خاص مجلة "القدس" العدد 340 اب 2017
  تحقيق:  وليد درباس

  تُؤدِّي برامج الأنشطة الصيفية دورًا مُهمًّا في العملية التنموية المجتمعية، لا يقل عن أهمية البرامج الرسمية. لذا ترصد الدول المتحضِّرة لهذه البرامج ما يلزم من إمكانيات ورعاية لتحقيق جُملة من الأهداف على رأسها التوعية والتثقيف، وبناء الشخصية، والتدريب على تحمُّل المسؤولية، وتنمية المهارات، وتعزيز الانتماء الوطني، والحماية من سلبيات الفراغ. ورغم أنَّ خصوصية اللجوء الفلسطيني في لبنان، وداخل مخيّمات البؤس تحديدًا، تحولُ دون تمتُّع هذه البرامج بذات المستوى من المزايا التي تُوفِّرها الدول ذات السيادة، لكـن الفلسطينيين لا يستسلمون، وإنَّما ينصرفون بمكوّناتـهم الرسمية والمجتمعية للعمل وفـق المتاح.

مركز "هـدى شعلان" للتدعيم
يحملُ النشاط الصيفي في مركز الشهيدة "هدى شعلان"، التابع للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية – فرع لبنان، في مخيّم عين الحلوة سمةَ التدعيم اللامنهجي، ووفـق تنويه مسؤولـة المركز "هدى سليمان" يعتمـدُ النشاط على اللعب كمدخل ومنهج أساسي، بهدف إخراج المنضوين فيه من دائرة التعليم المدرسـي ومفرداته من فروض، وحفـظ، وواجبات، الـخ، موضحةً أنَّ ذلك يُضفي أريحية ومرونة على النشاط،   ويصبح الطالب المنضوي في النشاط إيّاه أشدَّ تفاعلاً وحماسـةً.
وتضيف: "تختار المعلّمات أو المشرفات التربويات الأساليب التحفيزية المناسبة، وعادةً ما تكون متنوّعة، ترفيهية – تربوية تُنَمّي مداركَهم وتُعـزِّز قدراتهم، وبفعلها يتمكَّن المركز من تأمين مساحات آمنـة للمنضوين بنشاطاته، فتتوفَّر لهم فُرَص الترويح عن ذاتهم، وتفريغ شحناتهم بعـد أن ضاقت بهم أزقّـة عين الحلوة من جهـة، علاوةً على ما يتعرَّض له الأطفال جرّاء عـدم توفر مناخات الأمـن والاستقرار في المخيّم من جهة ثانية".
وتتعدَّد النشاطات الهادفـة لدى روضة "هدى شعلان"، ففي الجانب التربوي، تعتمدُ المربيّات، بسبب ضعف تحصيل الطلاب في مادة اللغة الإنكليزية، طريقة تمكين الطلاب من أحرف الكلمة المبعثَرة، حيثُ يتمُّ التركيز على التعريف بالأحرف المكوِّنة للكلمة، وباستخدام "لعبة سلّة الكرات" يُدفَـع الطالب لانتقاء الكرات التي تحمل حروف الكلمة إيّاها وجمعها، وهكذا دواليك... الـخ، وتترافق العملية التربوية مقرونة بتوجيهات المشرفات التربويات بتمكين الطلبة المنضوين من النطق السوي والسليم للحرف والشيء ذاته مع الكلمة.
ومن ناحية تعزيز القدرات، تُدرجُ سليمان تقنية "إعادة التدوير" بذات السياق، وعطفًا عليه فإنَّ نشاط الأشغال اليدوية في المركز يعتمدُ على سياسـة (كل الشغـلات اللي بنشتريها مـا بنرميهـا)، كقوارير المياه والمرطبات، وعلب الشوكولا، والكرتون، وورق الهدايا الملوَّن، الخ، بحيثُ يتم تحويل هذه الأشياء إلى أعمال جميلة ومُفيدة تتوافق وهوايات مُنفِّذيها من المنضوين في النشاط، والهـدف مّما سبق وفق سليمان هو "تعويد الأولاد على عـدم رمي الأشياء في بيوتهم، وبهذا يبدؤون بالتفكير في كيفية الاستفادة من هذه الأشياء بدل رميها"، وتضيف: "خلال النشاطات وبحكم الخبرة والاهتمام ترصد المربّيات حركات وتصرفات المشاركين وبحال اكتشفت إعاقة مـا -(نطقية، صحية، تربوية، نفسية، ...)- عند أيٍّ منهم، تقوم بالتواصل مع عيادات "الأونروا" أو مع الأخصائيّات في مركز الاستماع، وبذات الوقت يتم التواصل مع الأهل، بهدف تشخيص ماهيّة الحالة من جهة، وتزويد الأهل بالإرشادات المناسبة من جهة ثانية، وذلك من خلال مركز الاستماع الذي يضم إخصائيات في النطق، والسمع، والعلم النفسي-التربوي، وغيره.
كما يُنفِّذ مركـز "هـدى شعـلان" نشاطه الصيفي بدعـم وتنسيـق وشراكة مع منظمة "اليونيسيف"، على مدى شهرين، وهو يستهدفُ 72 مُشاركًا موزَّعين ما بين أعضاء في برنامج المركز الاعتيادي، والمجتمع المحلي (تلاميذ مدارس "الأونروا"، مُهجَّرين من مخيّمات سوريا في عين الحلوة،...)، ويُعدُّ التزام المشاركين بالحضور والمشاركة في النشاطات يوميًّا من العاشرة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا، وَفْقَ حديث سليمان مؤشّرًا ودلالة لتوقِ المنضوين للنشاط، واندماجهم مع المجموعة، وتفاعلهم الملحوظ، وحُبِّهم للمشرفات.
ويختتـمُ النشاط أعماله بتقديم فلمين وثائقيّين عن نشاطين. الأول: تُعدِّهُ معلّمة مع مجموعة من طلبتها، وهو ذو طبيعة بيئيـة، والثاني: تُعدِّه معلّمة أخرى ومجموعة من المنضوين، وهو ذو صِلةٍ بأحـد الصعوبات التعليمية، بحيث يتم عرض الفيلمَين في الغرف الصفية أمام عامّةً المنضوين، وتقديم ما يلزم من شرح وتوضيح والرد على تساؤلات الحضور، على أن تُتـوَّج نشاطات المركز الصيفية والاعتيادية كافـةً بمهرجان نهاية العام الـدراسـي.

"مركـز أطفال العدالـة"
سُمّيَ بهذا الاسم ارتباطًا بواقع المعاناة وحقِّ الطفل الفلسطيني في العيش بأمـان وسـلام، ويُعدُّ من بواكير العمل المؤسّساتي في تجمُّع القاسمية في الشريط الساحلي لمنطقة صور. تأسَّس المركز في العام 1998 بقرار حركي، وحيثُ أنَّ العدالة تقتضي صونَ حقِّ الطفل في تأسيس المستقبل الواعـد، تقـرَّر تأسيس جمعية "شباب المستقبل" في القاسمية أيضًا، ومن بدايات متواضعة تمَّ الانتقال إلى مراتب واعدة، "بفعل الجدية والمراكمة"، وفق حديث مدير مركز "أطفال العدالة" وجمعية "شباب المستقبل" الأستاذ "حسين زيدان". وحول طبيعة عمل المركزين وأنشطتهما يقول زيدان: "يُشارك نحو 150 طفلاً في أجندة ونشاطات المركزين، تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 12 عامًا، وتُشرِف عليهم سبع معلّمات مؤهّلات علميًّا، وخضعن لعدة دورات في "المهارات الحياتية"، علمًا أنهنَّ يعملن بصفة متطوّعات، إذ تتقاضى المشرفة حافزًا ماليًّا شهريًّا كنايةً عن بدل مواصلات ولزوم العمل 100,000 ل.ل. بعد أن توقَّف المموِّل عن مساعدته التي كانت تبلغ 200,000 ل.ل لكلِّ منهن. وهذا العام نظّمنا نشاطًا صيفيًّا استهدف المنضوين بالمركزين، مدته 25 يومًا، وتضمَّن نشاطاتٍ اجتماعيةً، ووطنيةً، وترفيهيةً، تحت عناوين مختلفة، ومنها على سبيل الذكر: (اعرف وطنك، واعرف بلدتك، والنشيد الوطني، ودبكات من الفولكلور التراثي، وغيرها)، بالإضافة إلى زياراتٍ لعوائل من أهالي المخيم، يحثّون الناس على زراعة الزيتون حيثُ أمكن لرمزيّته الوطنية، ويعدون جلساتِ حكايا وانصات لكبار السن، وأنشطة أشغال يدوية، علاوةً على نشاط مسرحي بعنوان "المنبر الحـر"، إذ لبعض المشرفات خبرة بهذا الشأن". ووفـق تنويه الأستاذ زيدان يُساعد العمل المسرحي على تنمية شخصية وقدرات الأطفال، وتحفيز المشاركين، ووفق المُتاح يتم تقديم "سكتشات" حول معاناة اللجوء، وعطفًا عليه يستذكر دور الدعم المالي لإحدى الجهات المانحة في إحدى المرات ممّا مكَّن الأطفال من إعداد "سكتش" عـن العنف المجتمعي، وآخر عن مضار التدخين، موثّقين بشريطي فيديو.
ويختـم زيدان كلامه بلفت انتباه المعنيين لأهمية وضرورة بذل المزيد من الرعاية والاهتمام، ورصد الإمكانيات اللازمة لتطوير العمل المؤسّساتي المجتمعي، ويخصُّ بالشكر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية لما "يُبديه من تشجيع واهتمام بالنشاطات المجتمعية، وخاصّةً ذات الصلة بالأطفال، ولوقوفه ومساندته لنا حيث أمكن".
مخيَّم "الأقصى" الشبابي
مخيَّم شبابي وكشفي فلسطيني، تستهدف أجندته التعاطي مع نحو 500 فلسطيني وفلسطينية على صعيد مخيَّمات منطقة صور، وهُم من فئات الطلاب، والشباب، والكشافة، والأندية، وَفْقَ حديث المشرف على المخيَّم مسؤول المعسكرات الشبابية في منطقة صور "نادر سعيـد"، الذي يوضح أيضًا أنَّ هذه المخيَّمات تأتي ترجمةً لأجندة "المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني"، وعمـلاً بقرار رئيسه اللواء جبريل الرجوب.
يُقام المخيَّم بالتعاون مع "جمعية الصداقة اللبنانية الفلسطينية" في مدرسة بلدة "طير دبا" الرسمية في ضواحي منطقة صور، مدّتـه سبعة أيام موزَّعة وَفْقَ برنامج خاصٍّ مؤهَّل لاستيعاب واستفادة الكم الكبير من المستهدفَين، على أن تُعفَى الفتيات المشاركات من المبيت في المخيّم.
ويُكمل سعيد: "يتضمَّن برنامج المخيّم نشاطاتٍ متنوّعة ومنها: تنمية القدرات، وتقنية التخطيط، ودورات للطلائع والأشبال، ورحلات، ومسابقات رياضية، وسهرات سمر وترفيه، وسلوكيات وقواعـد ونُظُم كشفية، خاصّةً بعد أن حصلت فلسطين على العضوية في المنظمة الكشفية العالمية، إلى جانب التعبئة والتوعية، والتثقيف الوطني والسياسي والصحي، ويحاضر فيها ذوو اختصاص وقادة فلسطينيون، وبالتعاون مع "جمعية الصداقة اللبنانية الفلسطينية" تُقام حلقات ولقاءات حـوارية مشتركة بين شباب لبنانيين وفلسطينيين، وزيارات لأهالي بلدة طير دبا، وغيرها من الأنشطة".
ويوضحُ المشرف نادر سعيد، وبصفته عضوًا في اللجنة العُليا للمعسكرات الشبابية في لبنان، أنَّ قرار "المجلس الأعلى للشباب والرياضة" قضى بإقامـة المخيَّمات الشبابية الفلسطينية هذا الصيف في المناطق الخمسة في لبنان (الشمال، بيروت، البقاع، صيدا، صور) على أن تُتوَّج المخيّمات بحفل عام ويحضره اللواء الرجوب.
ويختـم سعيد حديثه بتوجيه خالص الشكر والتقدير لكلٍّ من "جمعية الصداقة اللبنانية الفلسطينية" ومديرها "عبد فقيه"، ومدير مدرسة "طيردبا" الأستاذ "محمد فقيه"، لمؤازرتهما وتفاعلهما مع المرجعيات التربوية المعنية للموافقة على إقامـة المخيّم.

"جمعية الصداقة اللبنانية الفلسطينية"
جمعيةٌ ثقافيةٌ اجتماعيةٌ، ووفق حديث مديرها "عبد فقيه" تتضمَّن أجندتها نشاطاتٍ كشفية ورياضية، وتعمل وَفْقَ سياسـة دمـجِ الطفل اللبناني مع الطفل الفلسطيني من خلال نشاطات وفعاليات تعارفية ترفيهية مشتركة. ويُدرِج فقيـه زيارة المنضوين في جمعيّته من شبّان وشابّات وأهالي البلدة إلى المخيّم الكشفي بذات السياق، ويرى فيها امتدادًا لأواصر العلاقة التاريخية بين فلسطين ولبنان، حيثُ تلاقى جبل عامل مع الجليل، وتعزَّزت العلاقة بالمصاهرة والنسب المشترك، مُضيفًا: "مصيرنا المشترك واحد وتعمَّد بالـدم، وبلـدة طيردبا تحتضن جثامين شـهداء قضوا على درب الثورة وفي سبيل فلسطين".

شكر وتقدير من المشاركين في النشاطات
يُشارك كلٌّ من رماح، وعلي، وحنان، ورغـد في النشاطات الصيفية، والارتياح العام لماهية النشاطات هو لسانُ حال عموم المشاركين. فالمشارِكة "رماح عليان" (9 سنوات) من منطقة البركسات في مخيّم عين الحلوة، حازت على تقدير امتياز في برنامج التدعيم الدراسي لمركز "هدى شعلان" في المخيَّم، حيثُ وجدت فسحةً للعب والمرح والترفيه عن الذات وبمشاركة المجموعة، بعد أن ضاقت أزقّة البركسات بساكنيها، حيثُ تقول: "إحنا بالبركسات محرومين من اللعب، ما في عنا محلات، أكثر شي بحبه لعبة طاق طاق طاقية". من جهته، يُشيد المشارك "علي خلف" (12 عامًا) من تجمُّع القاسمية، وهو في الصف السادس الابتدائي، بالمعلّمات والمشرفات على الأنشطة، ويشير إلى أنَّ النشاط المفضَّل لديه في مركز "أطفال العدالة" و"جمعية المستقبل" هو نشاط التدعيم الدراسي اللامنهجي". أمَّا الكشفيّتان "حنان دبـور" من مخيم الرشيدية و"رغـد محمود" من صور، لفتتُهما مساواة المدرّبين بين المشاركين والمشاركات في المخيَّم الشبابي، حيثُ يُخضَع الطرفان لذات التدريبات والتطبيقات والألعاب، مؤكِّدتَين أنَّ النشاط الجماعي إن كان تدريبًا أو محاضرة أو ترفيهًا فيه تواصل وتعارف ما يُسهِم في نشر الأُلفة والمودة بين المشاركين، متوجِّهتين بالشكر للمدربين وللمشرفين وللمحاضرين لدورهم وتعبهم، وآملتَين أن تُنظَّم المخيَّمات الصيفية المقبلة في الأمكنة المعدَّة والمخصَّصة أساسًا لذلك.