بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الرمز ياسر عرفات (أبو عمار فجَّر الثورة، وقاد المسيرة، وجسَّد الكيانية الوطنية الفلسطينية، ووضع أُسُس إقامة الدولة)

   يا جماهير شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات... يا أبطال الثورة المعاصرة، يا أبناء الفتح الرائدة، الأحياء منها، والشهداء، والأسرى، والجرحى، يا كلَّ الذين يعيش الراحل ياسر عرفات في قلوبهم، ووجدانهم، وعقولهم، أنتم اليوم على موعد مع ذكرى رحيل المؤّسس لهذه الحركة الوطنية التاريخية، وهو الذي أعطى حياته منذ نشأته وحتى الرّمق الأخير، فداءً لشعبه رمز الوفاء والفداء الذي احتضن مئات الآلاف من الشهداء، في مسيرة ثورة هي الأطول، والأصعب، والأكثر تعقيداً في هذا العصر.

من حقنا اليوم نحن الفلسطينيين، تلامذة ياسر عرفات أن نرفع رؤوسنا بشموخ واعتزاز أمام كلِّ شعوب العالم، وأن نباهي الأمم بصمود شعبنا، واستمرار ثورتنا المعاصرة، وتاريخنا المفعَم بالتضحيات والبطولات، وانتصارنا في كلِّ معارك التحدي وتقرير المصير.

ومن حقِّ ياسر عرفات الرمز والمؤسّس علينا أن نلتزم نهجَه الثوري، وسلوكه الوطني، وصلابته النادرة، وأن نحافظ على تاريخه المجيد، وأن نصون وصاياه، وأن تبقى فلسطين هي جوهر الصراع، وأن تبقى الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الممر الإجباري لاستكمال وخوض كفاحنا، من أجل تحقيق أهدافنا الاستراتيجية.

ومن حقّه علينا اليوم أن نعطي الثقة كاملةً لخليفته، ورفيق دربه، وشريكه في تأسيس أبرز حركة وطنية ثورية في التاريخ المعاصر الرئيس محمود عباس. وإذا كنا فعلاً حريصين على تراث، وأمجاد، ووصايا ياسر عرفات، علينا أن نحمي مسيرته الوطنية التي يجسدها اليوم الرئيس أبو مازن لإبقاء راية الفتح خفَّاقة، وأعلام فلسطين ترفرف فوق تراب الوطن المحتل، وفوق الأقصى والمقدسات، وعلى صدر كل شهيد.

إنَّ ما تعرَّض له الرمز ياسر عرفات من سهام الغدر، والحقد، والانتقام، والإعدام السياسي والجسدي، والذي أدّى إلى استشهاده، وليس إلى استسلامه، هو نفسه يواجهه الرئيس محمود عبّاس الثابت على ثوابت ياسر عرفات، والمؤتمن على المسيرة الوطنية. إنَّ حالة الصمود والتحدي التي واكبناها في مسيرة ياسر عرفات حتى لحظات استشهاده هي السهامُ نفسها عادت لتُوجَّه إلى صدر حامل أمانة ورسالة الرئيس أبو عمار، هي نفسها الجهات التي تعَّمدت اغتيال الرمز ياسر عرفات للتخلُّص من رجل القرار في الحرب والسلم.

إنَّ ما رسَّخه أبو عمّار من مبادئ ومن قِيَم وطنية وثورية في مسيرته الطويلة، جسَّده الرئيس أبو مازن منذ أن انتخبه الشعب الفلسطيني رئيساً للدولة الفلسطينية، وانتخبته حركة "فتح" في مؤتمراتها رئيساً لها بإجماع الحاضرين.

وفي هذا المجال فإنَّنا نؤكِّد أبرز القضايا المتعلّقة بمسيرة الكفاح الوطني والتي ما زالت من الثوابت في قضيتنا الفلسطينية.

أولاً: إنَّ الرمز ياسر عرفات هو من صُنّاع التاريخ الفلسطيني المعاصر، ومن مؤسّسي حركة "فتح" رائدة نضال الشعب الفلسطيني، وهو الذي استعاد الهُوية الوطنية، والكيانية الفلسطينية، والتي جسَّدتها منظمة التحرير الفلسطينية الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وقد واصل الرئيس أبو مازن دفاعه عن وحدة "م.ت.ف"، ومقاومة كلِّ محاولات استبدالها، أو إحداث شرخٍ فيها، أو المتاجرة بها من أي طرف كان.

ثانياً: كان الرّمز ياسر عرفات رجل القرار المستقل باعتباره الضمانة الحقيقية لوحدة الموقف الفلسطيني، ومحاربة محاولات التدخل الإقليمية والدولية بالشأن الفلسطيني.

وهذه المنهجية تمسَّك بها الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وحصَّن القرار الوطني الفلسطيني من كافّة المحاولات المسمومة الرامية إلى شق الصف الفلسطيني، وتقاسُم القرار الفلسطيني تحت لافتات تحريضية وتشكيكية مختلفة مع سيلٍ عارمٍ من التحريض الإعلامي على القيادة الفلسطينية، وخاصة شخص خليفة الرمز ياسر عرفات المؤتمن محمود عبّاس.

ثالثاً: لقد كان أبو عمار في حياته النّضالية صاحب القرار الصعب، وخاصّةً في الظروف الصعبة، والمحطات المعقدة، وقد دفع ثمن صلابته مراراً وخاصة في طرابلس العام 1983، وفي بيروت العام 1982، وفي رام الله عندما رفض الخضوع للاحتلال حتى اللحظات الأخيرة من حياته. وهكذا استمرَّ الرئيس أبو مازن متمسِّكاً بمنهجية الشهيد ياسر عرفات. فالولايات المتحدة مارست على الرئيس الفلسطيني ضغوطاً هائلة للتراجع عن قراراته في الأمم المتحدة، أو سحب مشاريع، قراراته وذلك بهدف تعزيز موقف الاحتلال الإسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية. إلّا أنَّ سيادة الرئيس كان صلباً ومصراً على التمسُّك بالثوابت الوطنية ورفض كلّ الإملاءات والتهديدات الأميركية والإسرائيلية.

رابعاً: لقد كان ياسر عرفات صاحب المشروع الوطني الفلسطيني وتحمَّل ذلك بأمانة، واحتضن الجميع في خندقٍ كفاحي واحد، وفي إطار وحدوي فلسطيني شامل هو إطار م.ت.ف، واستطاع رغم كافة محاولات تقسيم الجسم الوطني، وتمزيق شعبنا أن يوحِّد القرار، وان يحمي المسيرة الوطنية.

لقد تسلُّم الرئيس أبو مازن الأمانة من الشهيد ياسر عرفات، والتزم بخطاه السياسية، وبرنامجه النضالي، ووضع دائماً المصالح الوطنية فوق كل الاعتبارات، وكان حريصا على توحيد الصف مع الأولوية للقرار الفلسطيني المستقل. وظلَّ دائماً بعد الانقلاب والانقسام يمدُّ يده من أجل المصالحة، لاعتقاده بأن الانقسام لا يخدم إلّا العدو الإسرائيلي، وظلَّ متسامحاً، وبقلبه الكبير يتعاطى مع الايجابيات، إلى أن تحقّقت المصالحة الوطنية بدعم مصري، وإلى أن عاد الجميع إلى رشدهم الفلسطيني. واليوم تتوحّد الضفة وغزة.

خامساً: لقد كان ياسر عرفات حريصاً على أن تبقى البوصلة باتجاه فلسطين مهما كانت التكلفة، وأمام كل المحطات الصعبة، والصراعات الدامية في الوطن العربي والعالم، لم نُغيرِّ، ولم نُبدِّل، فمقياسنا دائماً هو فلسطين ومصالح شعبنا الوطنية العليا. وهذا ما تمسّك به سيادة الرئيس أبو مازن، عندما رفض الانجرار إلى الصراع المحتدم والقائم في الوطن العربي، وإنَّما كان حرصنا الفلسطيني أننا ضد حل مشاكلنا بالصراعات العسكرية التي تولِّد المزيد من الأحقاد. وإنما أبلغنا الجميع بأننا مع الحلول السياسية، لأن الصراعات والحروب بين الأطراف العربية لا تخدم إلاَّ العدو الإسرائيلي.

يا جماهير شعبنا الفلسطيني...

يا رفاق درب الشهيد الراحل الرمز ياسر عرفات...

من موقع الوفاء للشهداء علينا أن نعي حجم المؤامرة التي تحاك ضد قضيتنا، وأبناء شعبنا، وأن نتوحّد على الطريق الذي سلكهُ قائد الثورة، وان نكون على أُهبة الاستعداد للدفاع عن قضيتنا، ووجود شعبنا، وحقنا في تقرير مصيرنا، فالعدو الإسرائيلي قد تجاوز الخطوط الحمر، وتجاهل كافة القرارات الدولية معتمداً على نُصرة الولايات المتحدة له في طغيانه وعدوانه.

فالعدو الإسرائيلي اليوم يرفض حلَّ الدولتين، ولا يعترف بوجود دولة فلسطينية، وإنَّما يصرُّ على الجانب الفلسطيني أن يعترف بإسرائيل أنَّها دولة يهودية قومية، وبالتالي لا مجال للوجود العربي فيها، أو التعايش مع غير اليهود.

ثانياً: إن الاحتلال الإسرائيلي وعلى مرأى ومسمع كل الأطراف الدولية والإقليمية، مصرُّ على مواصلة استعمار أرضنا، والهيمنة عليها من أجل قطع الطريق على أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية باعتبار أنَّ الأرض برمتها هي أرض إسرائيلية.

ثالثاً: هناك إصرار صهيوني على تهويد  الاماكن المقدسة، وإدخال المستوطنين إلى باحات المسجد الأقصى بقوة السلاح لتكريس واقع جديد، وهو تقاسم المسجد الأقصى رمانيًّا ومكانيًّا، علماً أنه وكل المقدسات في القدس ملك للشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه.

رابعاً: إن ما يسمى بصفقة ترامب، وأنَّ هناك اقتراحًا بوجود حل للقضية الفلسطينية، إنَّما هي أوهام، واقتراحاتٌ مسمومة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية في هذا الظرف العربي الذي يعيش حالة تمزُّق وضياع. وكل ما يتم طرحه هو بعيد عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وخاصة ما أقرته الشرعية الدولية منذ العام 1947 حتى اليوم أي قرارات 181،194 ،242 ، 338...الخ والتي تؤكد جميعها على الانسحاب الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ولكن الجانب الإسرائيلي يصادر كافة المواقف لصالحه.

إنَّ هذا الواقع السياسي الذي يتحكم فيه العدو الاسرائيلي بأهم المفاصل يقودنا إلى اعتماد إستراتيجية وطنية فلسطينية واضحة، قادرة على معالجة كافة التعقيدات، وتفكيك كافة العقبات، والعودة إلى جماهير شعبنا، لتعميق العلاقة مع قطاعاتها وشرائحها، ووضع الخطط والبرامج لرفع مستوى التفاعل مع الواجبات الوطنية، لتحصين الساحة الفلسطينية من كل عوامل الوهن والضعف، والانشداد دائماً إلى ضرورة تحقيق وانجاز أهدافنا الوطنية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وإقامة دولتنا المستقلة ذات السيادة على الأرض المحتلة العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية،وعودة اللاجئين استناداً إلى القرار 194.

نؤكد ضرورة كشف تفاصيل الجريمة التي ارتكبها العدو الصهيوني رسمياً، وملاحقة المجرمين، مستخدمين كافة الوسائل والأساليب ومحاسبتهم أمام القانون الدولي، ومطالبة العالم أن يكون على مستوى مسؤولية محاسبة من أجرم بحق القائد التاريخي الابرز الذي قاد النضال الفلسطيني منذ البدايات.

ولا شك أن المخيمات الفلسطينية تحتاج من القيادة إلى وقفة اكثر جدية لمعالجة مشاكلها الأمنية، والمعيشية، والاجتماعية والسياسية، لأنَّ قرار الثورة وصلابته يعتمد على صلابة قواعدنا وجماهيرنا، فالمخيمات هي قواعد الثورة الأساسية، ومن حقها علينا أن تكون مستقرة، وواحةً من الديمقراطية والتعايش. وهذا يقودنا إلى إعطاء الأولوية للعلاقات الاخوية الوطنية والاسلامية، بين القوى السياسية في المخيم، والجانب اللبناني بقواه السياسية على اختلافها والرسمية، والامنية، والعسكرية، المعنية بتوفير الأمن، وإيجاد الحلول للحالات المستعصية، ومتابعة الإجراءات المطلوبة، ومحاصرة المخاطر التي تهدد مصالح الطرفين، لأن السلم الاهلي اللبناني يعنينا كمخيمات فلسطينية، وكقضية فلسطينية.

وهنا نؤكِّد بأننا حريصون على أمن واستقرار لبنان، ونرى أن لبنان كبلد عربي يشكل سنداً حقيقياً للقضية الفلسطينية هو محكوم بالحوار الداخلي، وأثبت عبر التجارب السابقة أنه قادرٌ على تجاوز مختلف الأزمات مهما كان نوعها، وحجمها. والثقة كبيرة بشعبه وبرئيسه، وحكومته، ومجلس نوابه حيث لبنان تحكمه عقول سياسية ناضجة، وقدرات حوارية موضوعية تضع مصلحة لبنان فوق كل الاعتبارات.

إنَّ ما نتطلع إليه كشعب فلسطيني هو أن يستعيد الوضع العربي مكانته وسيادته، وأن يتحمل المسؤولية كاملة باتجاه المخاطر المُحدقة به، وخاصة المخاطر التي يشكلها العدو الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين، أرض الرباط والمقدسات، والتي بات وجودها يهدد القضية الفلسطينية، والوجود الشعبي الفلسطيني. وبات خطره يهدد الأمة العربية والإسلامية. ولذالك نحن نأمل من الجميع أن تكون بوصلته في الصراع متجهة إلى الاحتلال في فلسطين. ودعم الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل حق تقرير مصيره

التحية إلى جماهير شعبنا الفلسطيني في كل الأراضي الفلسطينية، وفي الشتات.

التحية إلى قوافل الشهداء الأبطال قادة من حركة "فتح" وكافة الفصائل

التحية إلى الأخوة الأسرى الصامدين في المعتقلات

التحية إلى كافة الإخوة الجرحى والمعوَّقين