ليست المرة الأولى التي تتم فيها المواجهة مع الإدارة الأمريكية بخصوص مكتب فلسطين في الولايات المتحدة الأمريكية، في العام 1988 رأت محكمة العدل العليا أن القانون الأمريكي الداخلي لا يلغي أو يلزم القانون الدولي، وبالتالي يعتبر الإجراء الأمريكي مخالف للقوانين الدولية، واليوم دولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة وبالتالي فان التعامل يجب أن يكون إلزامياً للإدارة الأمريكية وليس ابتزازا لمواقف سياسية ظالمة.

موقف الإدارة الأمريكية من مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية، والمماطلة في إصدار التصريح الدوري من وزارة الخارجية الأمريكية لتجديد كل 6 شهور، يعتبر موقف سلبي للغاية وانحياز تام للموقف الإسرائيلي فرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لم يغادر منطق الاحتلال والهيمنة على الشعب الفلسطيني، ولم يتم التقدم منذ 25 عاماَ في الملفات العالقة والتي تتصل بالدولة الفلسطينية، والحدود، والمستوطنات، والقدس واللاجئين، والمياه والأمن، وتوقفت الإدارة الأمريكية منذ كامب ديفيد 2000 عن أي مساعي حقيقة تهدف لإنهاء الاحتلال.

إن صفقة القرن أو ما يعرف بالرؤية أو الحل الأمريكي، يجب أن تكون تدخل مباشرة في تطبيق التسوية النهائية وبما يضمن توازن الحل والعدالة على أساس حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود العام 1967م وعاصمتها القدس، وفي حال نصت الرؤية الأمريكية على العودة إلى المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين على الإدارة الأمريكية ألا تمارس الابتزاز ضد الضحية وهو الشعب الفلسطيني المحتل، والذي له حقوق ثابتة تضمنتها قرارات الشرعية الدولية، كما أن أي مفاوضات يجب أن تكون وفق برنامج زمني محدد وقصير، وان تكون تحت سقف المرجعيات والاتفاقات الدولية، وألا يتم الالتفاف على المبادرة العربية2002م.

إن استمرار الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب بهذه الممارسات المستهجنة، يعني تخليها تماماً عن أي خطة حل أو برامج ضمن رؤية للسلام ولا يمكنها القيام بدور مستقل، كونها تقع تحت تأثير اللوبي الصهيوني والإملاءات الإسرائيلية ولقد انتظر الفلسطينيون طويلاً لكي تتخلص الإدارة الأمريكية من سياستها الداعمة لأطول احتلال في العالم، ولكن الدلائل والمؤشرات تثبت عكس كل ذلك، فها هو الرئيس الأمريكي وبإدارته يزيل القناع عن وجهه، ويمهد لممارسة إسرائيل لعدوان جديد على شعبنا، وتسخين المنطقة بما قد يصل إلى الانفجار.

إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة الفلسطينية جادون بتقديم كل ما يمكن من أجل حل النزاع على أساس المرجعيات الدولية وحل الدولتين وحق العودة للاجئين وان ينتهي الاحتلال، ولكن في الحقيقة لا يوجد شريك إسرائيلي للسلام أو قيادة إسرائيلية قادرة على اتخاذ القرار، وبالإضافة إلى الغموض في الموقف الأمريكي وفي تأخر الخطة الأمريكية، والخلاصة انه لا يوجد سلام تحت ضغط الاملاءات والابتزاز، ولن يكون هناك أي اعتراف بالدولة اليهودية، وعلى الإدارة الأمريكية أن تعود لقراءة التاريخ وستجد أن م.ت. ف قامت بكل ما هو مطلوب منها، ومن أجل تحقيق السلام العادل والشامل، وأن تعديل الميثاق والاعتراف بإسرائيل، قد لا يبقى رهينة للابتزاز الأمريكي أو العنصرية الإسرائيلية، لأن قرار إغلاق مكتب فلسطين قد يعود عقارب الساعة إلى الخلف وينتهي الاعتراف بإسرائيل وهنا يبرز البديل الفلسطيني في صراع الإرادات وتوازن القوة، فالرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي قال للإدارة الأمريكية السابقة 12 مرة (لا)، يمكنه اليوم أن يقول لترامب وسياسته (لا) وليسمعها العالم كله أن القرار الوطني الفلسطيني المستقل مقدس ولا يمكن أن يرهن لاشتراطات أو تنازلات أو إضعاف للقيادة وتهديدات بتقليص أو منع الدعم المالي للسلطة، فهذا كله لا يمثل شيء أمام الفوضى التي يمكن أن تدفع الإدارة الأمريكية ثمنها في مصالحها الاستيراتيجية بالمنطقة سياساتها في ظل وجود أحلاف جديدة وقوى بارزة دولية وإقليمية، تنتظر أي أخطاء أمريكية لكي تجهض مشاريعها القادمة وخطتها القادمة.

إن استمرار الحراك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني والانضمام للمنظمات الدولية والمطالبة بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، رسائل هامة للإدارة الأمريكية المنحاز للاحتلال الإسرائيلي العنصري، كما أن إتمام المصالحة الفلسطينية والوصول للوحدة الوطنية والتضامن العربي مع قضيتنا كون فلسطين قضية العرب المركزية ولا تطبيع مع الاحتلال قبل إنهاء وجوده فوق الأرض العربية وقيام دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة، كلها عوامل سوف تضعف القرار الأمريكي الذي سوف يتراجع عنه اليوم أو غداً، فالمعادلة الدولية والإقليمية معقدة ولا تتحمل مزيداً من الأوراق المحترقة.