خاص مجلة "القدس" العدد 340 اب 2017
تحقيق: وسام خليفة

ضمنَ السياسات المتواصلة للضغط على السلطة الفلسطينية، قدَّمت لجنة في "مجلس الشيوخ الأمريكي" اقتراحَ سنِّ قانونٍ لتقليص المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، كخطوةٍ عقابيّة ضد السلطة بسبب دفعها رواتب لعائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين. وبالتزامن مع موجة الاستياء والاستنكار التي عمّت المستويات الفلسطينية كافةً، برزت أيضًا مجموعةٌ من التساؤلات حول القانون، وموقف السلطة الفلسطينية منه، وتداعياته المتوقّعة في حال أُقرَّ كقانون نافذ، والتي عملت مجلّة "القدس" على الوقوف عليها باستطلاع أراء عددٍ من المعنيين.


التزام السلطة ثابت تجاه الأسرى والجرحى والشهداء
أثارت خطوةُ مجموعةٍ من السيناتورات في "مجلس الشيوخ الأمريكي" باقتراح سنِّ قانون "تايلور فورس" استنكارَ القيادة والشارع الفلسطيني، ذلك أنَّ القانون يستهدف أهالي الشهداء والأسرى والجرحى الفلسطينيين الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل الوطن.
وتعقيبًا على ذلك قال أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" ماجد الفتياني: "لقد رفضَ السيّد الرئيس أبو مازن، وكل مؤسّسات فلسطين، هذا التوجُّه الذي عمدت إليه إحدى لجان "الكونجرس" الأمريكي بضغط من اللوبي الصهيوني وحكومة نتنياهو، لوقف جميع المساعدات السنويّة المقدَّمة من الولايات المتحدة لفلسطين، وقد كان موقفنا واضح وصريح بأنَّ ما نُقدِّمه لأبناء شعبنا وأسرانا وجرحانا وذوي الشهداء هو حقٌّ لهم، فهُم فقدوا أفرادًا من أُسرتهم نتيجة الإرهاب الإسرائيلي والقتل الذي يرتكبونه، وهُم يستحقون منا الرعاية والحماية، ولا توجد دولة في العالم لا تقوم برعاية أبنائها وعائلات أبنائها لتوفير العيش الكريم لهُم كجزءٍ من المجتمع الفلسطيني، ونحن لن نوافق ولن نرضخ لابتزاز "الكونجرس" الأمريكي، أو لأيِّ جهة أخرى".
وأردف: "هناك ضغطٌ من اليمين الإسرائيلي يُمارَس من قِبَل حكومة نتنياهو على حكومة ترامب وعلى "الكونجرس" الأمريكي، والجميع يعلم قوّة تأثير  كيان الاحتلال على بعض جهات النفوذ في أمريكا، ومؤسّسات الإدارة الأمريكية. أمَّا بالنسبة لنا كقيادة فلسطينية، فنحن لا نتعاطى مع أي حدث سياسي من باب التشاؤم أو التفاؤل، وإنَّما نتَّخذ قراراتنا الوطنيّة استنادًا إلى طريقة تعامل أي إدارة أمريكية معنا من تقارب أو تباعد، وبما لا يمس سيادتنا على أرضنا الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967".
وحول الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية يقول الفتياني: "الموقف الأمريكي حاليًّا هو موقف متراجع عمَّا سمعناه من ترامب في بداية ولايته، ونعدُّه موقفًا مُنحازًا لإسرائيل، ويدعم الاحتلال، ونحن لن نقبل هذا الانحياز الدائم لحكومة إسرائيل وادِّعاءاتها الكاذبة. فإسرائيل تدفع رواتب لمَن يقتل أبناءنا وأطفالنا، لذلك لا يحق لأحد مناقشتنا في الموضوع، فنحن كسلطة فلسطينية مسؤولون ومطالَبون بحماية ودعم أهالي مَن ضحّوا بأنفسهم فداءً للوطن".

أداة ضغط جديدة على السلطة الفلسطينية
يرى الكاتب والمحلِّل السياسي حسن عبدالله أنَّ هناك محاولة للضغط على الأسرى وذويهم ضمن التوجهات الإسرائيلية، والتي تؤثِّر بها على الولايات المتحدة الأمريكية، بالتزامن مع الضغط الذي تحاول الحكومة الإسرائيلية ممارسته على السلطة الفلسطينية بواسطة الدول المانحة، والتهديد بتجفيف قنوات السلطة المالية.
ويُضيف: "أعتقدُ أنَّ الأمور مُتَّجهة نحو التضييق على السلطة وتحديدًا على "هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين"، ولكن الموقف الفلسطيني واضح وحاسم، ومفاده أنَّ هؤلاء الأسرى والشهداء أصحاب قضيّة عادلة يناضلون من أجل الحُرية، وهناك التزام تجاههم وتجاه أُسَرهم، وحتى اللحظة الموقف الفلسطيني تبلور في هذا الاتجاه، وفي حال تمَّ تجفيف بعض القنوات المالية، فلا أدري ما ستؤول إليه الأمور، وكيف ستفي السلطة -إذا ما دخلت في أزمة مالية- بالتزاماتها تجاه الأسرى وذويهم أو حتى الموظفين، لكن الثبات في الموقف مهم، والسلطة تساند أطفال وزوجات وعائلات الأسرى والشهداء، وهناك حاجات لهذه الأُسَر من الضروري توفيرها، وقد أكَّد رئيس "هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين" أنَّه رغم التضييق فإنَّ الالتزام تجاه هذه الأُسَر سيبقى قائمًا".
ويوضحُ عبدالله أنَّ "هدف قانون "تايلور فورس" هو جعل موضوع قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني رسميًّا، رغم أنَّ الولايات المتحدة قادرة على قطع المساعدات من دون قانون، ولكنَّها تريد أن يكون إجراء الإدارة الأمريكية مُستنِدًا إلى قرار من الكونجرس، هذا من الجانب العملي. ومن جهة ثانية، هناك هدف آخر، وهو الترويج للموضوع إعلاميًّا، لتقول للعالم إنَّ الفلسطينيين يدعمون الإرهابيين من أبناء شعبهم، وهو ما نرفضه رفضًا قاطعًا".
ويتابع: "صحيحٌ أنَّ ميزانية السلطة وأولويّاتها ستتأثَّر إذا طبَّقت أمريكا هذا القانون، وقطعت المساعدات، لكن برأيي هناك مصادر أخرى للتمويل، منها التمويل العربي الخليجي، وتمويل الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد الأوروبي لم يعلن موقفًا مُشابًها للموقف الأمريكي، ورغم ما يعتلي الساحة العربية من تناقضات، لكن الموقف الأمريكي لا يعني أنَّ السلطة ستنتهي، فالصعوبات موجودة دائمًا في وجه الفلسطينيين، لكنَّهم دائمًا يتغلَّبون عليها، والمسؤولية الفلسطينية تجاه ذوي الأسرى والشهداء ثابتة وواضحة على مستوى الموقف الرسمي والشعبي".
وعن التغيير الذي طرأ على تصريحات ترامب بخصوص القضيّة الفلسطينية، يقول عبدالله: "في بداية ولاية ترامب كانت هناك العديد من التصريحات الإيجابية التي غيَّرت المناخ السياسي، كوجود حلٍّ للقضية الفلسطينية بناءً على مبدأ الدولتين، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وكان هناك التزام أمريكي تجاه الحل، وبدا ذلك جليًّا من خلال التصريحات، ولكن ذلك توقَّف لاحقًا، وكأنَّ الأمر كان مجرد تصريحات فقط، وقد يرجع سبب ذلك إلى أنَّ إدارة ترامب تواجه حاليًّا أزمةً داخليّةً كبيرة، تتمثَّل باستقالات وإقالات في صفوف الإدارة، وهناك احتجاجات على ترامب وطريقة حكمه، وضغوط من الحزب الديمقراطي ترمي إلى إقالته أو استبداله، لذلك أعتقد أنَّ إدارة ترامب مُنشغِلة بقضاياها، وأزمتها الداخلية، وبعض المحللين الأمريكيين يرون أنَّ هذه الإدارة لن تستمر سوى بضعة أشهر أخرى، وبالتالي المسألة مرتبطةٌ الآن بالحراك الداخلي الأمريكي، أي أنَّ مستقبل ترامب بيد الشعب الأمريكي".

تطبيق القانون سيؤدي لتداعيات اقتصادية خطيرة
يرى المختص في الشؤون الاقتصادية د.هيثم دراغمة أنَّ سنَّ مشروع قانون "تايلور فورس" يُمثِّلُ سابقةً خطيرةً، كونه يأتي بتوصية من الحكومة الإسرائيلية لمعاقبة السلطة الفلسطينية ووقف المساعدات عنها، لدفعها رواتب للأسرى والشهداء والجرحى.
ويوضح د.دراغمة أنَّ تنفيذ القانون ستكون له تبعات اقتصادية عديدة، إذ يقول: "ما تُقدِّمه الولايات المتحدة الأمريكية من مساعداتٍ للسلطة الفلسطينية يأتي على شكل مشاريع للبنى التحتية، من شوارع وتمديد خطوط مياه وبناء وتأهيل مدارس ومستشفيات، حسب حاجة السلطة الفلسطينية أو حسب رؤية الولايات المتحدة وَفْقًا لمصادرها المتنوّعة التي تدرس الاحتياجات في فلسطين. وفي حال قطع المساعدات، فإن الجانب الخدماتي سيتأثَّر بشكل كبير، لا سيما أنَّنا سلطة فتيّة، ولم تعمل على بناء اقتصاد مستقل بعد، وهذا سيكون له مردود سلبي على الاقتصاد الفلسطيني".
ويُضيف: "هذا القانون بشقه الأكبر يُمثِّل عقابًا للسلطة الفلسطينية، بسبب جهودها السياسية والدبلوماسية مؤخرًّا، ولكن السلطة رغم ذلك لا تخشى أن يُعتمَد هذا القانون، وهي ماضية في معاركها الدبلوماسية والسياسية. صحيحٌ أنَّ الحلفاء الذين كسبتهم فلسطين مؤخَّرًا لا يُقدِّمون مساعداتٍ ماليّةً للسلطة، لكنّ هذه العلاقات الدبلوماسية أفادت فلسطين في التصويت لصالحها أكثر من مرة، وهذا ما جعل إسرائيل محتدَّةً أكثر تجاه السلطة الفلسطينية. ومن هنا تأتي الضغوط الاقتصادية، وهي نوعٌ من التكتيك الأمريكي الإسرائيلي، الذي يُستخدَم في كلِّ مرة تفشل فيها الولايات المتحدة في ثني القيادة الفلسطينية عن الإقدام على خطوة ما، عبر ابتزازها للتراجع عن بعض الخطوات، حتى ولو لم تكن جوهرية. وفي هذا الموقف ترى إسرائيل نفسها محاصَرة من قِبَل القيادة الفلسطينية، لذلك ذهبت إلى الملفات الثانوية".
ويؤكِّد د.دراغمة أنَّه ليس من حقِّ أي دولة أن تفرض على دولة أخرى كيفية صرف أموالها، حتى وإن كانت تُساعدها، حيثُ يقول: "إسرائيل تقوم بإعطاء رواتب ومستحقات للجنود الذين يقتلون أبناءنا ويعتقلونهم، ونحن لا يمكننا أن نمنعها من ذلك، وهذا تحديدًا ما يجب أن ينطبق علينا كفلسطينيين، فالشهيد والأسير الفلسطيني هو بمنزلة الجندي الفلسطيني، ومن حقِّه أن تُخصَّص له رواتب ومستحقات، وهذا شأن داخلي فلسطيني، ومَن يحق له أن يُشرِّع أو يلغي قانونًا لدفع المبالغ المالية لأُسَر الأسرى والشهداء والجرحى هو فقط السلطة، لأنَّها صاحبة الشأن والمسؤولة عن الشعب، لكن اعتماد السلطة الفلسطينية بنسبة كبيرة على دعم المساعدات الأمريكية سيُحدث أزمةً، لا سيما أنَّنا نعيش ركودًا وتراجعًا في السوق الفلسطيني، ونعاني من عدم الاكتفاء الذاتي، لأنَّنا لا نملك تنمية وموارد اقتصادية مُستدَامة، ولدينا مشكلات اقتصادية ومالية، وحتى اللحظة لم نتوصّل للاستقلال الاقتصادي عن المساعدات الخارجيّة".
ويردف: "يرد على لسان مسؤولين فلسطينيين في الشأن المالي كلامٌ عن وجود تهُّرب ضريبي يصل إلى 40%، ما يؤدّي لنقص في الميزانية يعادل قيمة المساعدات، وبالتالي على السلطة  تحسين الوضع الاقتصادي عبر الاعتماد على الذات ومعالجة التهرب الضريبي، والبحث عن بدائل، ومصادر تمويل من دول أخرى، ممَّا سيُجنِّبها الخضوع لأي ابتزاز أمريكي وإسرائيلي، لا سيما أنَّنا ضمن الظروف الحالية نحتاج للمساعدات الأمريكية والعالمية والعربية، وحين ستنقطع هذه المساعدات ستعيش الأراضي الفلسطينية حالةً من الركود غير المسبوق، وقد تمتدُّ تبِعات القانون للجانب السياسي، وهنا ينبغي على الدبلوماسية العربية الوقوف في وجه أي إجراء من هذا القبيل سواء أكان من طرف الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى".
إلّا أنَّ د.دراغمة في الوقت ذاته ينوِّه إلى أنَّ سنَّ مشروع القانون لا يعني بالضرورة جعله نافذًا، ويوضح ذلك قائلاً: "الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في أن تكون السلطة الفلسطينية هزيلةً اقتصاديًّا، هي لا تريدنا أن نشبع، ولكنَّها في الوقت ذاته لا تريد لنا أن نموت جوعًا، فمصلحتها تقتضي أن تجعل وضع السلطة غير مستقر، ولكن من دون خروج الأمر عن سيطرتها، لذا تحاول تقديم الخدمات بحدٍّ أدنى للشعب الفلسطيني كي لا ينفجر الوضع في وجه الاحتلال بصورة يصعب السيطرة عليها، وهي نفسها رؤية قيادة الجيش الإسرائيلي، التي كانت تطلب من المستوى السياسي الإسرائيلي في كثير من الأحيان عدم حجب أموال المقاصة، فسوء الوضع الاقتصادي عند الفلسطينيين سيقود لانتفاضة ويُفجِّر الأوضاع، وهذا سيُدخل الولايات المتحدة حليفة إسرائيل في نفق مظلم، وبالتالي لن تؤول الأمور لمصلحتها. لذا أرى أنَّ هذا القانون هو مجرد حبر على ورق، وُضِعَ للضغط على السلطة الفلسطينية. فأمريكا بمقدورها قطع المساعدات من دون وجود قانون يُشرِّع ذلك، وفي كثير من الأحيان كانت تعمد لحجز أموال السلطة الفلسطينية لفترات طويلة من دون سن قانون".
ويختم بالقول: "ما يحدث حاليًّا هو تكتيك ضغط على السلطة، الآن يستهدفون الأسرى والشهداء، وغدًا لا نعلم مَن سيكون هدفهم، وهذا ما يقودنا لأهمية الدور العربي في هذا الشأن، للتأكيد على أنَّ دفع رواتب الأسرى والشهداء هو شأن فلسطيني داخلي، وأنَّ الشعب الفلسطيني بكل أطيافه مسؤول من قِبَل السلطة الفلسطينية صحيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا وعلى المستويات كافةً".