خاص مجلة "القدس" العدد 340 اب 2017
حوار: د.سامي إبراهيم

تُؤدِّي اللّجان الشعبية الفلسطينية دورًا خِدماتيًا بالغَ الأهمية لتحسين الواقع الحياتي للاجئين الفلسطينيين، وإدارة حياتهم اليومية في المخيّمات والتجمُّعات الفلسطينية في لبنان. ورغم محدودية الإمكانيات والدعم المادي، إلّا أنَّ اللجان الشعبية تضعُ جُلَّ إمكانيّاتها وجهودها في خِدمة الأهالي. وللاطلاع على مدى تطوُّر عمل اللّجان الشعبية وما حقَّقته من إنجازات، وما يعترض عملَها من عراقيل التقت مجلّة "القدس" أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان أبو إياد الشعلان، فكان هذا الحوار.


ما هي طبيعة عمل اللّجان الشعبية؟
تأسَّست اللجان الشعبية من خلال قرار "المجلس الوطني الفلسطيني"، بهدف أن تكون بوابة المخيّمات، لإنعاش المخيّمات اقتصاديًّا وخدماتيًّا، وللتعاون مع المؤسسات المحلية والدولية العاملة داخل المخيّمات.
 وقد مرَّت اللجان الشعبية بكثير من المراحل، وكانت مرتبطةً ارتباطًا مُباشرًا بما كانت تواجهه "م.ت.ف"، وخاصّةً الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، مرورًا بالخروج من لبنان، وعودة "م.ت.ف" إلى لبنان.
وفي العام 2006 أُعيدَ تشكيلُ اللجان الشعبية وتفعيلها في مختلف المخيّمات الفلسطينية في لبنان، وتمَّ تطوير عملها بحيث أصبحت تُغطّي التجمّعات الفلسطينية على اعتبار أنَّ هذه التجمّعات في أَمَسِّ الحاجة إلى المساعدة بسبب عدم تقديم "الأونروا" بعض الخدمات لها.
إلى أيِّ مدى تطوَّر عملُ اللجان الشعبية في السنوات الأخيرة؟
يُمكن القول إنَّ التطور الحاصل على مستوى الكادر البشري ومركزيّة القرار أثناء الأزمات هو أهمُّ تطوّرٍ حَصَلَ على مستوى عمل اللجان الشعبية. أضف إلى ذلك، أنَّ اللجان الشعبية استطاعت أن تُطوّر علاقاتها بالمؤسسات الدولية العاملة في المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية بحيث أصبحت هذه المنظّمات تُغطّي مشاريع البنى التحتية في التجمُّعات الفلسطينية، وفي بعض الأحيان تُنفِّذ بعض المشاريع في المخيّمات الفلسطينية.
وفي السابق، لم تكن هذه المؤسّسات تُقدِّم أيَّ شيءٍ للتجمّعات بسبب فُقدان الجهة الموثوقة لديها للعمل في المخيّمات والتجمّعات، ولكن مع تطور العلاقات بينها وبين اللجان الشعبية استطعنا أن نبني جسوراً من الثقة، ونُهيِّئ لأرضيّة من العمل المشترَك.


ما هي أهمُّ الإنجازات التي حقَّقتها اللجان الشعبية في السنوات الأخيرة؟
نعتبرُ أنَّ أهمَّ إنجازٍ تحقَّق في السنوات الأخيرة هو الإنجاز الذي حقَّقناهُ في مخيَّم عين الحلوة، إذ استطعنا أن نجد قطعةَ أرضٍ لدفن الموتى بعدما ضاقت جميع السُّبُل بأهالي مخيَّم عين الحلوة لدفن موتاهم. وتمكَّنا من خلال الهِبة المقدَّمة من دولة الرئيس محمود عبّاس، ومن خلال حملة التبرعات التي نفَّذناها، من جمعِ نحو مليون دولار خلال شهر لشراء قطعة الأرض هذه، ممّا أوجدَ حالةً من الارتياح لدى اللاجئين في مخيَّم عين الحلوة.
أمَّا على مستوى البنى التحتية في جميع المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية، فقد حقَّقنا عددًا كبيرًا من الإنجازات، وكان الإنجاز الأكبر أيضًا في مخيَّم عين الحلوة، إذ استطعنا تغيير شبكة الكهرباء المهترئة، وذلك بالشراكة مع الصليب الأحمر الدولي. بالإضافة إلى مشاريع في مخيّمات الشمال منها شقّ الطرقات واستصلاحها خاصّةً في مخيَّم نهر البارد. وكانت لمخيّمات بيروت والتجمّعات في الجنوب حصةٌ كبيرةٌ من عمليات الترميم، واستصلاح شبكات الكهرباء والمياه.
باختصار، كلَّ يوم ننُجِز أمرًا جديداً، ولكنَّنا لا نعدُّه إنجازاً، إنَّما هو أقلُّ ما يُمكن تقديمه لأهلنا في المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية.


هل هناك شروط تضعها المنظّمات الدولية للعمل والشراكة معكم؟
بصراحة، نحن نفضِّل أن تكون هناك مؤسّسة وطنية داعمة تُمكِّن اللجان الشعبية من تنفيذ مشاريع داخل المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية، وقد طالبنا بذلك، لئلا نكون مجرَّد شركاء مع المؤسّسات الدولية من دون أن نكون شركاء بالقرار، أو على الأقل أن نضع ملاحظاتنا على مواصفات المشروع الـمُقرَّر تنفيذه.
وبالتالي، قبل البدء بأيِّ نوع من الشراكة، فإنَّنا كلجان شعبية نستقصي عن طبيعة عمل هذه المنظَّمات، وإن كانت لديها مطالب غير تلك المعلَن عنها، فإنَّنا بطبيعة الحال نرفضُ العمل معها، ولكن إذا توافقنا على رؤية مشتركة، فإنَّنا كلجان شعبية نمدُّ جسور التواصل معهم.
ولكن من المهم أن نؤكِّد أنَّ هذه المؤسسات لا تُعطينا أيّ أموال، وتقتصر علاقتنا بهم على تقديم المشاريع من ناحيتنا، في حين تقوم المؤسّسات الدولية بتنفيذه عبر إرسال ممثّليها ومهندسيها.


بما أنَّنا في صدد الحديث عن الثّقة، إلى أيِّ مدى هناك ثقة بين اللجان الشعبية وسكان المخيّمات؟
اللاجئ الفلسطيني بحاجةٍ إلى كلِّ ما يساعده على مواجهة تحديات الحياة، وهذه الحاجة نابعةٌ من المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان، وقد أدّى غياب الإمكانيات لدى اللجان الشعبية في السابق إلى حالة من عدم الثقة بين اللاجئ واللجان الشعبية. لكن في المرحلة الراهنة – ورغم أنَّ إمكاناتنا تكاد تكون معدومة-  إلا أنَّنا استطعنا من خلال العلاقة مع المؤسسات الدولية أن نغطّي جزءًا من احتياجات اللاجئين في لبنان، وهذا ما أعاد الثقة بيننا وبينهم.

ما هي طبيعة العلاقة اليوم بين اللجان الشعبية التابعة لـ"م.ت.ف" وتلك التابعة لقوى التحالف؟
تختلفُ هذه العلاقة بين منطقة وأخرى. فعلى سبيل المثال، في منطقة الشمال هناك تحالف لجان شعبية، وهذا يُسهِّل تنفيذ أيِّ مشروع. أمَّا في منطقة بيروت، فهناك اجتماعات ولقاءات بين الأطراف كافةً أثناء تنفيذ أي مشروع، لكن هناك عددٌ من القضايا التي لا نُنسِّق فيها مع اللجان الشعبية التابعة للتحالف، كتوزيع المساعدات على المستفيدين، إلّا أنّها لا تُؤثِّر بطبيعة الحال على العلاقة مع لجان التحالف. وبالنسبة لمنطقة صور، هناك لجان أهلية وليست شعبية، ومع ذلك يوجد تنسيقٌ بين الطرفين.
وهنا لا بدَّ أن نؤكِّد أنَّه في حالة الأزمات الكبيرة، يجري تنسيق والتزام تامٌّ بقرارات القيادة الفلسطينية. فمثلاً عندما بدأت أزمة "الأونروا"، أُنشِئت خلية أزمة ضمَّت جميع الفصائل الفلسطينية، وهذه الخلية كانت تُدير الأزمة مع "الأونروا"، وكانت قراراتها مُلزِمةً لجميع الأطراف.


يتَّهمُ البعض اللّجان الشعبية التابعة للتحالف أنَّ همَّها الأول والأخير هو الحصول على بعض المكتسبات في أي مشروع يُنفَّذ في المخيّمات الفلسطينية، ما رأيك بذلك؟
في الحقيقة نحنُ لدينا بعض الملاحظات على اللجان الشعبية التابعة للتحالف التي تدير شبكة الكهرباء في مخيَّم برج البراجنة، وهذه الملاحظات تطفو إلى السطح عندما تطرأ الأعطال على شبكة الكهرباء، فقد استوجب الأمر تدخَّلنا والتواصل مع المؤسسات الدولية ولجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني لإقناع شركة كهرباء لبنان بتنفيذ مشاريعها، وإعادة تأهيل الشبكة.


كيف تنظرون إلى العلاقة مع "الأونروا"؟ وإلى أيِّ مدى تطوَّرت هذه العلاقة؟
على مستوى المناطق العلاقة جيّدة، وهناك تواصلٌ شبه يوميٍّ بين اللجان الشعبية ومدراء المناطق في "الأونروا"، وأيُّ قضيةٍ نُواجهها نحاول إيجاد حلول لها. ولكن لا يخفى أنَّ هناك بعض المشاكل التي يفوق حلّها قدرة مدراء المناطق في "الأونروا"، وتستوجِب إمكاناتٍ ماليّة، وكما يعلم الجميع أنَّ "الأونروا" تعاني من أزمة ماليّة الأمر الذي ينعكس سلبًا على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ونحن طالبنا مرارًا أن يكون هناك صندوقٌ في الأمم المتحدة يُغطّي احتياجات "الأونروا"، وأن لا يكون الاعتماد على المتبرّعين الذين يُقدِّمون تبرُّعاتهم بناءً على المواقف السياسية.


كيف يؤثِّر التغيير المستمر في رئاسة "الأونروا" في لبنان على العلاقة مع اللجان الشعبية؟
ممَّا لا شك فيه أنَّ التغيير المستمر في رئاسة "الأونروا" يؤثِّر بشكل أو بآخر على طبيعة العلاقة مع "الأونروا"، لأنَّ المشكلة الأساسية هي غياب التنسيق بين المدراء السابقين والحاليين.  ونحن  كلجان شعبية نُؤكِّد دائمًا ضرورة التنسيق بين اللّجان الشعبية ومدراء "الأونروا" لما فيه من مصلحة للشعب الفلسطيني، ولكنَّ الوعود التي نسمعها من الجميع هي وعود فارغة طالما أنَّ موازنة "الأونروا" تخضع لأهواء المتبرّعين.

أشادت "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" بدور اللجان الشعبية في المخيّمات، فكيف تنظرون إلى ذلك؟
لقد دعت لجنة الحوار إلى تمتين وتمكين اللجان الشعبية داخل المخيّمات لتأخذَ دورها كبلديات داخل المخيّمات، مما يُؤسِّس للاعتراف الرسمي مستقبلاً باللجان الشعبية، وهو ما سيُسهِّل عملَ اللجان الشعبية وتعاونها مع البلديات اللبنانية.

انطلقت عملية إحصاء للفلسطينيين في لبنان، فما هي أهميته؟ وما هو دوركم فيه؟
قبل بدء الإحصاء التقينا كفصائل مع رئيس "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" الوزير السابق حسن منيمنة، وطرحَ أهميّة هذا الإحصاء لمعرفة العدد الحقيقي للاجئين في لبنان خاصّةً أنَّ الأرقام متضاربةٌ بشأن الوجود الفلسطيني على الأراضي اللبنانية. ومن هنا بدأت فكرة الإحصاء، حتى نتمكَّن من تحديد العدد الصحيح للفلسطينيين في لبنان، بالإضافة إلى تصنيف الفلسطينيين في لبنان من حيث الجنس، والعمر، والمهنة، وغيرها.
وقد التقت جميع الفصائل واللجان الشعبية بالوزير منيمنة، ولم يُبدِ أيُّ فصيل معارضته للفكرة، وبذلك أصبحت مهمّتنا تسهيل عمل لجان الإحصاء العاملة في مختلف المخيّمات والتجمعات الفلسطينية، وهي طواقم مدرَّبة وخضعت لدورات مُكثّفة، وقد انطلقت عمليّة الإحصاء على مرحلتين، الأولى تعداد المساكن، والثانية التعداد الفردي.


هل اعترضت أية عقبات عملية الإحصاء؟
لا نُخفي أنَّ هناك بعض العقبات التي نواجهها في عملية الإحصاء، ولكنَّنا اتّفقنا على تأجيل البحث في هذه العقبات، ومحاولة تذليلها فيما بعد. فعلى سبيل المثال منطقة "الطوارئ"في عين الحلوة، مُنعَت فيها الكوادر العاملة من إجراء الإحصاء، ومن المعروف أنَّ "الطوارئ" هي منطقة متداخِلة سُكانيًّا، ولا تخضع لسلطة الفصائل أو الدولة اللبنانية، لذلك تمَّ الاتفاق على إجراء الإحصاء فيها عندما تتهيَّأ الظروف المناسبة لذلك.

هل هناك رقابة على عمل لجان الإحصاء؟
هناك رقابة مركزية على عمل لجان الإحصاء، ومن المستحيل اتّباع طرق ملتوية لأنَّ الرقابة ستكتشف أيَّ تلاعب من قِبَل اللجان العاملة على الأرض. ونحن اطَّلعنا على الآليات المتَّبعة في لجنة الإحصاء اللبناني- الفلسطيني.