ما زالت آثار الجرح الذي سببه زلزال 1927، في قدم السيدة المعمرة أم طارق الطيف من نابلس شاهدا على ما خلفه الزلزال من دمار وضحايا واصابات.

ففي كل مرة يسأل الأحفاد عن سبب هذا الجرح، تروي أم طارق قصة الزلزال بأسى.

وكما يسأل الأحفاد عن سبب الجرح، يسأل كل من يمر بجانب "قصر عبده" في حارة الشيخ مسلم داخل البلدة القديمة في نابلس، والمهدمة أجزاء منه بفعل الزلزال، ولم ترمم إلى الآن عن سبب الهدم، لتبقى شاهدة هي أيضا على آثار الزلزال.

فآثار الجرح في قدم المعمرة، وبقايا الهدم للقصر ما زالا شاهدين على زلزال مضى على حدوثه 90 عاما، وكانت آثاره مدمرة، ورسخت في ذاكرة المدينة التي تضررت أكثر من غيرها.

وتروي أم طارق التي كانت في الرابعة من عمرها ما حدث قائلة، كل ما أذكره أنه وفترة حدوث الزلزال كنا نلعب أنا وأختي، فركضت أمي باتجاهنا وحملتنا، حملت شقيقتي على صدرها بينما أنا تحت أبطها، وركضت فينا هربا، وخلال مرورها من أحد الأزقة، سقطت احدى الحجارة على قدمي وأصابتها.

وتضيف: أذكر أن أمي لم تنتبه لإصابتي رغم بكائي الا عندما وصلت بنا مكانا آمنا، من كثرة أصوات الصراخ حولنا.

وتصف المعمرة أم اسحق "شلبية" مفرج تفاصيل الزلزال، الذي راح ضحيته نحو 70 شخصا من المدينة، قائلة إنه "كان في فترة ما بعد الظهر، خلال تحضير والدتي الشاي عندما سمعنا أصواتا وكأنها أصوات رعد، لكن كنا في فصل الصيف".

وتضيف: سمعنا بعدها الصراخ من جميع الجهات، كانت احدى الجارات تجلس في منزلنا وابنتها الصغيرة على حضنها، صرخت بصوت عالٍ بعد أن اهتزت كل أرجاء المنزل بنا، وابنتها أصيبت بالحول بعينيها نتيجة ذلك، وهربنا جميعا من المنزل.

وتضيف مفرج: أذكر أن الجميع كان يصرخ ويركض هربا، كما أذكر أن أحدهم ويدعى سليم قتل، وهو يحاول انقاذ احدى الفتيات، وهي نجت.

وتضيف ام اسحق: لم ننم في المنزل ليالي عدة خوفا من زلزال آخر يودي بحياتنا، حيث أصيبت جدران المنزل بتصدعات عدة، عشنا خوفا ورعبا لتكرار الزلزال مرة أخرى، وبعد أيام رحلنا من نابلس الى مدينة السلط، واستقررنا هناك.

وحسب بعض دراسات الماجستير التي اعتمدت مصادر مختلفة، فإن زلزال عام 1927 ألحق أضرارا في بعض المدن والقرى في فلسطين وشرق الأردن، وبلغت نسبة الضحايا حينها حسب الدراسات 200 قتيل في فلسطين، و731 جريحا منهم 356 كانت جروحهم خطيرة، وتضرر 1000 منزل.

وفي شرق الأردن سجل 68 قتيلا و102 جريح.

وكانت نابلس هي المدينة الأكثر تضررا حيث وصل عدد القتلى نحو 70 والجرحى 365، وبلغت عدد الغرف المتضررة 1481، منها 172 غرفة هدمها الزلزال كليا، ووصلت خسائر نابلس 400 الف جنيه.

وبلغ عدد العائلات المنكوبة في نابلس حوالي 500 عائلة، وكانت أكبر المشاكل التي اعترضت المنكوبين توفير منازل يأوون إليها.

من جهته، قال مدير مركز رصد الزلازل وعلوم الأرض التابع لجامعة النجاح الوطنية د. جلال الدبيك، إنه وفي تلك الفترة لم تكن هناك أجهزة في العالم لرصد قوة الزلازل، لكن ومع الأخذ بعين الاعتبار شدة تأثير الزلزال ومركزه السطحي، تم لاحقا تقدير قوته بـ6.3 حسب مقياس رختر، ومركزه شمال البحر الميت كما هو متوقع.

ويشير إلى أن نابلس كانت الأكثر تضررا لأسباب عدة أهمها نظام الصدوع الأرضية في المنطقة، وطبيعة الحركة التكتونية باعتبارها حركة تحويلية باتجاه شمال جنوب. اضافة إلى عامل تأثير الموقع في مدينة نابلس فهناك تضخيم زلزالي بسبب طبيعة التربة وجيولوجية منطقة نابلس، حيث وصل عدد الضحايا حسب الدبيك في منطقة نابلس ومحيطها من القرى من 200-250 ضحية، حيث إن هناك العديد من الجرحى توفوا بعد مدة، وسجل عدد من المفقودين حينها.

وأشار إلى أنه اذا اجتمعت ذات العوامل ونفس قوة الزلزال مرة أخرى ستكون نابلس الأكثر تضررا أيضا.

وقال الدبيك: إننا نتوقع حدوث زلزال شديد في فلسطين منذ سنوات، حيث إن منطقة فلسطين والمناطق المجاورة لها يوجد فيها أكثر من بؤرة زلزالية، وكل بؤرة لها زمن دوري لحدوث زلزال. فبعض البؤر كالبحر الميت زمنها الدوري من 80-100 عاما، ومر على الزلزال الذي بؤرته البحر الميت 90 عاما أي نحن في الزمن الدوري لحصول زلزال.

وأشار إلى أن بؤرة الفارعة والكرمل يحصل زلزال بها كل 200-300 سنة، وحصل فيها آخر مرة خلال العام 1759، وكان قويا وخلف دمارا كبيرا، ولم يتكرر بعد. وهناك زلازل تتكرر من 500-800 عام وحصل خلال العام 1202 وكان الأسوأ وخلف دمارا كبيرا.

وقال "دخلنا في الزمن الدوري لتكرار حصول الزلازل في هذه البؤر، لكن لا نستطيع التكهن وقت حدوثها، فربما بعد ساعات أو سنوات".

وتوقع الدبيك أن تشهد الـ100 عام المقبلة، حصول أكثر من زلزال كبير في المنطقة.