منذُ أن ذهبت حكومة التوافق الوطني برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، إلى قطاع غزة، وعقدَت اجتماعها الأول هناك بعد غياب ثلاث سنوات، ولقاء وفدَي "فتح" و"حماس" في القاهرة وتوقيع الاتفاق الذي قرَّر الآليات لتنفيذ المصالحة وجرى التوقيع عليه من الجميع في الرابع من أيار 2011، اتّضح بعد تطابق الإرادات بين "فتح" و"حماس" بدعم من تطورات إقليمية في المنطقة أبرز ما فيه أنَّ القوى المؤيِّدة للانقسام والمعادية للمصالحة أصبحت ضعيفة جدًا وتطورات دولية أبرز ما فيها أنَّ العالم يريد نزع الذرائع من يد الاحتلال الإسرائيلي وأهمّها الانقسام الذي هو مصلحة إسرائيلية مئة في المئة كما دلَّت على ذلك مؤخَّرًا ردة الفعل الهستيرية التي اتَّخذها نتنياهو وأبرز حلفائه أمثال بينيت زعيم البيت اليهودي وليبرمان زعيم "إسرائيل بيتنا"، اتّضح أنَّ أهمَّ بنود اتفاق المصالحة، وإنهاء الانقسام هو بند التمكين، أي تمكين الحكومة (حكومة التوافق الوطني) من القيام بكامل صلاحياتها في إدارة شؤون القطاع كما إدارة الضفة حسب القانون، لأن الحكومة هي التي ستمسك بكل الملفات وتعد لها برامج التنفيذ، وهذا يحتاج إلى وقت منطقي، لأنَّ ما كان قائمًا منذ أكثر من عقد من الزمان، واشتركت فيه إرادة سرية وعلنية وإقليمية ودولية، لن ينتهي في لحظة، ولن يتلاشى في غمضة عين، بل يحتاج إلى وقت مستحق، وبرامج حقيقية، وهمّة عالية، وتوافق عالي الأفق. والأصوات التي تستعجل وتستعجل قد لا تكون كلها مخلصة، وكما يقول المثل "طريق جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة".

   ولذلك استبشرنا كثيرًا بالخطوة الأولى، وهي ذهاب وفد من هيئة المعابر إلى غزة لاستلام المعابر كافّةً ليُصار إلى تجهيزها بكافة الإمكانيات لتمكينها من القيام بعملها على أكمل وجه، وهكذا في خطوات متلاحقة، وإرادات متطابقة وجدية وكفاءة تمكن الحكومة من أداء مهامها وأخذ صلاحياتها والإمساك بزمام الأمور، دون إغفال أي ملف من الملفات، لأنَّ هذه الملفات تخصُّ شعبًا، وهي جزءٌ ممَّا لحق بنا جرّاء الانقسام الذي ثبت للجميع أنَّه كان ضارَّا بنا جميعًا.

   علينا أن نتابع بثقة أكيدة، بوعي كامل أنَّ إنهاء الانقسام بكل ذيوله واستكمال المصالحة بكل متطلباتها هو إنجازٌ وطنيٌّ كبيرٌ، من خلاله سنقترب من تحقيق إنجازنا الوطني الأكبر وهو إقامة دولتنا، ونيل استقلالنا، ودحر الاحتلال الذي هو تناقضنا الرئيس.