خاص/ مجلة القدس العدد 341 ايلول  2017

بقلم: محمد الشولي

يُعرَض حالياً في الصالات فيلمٌ للمخرج اللبناني الفرنسي زياد دويري بعنوان "قضية 23". ويستحضر الفيلم ‏الحرب اللبنانية الأهلية عام 1975،  من خلال خلافٍ بين الفلسطيني ياسر، وهو مهندس مدني يقوم ‏بالإشراف على تنفيذ مشروع ترميم لشارع فسّوح في الأشرفية بتكليفٍ من شركة مقاولات هندسية، ‏ولبناني مسيحي من سُكّان الشارع، حول مزراب مكسور لبيت المسيحي يصبُّ مياهه الملوثة على ‏الشارع، ومن ثُمَّ يتطوَّر الخلاف ويحتد ليصبح خلافاً حادًّا بين الفلسطينيين والمسيحيين في لبنان. ثُمَّ ‏يتحوَّل هذا الخلاف إلى قضية تحمل رقم 23، لتحكم فيها محكمة عدلية يتصارع فيها الطرفان من خلال ‏مكتب محاماة تبنَّى وجهة نظر المسيحي، ومحاميةٍ تتبنَّى الدفاع عن وجهة نظر الفلسطيني، وبعد استعراض ‏تسلسل الحرب الأهلية اللبنانية ودور الفلسطينيين فيها، يصدُرُ الحكم في نهاية الفيلم بأنَّ الفلسطيني غير ‏مُذنب.‏

يبقى السؤال المطروح: لماذا في هذا الزمان يستحضر المخرج والكاتب أحداثًا مضى عليها ‏أكثر من ثلاثين عاماً لتُعيد لذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين مآسي ومجازر كادت أن تكون في طي النسيان، ‏وفي الوقت الذي تصالحت القضية الفلسطينية مع كلِّ الأطراف التي شاركت في الحرب، وربما أصبحت ‏قضية عادلة وجامعة بين الكل؟ ولماذا إعادة استعراض هذه الحرب وما تحتويها من أحداث مؤلمة للجميع ‏لتعمل على تحريض الشباب الذين وُلِدُوا بعد الحرب من خلال زرع أفكار عدائية بين الطرفين تزرع ‏الحقد والكراهية بين اللبنانيين والفلسطينيين؟ مع العِلم أنَّ أحداث الفيلم لم تكن منصفةً في المسؤولية عن ‏الحرب، أي أنَّ المساحة لاستعراض وجهة النظر المسيحية وتأثيرات الحرب الأهلية عليهم كانت أكبر ‏بكثير من المساحة التي أُعطيَت للفلسطينيين للدفاع عن وجهة نظرهم، وأكثر من ذلك نسأل: ما هو ‏الهدف من خلال استحضار المعارك في الأردن بين الفدائيين والجيش الأردني في الوقت الذي أصبحت ‏الأردن هي البوابة الوحيدة لفلسطين، وفي الوقت الذي أصبح فيه الشعبان الأردني والفلسطيني شعبًا واحدًا؟! ‏لقد كان من الممكن أن يكون سياق الفيلم متوازناً بالمسؤولية عن الحرب لو لم ينتهِ الفيلم بعرض صُوَر وأحداث ‏معركة الدامور التي أطلقَ عليها الكاتب والمخرج اسم "مجزرة الدامور"، والتي تُظهِر في نهاية الفيلم بأنَّ الحقد ‏المسيحي على الفلسطينيين كان نتيجةً لمعركة الدامور. ولم يذكر الكاتب والمخرج ولو جملة واحدة عن مجازر المسلخ والكرنتينا والنبعة وبرج حمود وصولا الى تل الزعتر.‏

كأن الكاتب عاد ليذكرنا بمرحلة سودا نتمنى ان لا نبني عليها الا المحبة والسلام.

نضعُ كلَّ هذه الأسئلة في ذمّة الكاتب والمخرج، والهدف من استحضار هذه الحرب في هذا الوقت، مع العِلم أنَّ الفلسطينيين في لبنان في هذه المرحلة ليس لديهم سوى مشروع واحد ونهائي وهو العودة إلى ‏فلسطين.‏