عهدك إن شاء الله، وسنرفع العَلم فوق أسوار القدس ومآذنها".
أمَّا الطالبة كوثر حمدان (25 عامًا)، من مخيَّم نهر البارد، فتقول: "الشهيد ياسر عرفات هو الأب، والقائد، وقلبُ الثورة ومُفجِّرها، وهو سببُ بقاءِ قضيّة الشعب الفلسطيني، وعنوانُ دولته الحبيبة. لقد عاش معنا في القصص والأحاديث والأغاني والهتافات، ورغم أنَّ الكثيرين من جيلي لم يُشاهدوه شخصيًّا، ولكنَّ صورتَهُ محفورةٌ في أعماق ذاكرة كلٍّ منا، وذكراه متربِّعةٌ على عرش قلوبنا، ولا أعتقد أنَّ هناك رئيس دولة أو زعيمًا أو قائدًا يُحبُّه شعبه كما نحبُّ الشهيد الرّمز ياسر عرفات، وأنا أجزم بأنَّه كان يُحِبُّ شعبَهُ حُبًّا جمًّا، فهذا كان واضحًا من مواقفه وتعامله وحرصه على أبناء شعبه".
من جهته، يؤكِّد الطالب في جامعة بيروت العربية محمد علي طوية (22 عامًا)، من مخيَّم نهر البارد، أنَّ الرئيس القائد "أبو عمّار"كانَ مُناضلاً من الطراز الأول، ومقاومًا منذُ النّكبة، وصاحب مواقف إنسانيّة استثنائيّة، مـمَّا جعله محطَّ ثقة واحترام الشعب الفلسطيني، وزرع محبَّته في قلوب أبناء الشعب الفلسطيني وطبع صورتَهُ في عقولهم، عندما كان حيًّا يرزق، وحتى بعد استشهاده.
ويُضيف: "لقد أعطى الله-سبحانه وتعالى- الرّمز الشهيد ياسر عرفات ما يريد ويتمنّى، لأنَّ القائد وهو في عزِّ الحصار كان يقول يا رب الكون أرزقني أن أكون شهيدًا من شهداء الأقصى، وظلِّ يُردِّد يريدونني إمَّا طريدًا أو أسيرًا أو قتيلاً وأنا أقول لهم شهيدًا شهيدًا شهيدًا، وقد منحه الله ما تمنّى، ونسأل الله أن يجعله في عليين رفقة النبيين والشهداء وحسن أولئك رفيقا".
بدوره، يؤكِّد الشاب إيهاب إسماعيل أنَّ الرئيس الشهيد ياسر عرفات حظي برمزيّةٍ لم يكن لها مثيل، فيقول: "كانت نظرته عنوان تحدٍّ وكلماته مبعثَ أملٍ وتهديد، وحتى اليوم لا تزال كوفيّة الختيار عنوان الثائر. ياسر عرفات كان وما زال الفصل الأجمل في حياة الشعب الفلسطيني".
وينوِّه إسماعيل إلى أنَّ اغتيال الرَّمز الشهيد أبو عمَّار يشير إلى الجريمة المنظَّمة التي ارتكبها العدو الصهيوني بحقِّ قيادات فلسطينية، ويضيف: "يجب أن يُحاكَمَ العدو الصهيوني على ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد أمام المحاكم الدولية، ولو أنَّنا نلمس التواطؤ الدولي في كلِّ القضايا التي تتعلَّق بهذا الكيان المجرم، وتحديدًا في هذه القضية التي يجب أن تبقى أمانةً في رقاب كلِّ أبناء الشعب الفلسطيني من دون استثناء".

أبو عمَّار العنوان الأوحد لكلِّ فلسطين
بحُزنٍ وأَلَمٍ يستذكرُ الشابُّ هاني السعيد، المقيمُ في مخيَّم البداوي، يومَ استشهاد الرئيس ياسر عرفات، مُؤكِّدًا أنَّه كان يومًا مأساويًّا على الشعب الفلسطيني الذي ما زال يستذكرُ رئيسَهُ الشهيد بشوق وحرقة. ويردف: "لقد كانت لأبي عمّار مكانة وقيمة كبيرة جدًا بالنسبة لشعبه وقضيّته الفلسطينية. فقد كان الرقمَ الصعبَ، ورغم تعدُّد التنظيمات التي كان لكُلٍّ منها رأيه وقراره، إلّا أنَّ أبو عمّار كان يُوحِّد الجميع".
ويتابع: "خاضَ الرئيس الشهيد العديد من المحطَّات النّضالية والصعوبات التي نجح في تجاوزها، فعندما حصل الاجتياح الإسرائيلي على لبنان، سطّر أبو عمّار أسطورة في الصُّمود والمواجهة، واستطاع أن يحمي القضيّة في كثير من المنعطفات التي مرَّت بها، مُشكِّلاً صمامَ أمانٍ للقضيّة وللوحدة الوطنيّة. كما تمتَّع بالحكمةِ والحنكةِ والذكاءِ، إذ كان يجيدُ استخدام أوراق الضّغط ويتفاوض من فوق الطاولة مع اليهود تحقيقًا لمصلحة الشعب الفلسطيني العُليا والمصلحة الوطنيّة، وفي المقابل يُعطي تعليماتِه ويُؤيِّد من تحت الطاولة كلَّ العمليات البطولية الفدائية التي حصلت في السابق، ولا يزال خطابه يُؤثِّر بشكل كبير وفعّال على شعبنا حتى هذه اللِّحظة".
ويضيف السعيد: "كانت لي ملاحظاتٌ وانتقاداتٌ على اتفاق "أوسلو"، ولكن عندما حُوصِرَ الشهيد الرمز ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله، وخرجت جموعُ الشعب الفلسطيني من كلِّ الأطياف والفصائل أدركتُ أنَّ ياسر عرفات تجاوز الفصائليّة، وتحرَّر من قيود التقوقع إلى رحاب الوطن، فأصبح رجلاً قائدًا على ساحة الوطن، بل تعدَّى ذلك ليغدو رجلاً بحجم أُمَّة، ويكفي ياسر عرفات أنَّه القائد الأُمَمي الوحيد الذي شيَّعته ثلاث دول، وبكته عيون الملايين من أبناء شعبه، وكلِّ أحرار العالم الذين تمسَّكوا بكوفيّته رمزًا للتمرُّد على الظلم والاستبداد، وبفضله صار عَلم فلسطين عنوانًا للرفض والظلم ورايةَ تحرُّرٍ".
ويرى الطالب عز الدين الحاج محمد، من مخيَّم نهر البارد، أنَّ الشهيد القائد ياسر عرفات كانَ محبوبًا من الطوائف والفصائل والجهات الفلسطينية كافّةً، ومثَّل قدوةً لجميع الأحرار في العالم، لامتلاكه "شجاعةً ووطنيّةً لا يمكن أن تتكرَّرا".
ويتابع: "لقد زرعَ فينا الشهيد القائد روح النّضال والتمسُّك بالقضيّة الفلسطينيّة وعدم التخلّي عنها، أو التنازل عن أيٍّ من ثوابتنا، وكان وما زال يُشكِّل مثالاً أعلى للشباب بسبب قوته وإقدامه وحكمته، ولأنَّه استطاع إيصال صوته إلى كلِّ العالم، وتجاوز كل المصاعب والعقبات التي كانت تعترض طريقه وهو يُردِّد (يا جبل ما يهزك ريح). ونحن اليوم في ذكرى استشهاده، نتمنَّى لو أنَّه كان على قيد الحياة، ونُعاهده بالسير على دربِه".
خلاصة القول، فإنَّ القائد والرّمز أبو عمّار قد كتبَ أحرُفَ اسمه بحبرٍ من طين فلسطين ممزوجًا بمائها، فغدت إكسيرًا لحياة كلِّ الشعب الفلسطيني. يُذكَرُ في أغاني الأفراح، وفي تنهيدات الملمَّات كُنّا به نلوذُ، واليوم نُردِّد كلماتِهِ وكأنَّه موجودٌ بيننا، لا بل أبو عمَّار حقًّا ما زال بيننا موجودًا.