قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الثلاثاء، إن إلغاء إسرائيل إقامات آلاف الفلسطينيين في القدس الشرقية على مر السنين، يوضح النظام المزدوج الذي تنفذه إسرائيل في المدينة المحتلة.

وأضافت أن نظام الإقامة يفرض متطلبات شاقة على الفلسطينيين للحفاظ على إقاماتهم، فضلا عن عواقب وخيمة لمن يخسرونها.

وقالت: منذ بداية احتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967 وحتى نهاية 2016، ألغت إسرائيل إقامة 14,595 فلسطينيا من القدس الشرقية على الأقل، بحسب وزارة الداخلية الإسرائيلية. وبررت سلطات الاحتلال معظم عمليات الإلغاء على أساس عدم إثباتهم أن القدس "محور حياتهم"، لكنها ألغت مؤخرا أيضا إقامة فلسطينيين متهمين بمهاجمة إسرائيليين كعقوبة لهم وكعقوبة جماعية ضد أقارب المتهمين المشتبه بهم. ويدفع النظام التمييزي العديد من الفلسطينيين إلى مغادرة مدينتهم فيما يصل إلى عمليات ترحيل قسري، كانتهاك خطير للقانون الدولي.

وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تدّعي إسرائيل معاملة القدس كمدينة موحدة، لكنها تحدد قوانين مختلفة لليهود والفلسطينيين. يزيد التمييز المتعمد ضد فلسطينيي القدس، بما في ذلك سياسات الإقامة التي تهدد وضعهم القانوني، من انسلاخهم عن المدينة".

وقابلت "هيومن رايتس ووتش" 8 عائلات مقدسية أُلغيت إقاماتها بين شهري مارس/ آذار ويوليو/تموز 2017، وراجعت خطابات إلغاء الإقامة وقرارات المحاكم وباقي الوثائق الرسمية، كما تحدثت إلى محاميهم، وأخفيت هوية أغلب من قوبلوا لحماية خصوصيتهم ومنع الأعمال الانتقامية المحتملة من السلطات الإسرائيلية.

وقال رجل ألغت إسرائيل إقامته، إن السبب هو تسلقه الجدار الفاصل الإسرائيلي، لحضور حفل زفاف عائلي في جزء آخر من الضفة الغربية. وقال آخر إن السلطات الإسرائيلية رفضت إصدار شهادات ميلاد لأطفاله الخمسة الذين ولدوا جميعا في القدس. أما باقي المقدسيين الذين لم يتمكنوا من الحصول على إقامة ممن تم لقاؤهم، فقالوا إنهم غير قادرين على العمل بشكل قانوني؛ والحصول على مستحقات الرعاية الاجتماعية؛ وحضور حفلات الزفاف والجنازات؛ أو زيارة أقاربهم المرضى ذوي الحالة الخطرة في الخارج، وذلك خوفا من رفض السلطات الإسرائيلية السماح لهم بالعودة إلى ديارهم.

وأدى رفض تجديد الإقامات، إلى جانب عقود من التوسع الاستيطاني غير المشروع وهدم المنازل والقيود المفروضة على البناء في المدينة، إلى زيادة الاستيطان غير المشروع من جانب اليهود الإسرائيليين في القدس الشرقية المحتلة، مع تقييد نمو السكان الفلسطينيين في الوقت ذاته. ويعكس ما سبق هدف الحكومة الإسرائيلية المتمثل في "الحفاظ على أغلبية يهودية قوية في المدينة"، كما جاء في الخطة الرئيسية لبلدية القدس (مخطط القدس لعام 2000)، والحد من عدد السكان الفلسطينيين. وحدد المخططون هدفهم بجعل نسبة السكان "70% يهود و30% عرب"، قبل أن يعترفوا بأن "هذا الهدف غير قابل للتحقيق" في ضوء "الاتجاهات الديموغرافية" وعدلوه ليصبح 60 إلى 40. وشكل الفلسطينيون 37 بالمئة من سكان القدس في 2015 وفقا لـ "مكتب الإحصاء المركزي" الإسرائيلي.

وضمت إسرائيل القدس الشرقية بعد احتلالها عام 1967، وبدأت بتطبيق قانونها الداخلي على المدينة،  وطبقت "قانون دخول إسرائيل" لعام 1952 على فلسطينيي القدس الشرقية وقدمت لهم إقامة دائمة، وهي نفس الإقامة الممنوحة لأجنبي يريد العيش في إسرائيل. ويجوز للمقيمين الدائمين العيش والعمل والحصول على مزايا في إسرائيل، ولكن هذا الوضع مستمد من حضورهم، ويمكن سحبه إذا استقروا خارج إسرائيل، ولا يُنقل تلقائيا لأولاد أو زوج/ة غير المقيم/ة ويمكن إلغاؤه بناء على تقدير وزارة الداخلية.

ويتوفر طريق للمواطنة للمقدسيين الفلسطينيين، لكن اختارت الأغلبية الساحقة عدم المضي فيه لانطوائه على تعهد بالولاء لإسرائيل، السلطة المحتلة. ولا تُمنح الجنسية لكل من يتقدم بالطلب، فمنذ عام 2003، قدم طلب الجنسية نحو 15 ألف فلسطيني من أصل 330 ألف، ووافقت السلطات الإسرائيلية على أقل من 6 آلاف منهم.

وقالت "هيومن رايتس ووتش": على مدى عقود، ألغت السلطات الإسرائيلية إقامة فلسطينيين مقدسيين استقروا خارج إسرائيل فترة 7 سنوات أو أكثر دون تجديد تصاريح خروجهم أو عند حصولهم على إقامة دائمة أو جنسية البلد الذي استقروا به. ومع ذلك، حدثت معظم عمليات الإلغاء بعد عام 1995، بعد إعادة وزارة الداخلية الإسرائيلية تفسير قانون دخول إسرائيل لعام 1952 للسماح بإلغاء إقامة أولئك الذين لم يعملوا للحفاظ على القدس كـ "محور لحياتهم". وبموجب التفسير الجديد، بدأت السلطات الإسرائيلية أيضا بإلغاء إقامة المقدسيين الفلسطينيين الذين يعيشون في أجزاء أخرى من فلسطين خارج حدود بلدية القدس أو ممن درسوا أو عملوا في الخارج لفترات طويلة.

لا يتوجب على المقدسيين من حملة الجنسية الإسرائيلية برهان أن القدس "محور حياتهم" للمحافظة على وضعهم القانوني.

كما ألغت السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إقامة الفلسطينيين في القدس الشرقية وفق قانون دخول إسرائيل لانتهاكهم "الالتزام الأدنى بالولاء لدولة إسرائيل". واستخدم هذا الإجراء لأول مرة ضد 4 من أعضاء حماس المنتخبين في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، كما أصدرت السلطات، بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قرارا يعطي المبرر لسحب إقامة الأفراد المتهمين بالاعتداء الجسدي على إسرائيليين وضد أسر المشتبه بهم.

وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن إلغاء إقامات الفلسطينيين من القدس الشرقية، الذين من المفترض أن يكونوا محميين في ظل الاحتلال الإسرائيلي بموجب "اتفاقية جنيف الرابعة"، كثيرا ما يجبرهم على مغادرة الإقليم الذي يعيشون فيه. ويشكل هذا ترحيلا قسريا عندما يتسبب بالنزوح إلى أجزاء أخرى من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وترحيلا عندما يحدث إلى خارج البلاد. ولا تسمح اتفاقية جنيف بهكذا تدابير إلا على أساس مؤقت و"لأسباب عسكرية حتمية"، مشيرة إلى أن عدم الحفاظ على القدس كـ "محور للحياة" لا يفي بالمعايير التقييدية للاتفاقية.

وقالت: يمكن أن يشكل ترحيل أي جزء من سكان الأراضي المحتلة أو نقلهم قسرا، جرائم حرب بموجب "نظام روما الأساسي" لـ "المحكمة الجنائية الدولية". ويمتد الحظر المفروض على النقل القسري إلى ما هو أبعد من قيام قوة عسكرية مباشرة بنقل تجمع سكاني خاضع لسيطرتها، ليصل إلى الحالات التي تقوم فيها القوة العسكرية بتعقيد وزيادة مشقة حياة السكان لدرجة اضطرارهم فعليا للرحيل. ويحمي قانون حقوق الإنسان أيضا الحق في ترك البلاد والعودة إليها بحرية.

كما يحظر القانون الإنساني الدولي صراحة، على سلطة الاحتلال إجبار من هم تحت احتلالها على التعهد بالولاء أو الإخلاص لها.

وفي قرار صدر في مارس/ آذار 2017، قضت "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية بأن فلسطينيي القدس الشرقية يتمتعون "بوضع خاص"، باعتبارهم "سكان البلاد الأصليين"، ينبغي للسلطات أن تأخذه في الحسبان عند تحديد وضعهم. وتماشيا مع الحظر الصارم للقانون الدولي على التشريد القسري أو الترحيل، على السلطات الإسرائيلية منح سكان القدس حق الإقامة المؤهلين له، بوصفهم سكان أراض محتلة، وكذلك بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. كما ينبغي ألا يضطر الفلسطينيون إلى الحصول على الجنسية في ظل الاحتلال لتأمين وضعهم وحقوقهم.

وقالت ويتسن: "كجزء من سعيها إلى توطيد أغلبية يهودية في القدس، تجبر السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين المقدسيين على العيش كأجانب في منازلهم، وتبقى إقامة الفلسطينيين سارية طالما أنهم لا يمارسون حقهم في السفر إلى الخارج للدراسة أو العمل، أو الانتقال إلى الحي غير المناسب، أو الحصول على إقامة في بلد آخر".