حوار: يوسف عودة
خاص مجلة "القدس" العدد 341 ايلول 2017

الفنان أسعد كعوش المولود في قرية ميرون قضاء صفد في الجليل الأعلى عام 1945، سار مشيًا ‏حافي القدمين من قريته حتى جنوب لبنان. عاش الحكاية الفلسطينية بكلِّ تفاصيل أوجاعها، ‏التزم الأغنية الثورية إلى جانب البندقية وجعل منها المنشور الثوري، ما زال يتمسَّك بالثوابت ‏الوطنية حتى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس وحقِّ العودة.‏

بصوته يغني للوطن وبعُودِه يعزف لحنَ الحُريّة
على باب المخيَّم يُدندِن على أوتار عودِه تفاصيل الحكاية الفلسطينية، يُسرِّج أغانيه ليكسر ‏الصمت ويطارد المؤقّت.. صوتُهُ الجبلي شالٌ من فجر جبل الجرمق، وأُغنِياته كوفيةٌ للشمس ‏لكي تمرَّ من الخاصرة والأزقّة.‏
مخيَّم المية ومية كان منصَّته الأولى لشجا صوته الجليلي يُغني للوطن بلا فضائيات، وشراع أوتار يمام ‏يطير فوق المخيَّمات الفلسطينية وأهازيجه ملحمةُ شعبٍ يُنشد للحُريّة، والعودة، وإقامة الدولة ‏الفلسطينية وعاصمتها القدس.‏

الفنان أسعد كعوش سنديانة فلسطينية وفلسطين أغنيتُهُ الجملية.. ‏
يَذكُر أنه هُجِّر من بلدته ميرون قضاء صفد في الجليل الأعلى عام 1948، وكان يسير حافي ‏القدمين مع والدته حتى وصوله جنوب لبنان. عاشَ مرارة اللجوء والحرمان، وفَرَضَت عليه ‏الظروف القاسية العملَ ومتابعةَ الدراسة حتى تخرَّج يحمل شهادة "الليسانس" في الأدب العربي، ‏ومن ثُمَّ عمل مُدرِّسًا في مدارس "الأونروا"، حتى أُحيل على التقاعد.‏
يقول الفنان أسعد كعوش: "حينما اكتشفتُ موهبة الصوت الجميل قرَّرتُ التعلُّم على آلة العود ‏لكي يرافقني في حفلاتي، وبدأتُ أُحيي الأعراس الفلسطينية في المخيّمات، حيثُ كانت الأعراس ‏تحمل طابع التراث الشعبي الفلسطيني، نُحييها في ساحات المخيَّم.. ذلك كان في الزمن الجميل".‏
ويُضيف: "مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، بدأتُ المرحلة الثانية في عملي الفني، حيثُ ‏التزمتُ بالأغنية الوطنية الفلسطينية، والتي تُؤرِّخ لكلِّ مرحلة نضالية فلسطينية. غنَّيتُ في البداية ‏الواقع الفلسطيني الذي كان يعيشه شعبنا من مصادرة حُرِّيته وسلبه لإرادته للتعبير عن هويته ‏الوطنية والظُّلم الذي أصابه، كما في:‏
يا ابني في إلك عندي وصية            بـــــــــلادك منك بتطلب حُرية
ولكل رفاقك الأبطــــــال وَدِّي            من الشعب المقاتل ها التّحية
وشعبة ثانية تسرح وتمـــــرح            كأنَّـــــــــــــــا عايشين بالجاهلية‏
وقُلن كيف كــــان الفلسطيني           دقيقـــــــــــــــــــــــــة بيتعوق عشية
لأنو كــــــــــــان في عنا عصابة           بعشر ليــرات يرتكبوا الخطية
جمعنا الشعب كلــــــو واتفقنا          الجميع يكون حامــــــــــل بندقية
لقد تجاوب الناس مع هذه الأغنية وأصبحت على كل شفة ولسان"، ثمَّ يتابع الفنان أسعد ‏كعوش: "أنا ملتزمٌ بقضيّة شعبي، وواجبي المتواضع أن أشارك في هذه المسيرة النضالية من خلال ‏الأغنية الثورية التي لا تقل أهميّة عن البندقية، وقد وصفوا أغنياتي بالمنشور الثوري لدى الشعب ‏والفدائيين، وحين جاء شهر أيار العام 1968، رفعتُ الصوت مدوياً أُغنّي لشعبي البطل:‏
أيار خبّر أيلول‏... الليل عنا ما يطول
فدائية تحمل سلاح ... جماهيرنا تهتف وتقول
‏نرمي سلاحنا مش معقول
هذه الأغنية ردَّدتها الجماهير الفلسطينية واللبنانية على امتداد لبنان، وكانت شعاراً لتلك المرحلة.‏
لقد غنَّيتُ لكلِّ المخيَّمات لصمودها وصبرها، وقد خاطبتُ مخيَّم تل الزعتر أثناء حصاره، فقلتُ:‏
يمَّا من تــــــــل الزعتر     بكتبلك رسالي
من شادر لونو أخضر       بوصفلك حالي
وهذه الأغنية ما زالت مطلوبةً منّي حتى اليوم".‏

محاكاةٌ للهموم اليومية والقضايا الوطنية
يمتازُ الفنان أسعد كعوش "أبو العبد" بروح إنسانية اجتماعية وثقافية تتفاعل مع الحياة اليومية ‏لشعبه وهمومه ومعاناته، وهو لا ينسى أن يغنّي لبلدته ميرون وحنينه لحاراتها وبساتينها وغاباتها. ‏يُحدِّثنا عن ميرون بأنَّها قريةٌ وادعةٌ وآمنةٌ تقعُ على سفوح جبل الجرمق في الجليل الأعلى، قرية ‏تاريخية أثرية لكثرة الآثار الموجودة فيها، وفيها قلعة صغيرة تُدعَى الدرجة ومقام ديني.‏
تابع الفنان أسعد كعوش مسيرته الفنية بإنشاء فرقة البيادر للفنون الشعبية الفلسطينية عام ‏‏1970، التي قدَّمت اللوحات التراثية (الدبكة الشعبية) والأغاني الوطنية، حيثُ بدأت بزيارة ‏القواعد العسكرية للفدائيين في جنوب لبنان، كما قدَّمت عروضها في كلِّ المخيَّمات الفلسطينية، ‏وعلى مسرح الجامعتين العربية والأمريكية، وكذلك المسرح القومي في سوريا وليبيا والدنمارك ‏وإيطاليا، كما نالت العديد من الدروع التكريمية.‏
يتذكَّر الفنان أسعد كعوش "أبو محمود" أحد سكان المخيَّم الذي لم يتوانَ لحظة عن الحديث عن ‏فلسطين، وأنَّ الثورة جاءت للخلاص الوطني وكنا نحلم بها، فأصبح "أبو محمود" أغنيةً على ‏أوتاره، إذ يقول الشاعر:‏
يا عمّي يا أبو محمود      خليك صاحي أوعى تنام
أشعلها نـــــــــار وبارود     ولا ترضى بالاستســــــلام
أغاني الفنان أسعد كعوش ذاكرة للأجيال، تُمسك الضوء في المدى تحرس المخيَّم، وحمامة تُغرّد ‏مراثيها لرزنامة الصبر، وبزوغ فجر الحرية رايةٌ للشمس ترفرف على قِمَم الجبال وعلى توقيت ‏الوطن. بصوته الدافئ يتبادل الشوق والحنين لبلدته ميرون مواجع وحكايات، ومضافة بلدته تجمع ‏الكبار والزوّار عنواناً للكرم والضيافة. يحمِلُ عوده ويُردِّد على مسامعنا:‏
يا عصفورة يا إم جناح ... عطر بلادي علينا فاح
بالغربة مش قادر عيش ...  غير بلادي ما برتاح
ثُمَّ يتابع أغنية ثانية بعنوان مشتاق، فيقول:‏
مشتاق شوف ضيعتنا ... وغني عتابا تحت لوزتنا
مشتاق للبيادر غمار غمار ...  شو حلوي بين الأهل دبكتنا ‏
إلى أن يقول:‏
مشتاق للوادي وع النبع مشوار... نشرب ونسبح بميات نبعتنا
لميرون للضفة واللد والأغوار... اشتاقت للأهل من بعد غيبتنا
تضل أرضنا مكلَّلة بالغار... والقدس تبقى للأبد عاصمتنا
ونرفع عَلمنا بالسما طيار... وبعودة الأسرى إتّم فرحتنا‏
يا رب احمينا زغار كبار... تنحرر فلسطين وتزول نكبتنا
الفنان أسعد كعوش حكايةٌ من حكايا فلسطين، وصخرةٌ من صخورِ الجليل، هو على العهد ‏والقَسَم حتى العودة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس.‏
ومن المؤمنين بأنَّ الاحتلال إلى زوال، وأنَّ القيدَ لا بدَّ أن ينكسر.‏