تحقيق:منال خميس

على مدارِ أسبوعَين من المواجهات المباشرة، أثبت الفلسطينيون، بصلابة إرادتهم وصمودهم، قدرتَهم على كسرِ قرارات الاحتلال، وإجباره على التراجع عن إجراءاته الأمنية التصعيدية في المسجد الأقصى المبارَك. وبالرغم من مواصلة الاحتلال مضايقة المصلين والمرابطين حتى اليوم، إلا أنَّ التّماهي في الموقف الشعبي والرسمي الفلسطيني، سجَّل نصرًا لأهل الأقصى بعودة الأمور إلى ما كانت عليه في المسجد قبل العملية الفدائية في الـ14 من تموز الجاري.


الاحتلال صعَّد إجراءاتِه الأمنية عقِبَ عمليّة الأقصى
"لبيك يا أقصى، ولا للتفريط فيه. احمِ الأقصى يا الله، يا الله، يا الله"، هُتافات تكاد تسمعها في جميع شوارع القدس وحاراتها المحيطة بأعتاب المسجد الأقصى، يُردِّدها المرابطون هناك الذين يفترشون التراب، ويصِلون الليل بالنهار، رافضين مغادرة أماكنهم، بل وتتزايد أعدادهم يوماً بعد يوم دفاعًا عن المسجد الأقصى، وعن حقِّهم في ممارسة عباداتهم، وصلواتهم من دون قيد أو شرط من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت مدينة القدس قد شهدت حالةً من الاحتقان والغضب، بدأت منذ الرابع عشر من تموز 2017، في ظلِّ الإجراءات الإسرائيلية التصعيدية المتَّبَعة بحق المسجد الأقصى، والمصلين في المدينة المقدّسة، عقِبَ تنفيذ الشُّبّان الفلسطينيين، محمد أحمد جبارين، ومحمد مفضل جبارين، ومحمد حامد جبارين، عمليةً فدائيةً أسفرت عن مقتل اثنين من عناصر شرطة الاحتلال في باحات المسجد الأقصى المبارك، واستشهاد المنفِّذين، تلتها عملية مستوطنة "حلميش" التي قتلَ فيها الشاب عمر العبد، من قرية كوبر شمال غرب رام الله، ثلاثة مستوطنين انتصاراً للمسجد الأقصى.
وكردِ فعل مباشر، عمَدَ كيان الاحتلال لتعزيز إجراءاته الأمنية، ووضع بوابات إلكترونية على أبواب الأقصى لتفتيش الداخلين والخارجين من وإلى الأقصى، وكشف ما يحملونه، إلَّا أنَّ الفلسطينيين، وخاصّةً المقدسيين وموظّفي دائرة الأوقاف الإسلامية وحراس المسجد الأقصى، رفضوا إجراءات الاحتلال الأمنية والقمعية، وتصاعدت احتجاجاتهم تنديداً بهذه الخطوة، واعتصموا أمام باب الأسباط، مُطالبين بإزالتها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل تنفيذ العملية في الرابع عشر من شهر تموز الجاري 2017، رافضين الدخول إلى المسجد الأقصى عبر البوابات المذكورة، في حادثة هي الأولى من نوعها منذ حريق المسجد العام 1969.
وقد توالت الاحتجاجات والتظاهرات في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، والعالم، استنكارًا لقمع الاحتلال للحريات الدينية في المسجد الأقصى، وأدَّت مواجهات بين المصلين وجنود الاحتلال، في الجمعة الأولى بعد العملية على حاجز قلنديا الواقع جنوب مدينة رام الله إلى ارتقاء أربعة شهداء، وإصابة أكثر من أربعمائة جريح.
كما توالت البيانات والمواقف المناصرة للمرابطين والمستنكِرة لإجراءات سلطات الاحتلال في الأقصى، وفي السياق ذاته خرجت مظاهراتٌ تضامنيةٌ في عدد من الدول بينها لبنان، والأردن، والسودان، ومصر، واليمن، وتركيا، وماليزيا، وإندونيسيا وقد شهدت المخيَّمات والتجمُّعات الفلسطينية في لبنان بشكلٍ خاصٍّ سلسلة فعاليات حاشدة.

الرئيس يرسم محدّدات السياسة الراهنة والـمُقبِلة
أحداثُ المسجد الأقصى، وإجراءاتُ شرطة الاحتلال لقمعِ المصلّين في محيطه، وضعت القيادة الفلسطينية في حالة انعقادٍ دائمٍ، كما تعمَّقت الخلافات ما بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" حيثُ أعلن الرئيس محمود عبّاس في خطابَين مهمَّين، عن وقف الاتصالات مع "إسرائيل" على كلِّ المستويات، وقال: "ما قرَّرناهُ هو تجميد التنسيق الأمني، وهذا قائم، والدفاع عن المقدسات، وهذا قائم، ونريد أن ندرس ماذا جرى منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا، لنرى ماذا سنفعل".
وأكَّد ضرورة عودة الأمور في مدينة القدس إلى ما كانت عليه قبل 14 تموز، ووعدَ بمبلغ 25 مليون دولار لدعم صمود المقدسيين.
وأشاد الرئيس بالمقدسيين، ووجّه لهم رسالةً قائلاً: "إنَّنا معكم في كلِّ ما فعلتُم وتفعلون، فأنتم مفخرةٌ لنا، وأنتم حريصون على أقصاكم، وأرضكم، وكرامتكم، وشعبكم، ودينكم، ومقدَّساتكم، وهذا هو الرَّد على كلِّ مَن يعتدي على مقدَّساتنا، وكلِّ مَن يريد العبثَ بمقدَّساتنا. القدس لنا وهي عاصمتنا، وهي سيادتنا، لذلك ما تقومون به هو الصحيح، فقد نهضتُم نهضةَ رجل واحد، ورفضتُم كلَّ الإجراءات، ونحن أيّدناكم بكل ما قمتُم به، ونؤيِّدكم بكلِّ ما ستقومون به".
وأكَّد الرئيس ثقتَه الكاملة بالمرجعيات الدينية، وبكلِّ ما تراه وتقرِّره لحماية القدس والأقصى، وأضاف: "كلُّ ما استجدَ من إجراءات إسرائيلية على أرض الواقع منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا يفترض أن تزول وأن تنتهي، عند ذلك تعود الأمور إلى طبيعتها في القدس، ثُمَّ نستكمل عملنا بعد ذلك فيما يتعلَّق بالعلاقات الثنائية بيننا وبينهم".
ووجَّه نداءً إلى جميع القوى والفصائل وخاصّةً حركة "حماس" من أجل الارتقاء فوق الخلافات، وتغليب الشأن الوطني على الفصائلي، والعمل على وحدة شعبنا، وإنهاء آلامه وعذاباته.
بدورها، جدَّدت الحكومة الفلسطينية دعوتها لحركة "حماس" للاستجابة فوراً لدعوة الرئيس بتوحيد الصفوف، وأكَّدت أنَّ "القدس والمقدّسات الإسلامية والمسيحية تستحقُّ منّا جميعاً أن نرتقي بمستوى الأداء بما يليق بحجم التضحيات التي يُقدِّمها أبناء شعبنا في معركة الدفاع عن مقدّساته، وتحديداً في ظلِّ الهجمة الشرسة التي تقوم بها سلطات الاحتلال على المسجد الأقصى، التي تهدف من خلالها إلى تقسيمه زمانيًّا ومكانياً، وحرف الصراع من سياسي إلى ديني، وفرض السيطرة عليه، والتهرِّب من عملية السلام، واستحقاقاتها".
وأوضحت الحكومة أنَّها ستواصل الجهود التي تبذلها في تعزيز صمود أبناء شعبنا في مدينة القدس، من خلال تنفيذها لخطة الطوارئ التي أقرَّتها في اجتماعها الأخير.
كما أعلنت اللجنة المركزية لحركة "فتح" أنَّها بصدد التحضير للانضمام إلى 28 منظّمة دولية، والبدء بالتحضيرات للتوجه لمحكمة الجنايات حيث سيرسل الطلب خلال الأيام القادمة.
من جهته، يرى الكاتب والمحلِّل السياسي عمر حلمي الغول أنَّ كلمة الرئيس محمود عبّاس خلال اجتماع القيادة الفلسطينية حملَت محدّدات السياسة الفلسطينية الراهنة والمقبلة ردًّا على الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة لمصالح الشعب العربي الفلسطيني، ولعملية السلام على حد سواء.
ويضيف الغول: "الاجتماع القيادي الموسَّع بحد ذاته، والدعوة له في أعقاب قطع الزيارة الرسمية للصين مباشرة، يعكس المسؤولية الفلسطينية تجاه التطورات، ووقوف القيادة على نبض الشارع الفلسطيني. كذلك، فإنَّ ما تضمَّنته الكلمة من نقاط محدَّدة بعيدة عن الإنشاء، قطع الطريق على كلِّ المتربّصين بالموقف الفلسطيني الرسمي، وأوقع قوى الردة المتناقضة مع المشروع الوطني في شر رهاناتها السطحية والغبية. وفي الوقت ذاته، أعادت الكلمة جسور الثقة بين الشعب والقيادة، لأنَّ القوى الحية في الشعب، شعرت بمصداقية التوجهات السياسية، وجميعها تستجيب للمصلحة الوطنية العُليا. كما أنَّ القيادة الإسرائيلية المتطرِّفة لم تتوقّع هذه المحدّدات، التي جاءت لتضيف لأزمتها أزمةً جديدة، خاصّةً أنَّ قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمنابر الإعلامية، ولا سيما صحيفة "هآرتس"، أكَّدت من خلال قراءتها لمجريات الأحداث في القدس المحتلة، أنَّ السيادة على الأرض هي للشعب العربي الفلسطيني، وليست لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وهذا أربك حكومة نتنياهو، فجاءت الكلمة لتُعمِّق من أزمتها، فضلاً عن الأزمات الداخلية، التي تطال رئيس الحكومة. بالإضافة إلى أنَّ الكلمة ومحدّداتها ألقت الكرة في ملعب الحكام العرب، والمسلمين، وقادة العالم، لعلَّهم يستيقظون قبل فوات الأوان".
ويختم الغول قائلاً: "جملةُ النقاط الأساسية، التي حملتها كلمة الرئيس عبّاس، تعكس الإدراك العميق لمخاطر المرحلة المعاشة، والتغوُّل الإسرائيلي، الرافض لخيار السلام، والماضي قدمًا في خيار الاستيطان الاستعماري، لكن قيمة ما حملته الكلمة تكمن في الترجمة العمَلية، واستنهاض الحالة الوطنية برمَّتها، واستعادة زمام المبادرة، وقطع الطريق على غلاة التآمر على القيادة، والقضية، والشعب، ومصالحه العُليا".

إجراءات الاحتلال في الأقصى جزءٌ من مخطَّطه الكبير
رئيس الحركة الإسلامية الوطنية في فلسطين (الوسط)، رئيس مركز "القدس للدراسات والإعلام والنشر" د.محمد أبو سمرة، يقول: "نحن أمام انتفاضة جديدة بالتّماس مع المسجد الأقصى المبارَك، لقد أسميتُها (ثورة وانتفاضة الأقصى الثانية)، فملامحها تقول إنَّها أكبر كثيراً من هبّة وانتفاضة، وأعتقد أنَّها ستكون موجات من الهبّات المتتالية. فالأمور هذه المرّة تختلف عمَّا سبق، وإن كانت هذه الثورة- الانتفاضة تأتي في سياق نضالنا وكفاحنا الفلسطيني الطويل والمرير مع العدو والاحتلال الصهيوني، الذي يسابق الزمن لتغيير الطبيعة الديموغرافية، والدينية، والتاريخية، داخل البلدة المقدسة، وليفرض سيطرته الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، تمهيداً لتقسيمه مكانياً وزمانيًّا، كما فعل من قبل بالحرم الإبراهيمي الشريف بالخليل، وذلك كخطوةٍ نحو تهويده والسيطرة عليه بالكامل، من أجل هدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، علمًا أنَّه لم يكن طيلة التاريخ شيئاً اسمه هيكل سليمان، فالهيكل بحدِّ ذاته أكذوبة صهيونية يهودية تلمودية كبرى، واليهود لم يكن لهم أي وجود على أرض فلسطين التاريخية منذ بدء الخليقة، ولم تكن لهم مملكةٌ لا على أرض فلسطين، ولا في أي مكان من الأرض، ولقد قامت دولة الكيان الصهيوني على كمٍّ هائل جداً من الأكاذيب، والأساطير، والتلفيقات والادّعاءات الباطلة. وبالتالي فالموضوع أكبر بكثير من إجراءات أمنية، وبوابات إلكترونية، وكاميرات متطوّرة للغاية يمكنها فحص كلِّ شخص عن بعد، وتشخيص الوجوه بمنتهى الدقة، وتحديد الشخص المطلوب اعتقاله للعدو الصهيوني من خلال بصمة العين، والكشف عمَّا تحت الثياب"، مؤكِّدًا أنَّ مسألة خصوصية، وحرمة، وقداسة، ومكانة، وأهميّة المسجد الأقصى المبارك، وإداراته والسيطرة والإشراف عليه، هي مسألة إسلامية دينية شرعية لا جدال فيها.
وقال: "جميع الإجراءات التي فرضتها سلطات العدو الإسرائيلية منذ 14/7/2017، هي متشابهة ومتساوية في خطورتها وصعوبتها، ولا يمكن لعلماء المسجد الأقصى المبارك وأئمته، وعلماء القدس وفلسطين، وللرئيس الفلسطيني، والقيادات السياسية الفلسطينية، والفصائل والقوى والأحزاب والشخصيات الاعتبارية الفلسطينية كافةً، ولشعبنا الأبي العظيم المرابط في القدس الشريف وحول المسجد الأقصى المبارك، القبول بأيِّ من هذه الإجراءات الوحشية البربرية الصهيونية، فالمسجد مسجدنا نحن، ولم يكن ولن يكون لليهود والصهاينة أي علاقة به".
وعن كيفية استثمار قرارات الرئيس لإنهاء الاحتلال قال د.أبو سمرة: "تمكَّن السيد الرئيس من الإمساك بزمام الأمور وقيادة الدفة منذ اللحظات الاولى، وأدرك أنَّ مؤامرة كبرى تمَّ التخطيط لها ضدَّ القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، وضد سيادته، والقضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية برمّتها، وأصرَّ على إعادة الأوضاع في القدس والمسجد الأقصى إلى وضعها الطبيعي ما قبل 14 تموز، وكذلك فإنَّ دعمه لصمود أهل القدس والمرابطين الأبطال حول المسجد الأقصى المبارك قد جاء في وقته تماماً، وأنصح سيادته بتقديم المزيد من الدعم لهم، وتنفيذ المزيد من الإجراءات التي تعزِّز صمودهم في مواجهة مخطط التهويد للمدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك، ووضع الأولوية لدعم صمود ورباط جميع أهل القدس بدون استثناء".
وينوِّه أبو سمرة بأهميّة تصريحات الرئيس، مضيفًا: "هو موقف تاريخي يُحسَب له، وقرارات ومواقف السيّد الرئيس فاجأت حكومة العدو، وأربكت حساباته، وخصوصاً قراراه المهم بوقف التنسيق والاتصالات كافّةً مع كيان الاحتلال ومسئوليه، وإنَّ إصراره على رفض جميع الإجراءات الصهيونية بحق المسجد الأقصى المبارك، قلبت الطاولة على رؤوس قادة العدو، ومَن تآمر معهم إقليمياً ودولياً في هذه القضية الخطيرة  والحساسة".
وأكَّد ضرورة تركيز وتوحيد الجهود والأنظار والأفعال والخطط والبرامج لدعم القدس والمسجد الأقصى المبارك، ودعا حركة "حماس" للاستجابة لنداء السيّد الرئيس بتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وحلِّ اللجنة الإدارية التي شكَّلتها مؤخّراً في غزة، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من أداء دورها ومهامها كاملةً في قطاع غزة، حتى يتم رفع الحصار عن القطاع، وتمكين حرس الرئاسة الفلسطيني من إدارة معبر رفح المغلق بشكلٍ شبه دائم، لتتم إعادة فتحه والتخفيف عن أهلنا بالقطاع، مضيفًا: "قد علمت أنَّ السيد الرئيس بمجرد حل حماس للجنتها الإدارية، سوف يعطي تعليماته بإلغاء جميع القرارات والإجراءات التي اتخذها سابقاً في غزة، كردِّ فعلٍ على تشكيل اللجنة الإدارية، وأرجو من الأخوة في "حماس"، أن يستجيبوا لجميع النداءات بتغليب المصلحة الوطنية العامّة".

التلاحم الرسمي والشعبي أسقط مقولة "الجيش الذي لا يقهر"
 "إن التلاحم الشعبي والرسمي، والالتفاف الجماعي، أسقط اليوم مقولة "الجيش الذي لا يقهر"، وقهر بتلاحم كافة مكونات الشعب الفلسطيني، الذي كان له الدور الكبير في انتصار أهالي القدس، وهو ما فوجئت به حكومة الاحتلال"، بحسب المتحدث باسم حركة "فتح" أسامة القواسمي.
وأوضح القواسمي أن ما حدث إنجاز تاريخي وهام، يجب أن يبنى عليه في طبيعة الصراع، والعلاقة مع اسرائيل، إذ إن الجرائم ما زالت مستمرة من استيطان، واحتلال، وتهويد، ومصادرة للأراضي. وأكد ضرورة اتخاذ خطوات شاملة، مرتكزين بذلك على التجربة التي بدأت في الرابع عشر من الشهر الجاري.
وبخصوص استهداف قوات الاحتلال لكوادر حركة فتح، قال القواسمي "إن استهداف حركة فتح كان واضحا منذ اللحظة الأولى، لما للحركة من ثقل، ودور ثابت، وهام في الدفاع عن "الأقصى"، والمقاومة الشعبية التي تبنتها، ودورها على كافة المستويات الميدانية، والمؤسساتية، والسياسية في الدفاع عنه، ومحاولات الاحتلال جميعها ذهبت أدراج الرياح".
وأشار إلى أن دور القيادة الوطنية كان واضحا من خلال القرارات التي تم اتخاذها على الصعيد السياسي، وخاصة وقف الاتصال بكافة مستوياته مع اسرائيل، واعطاء التعليمات للحكومة بصرف 25 مليون دولار، الأمر الذي بدأ تنفيذه بشكل فوري وفعلي من اليوم الأول، وذلك لتعزيز الصمود الفلسطيني في القدس، إضافة الى الاتصالات الدولية من اجل الضغط على اسرائيل، لإزالة البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة.

معركتنا مع الاحتلال هي تحرير المسجد الأقصى
عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" في القدس سلوى هديب أكَّدت: "إن معركتنا مع الاحتلال هي تحرير المسجد الأقصى، وإسرائيل  فشلت في كسر شوكة الفلسطينيين وخاصة المقدسيين، وتراجعت عن كل اجراءاتها التي قامت بها في المسجد".
وأضافت أنَّ الحراك السياسي والوطني والديني كان كله نحو الأقصى، واستطاع أن يوحد تنظيمات العمل الوطني، ونجح صمودنا في رفع كافة الحواجز والبوابات الالكترونية والكاميرات التي وضعها الاحتلال الاسرائيلي.   
وأشارت هديب إلى أن الحراك الميداني في القدس قادته حركة فتح، واعتقلت خلاله قوات الاحتلال عددا من أعضاء إقليم الحركة، كما قام الاحتلال بإبعاد عدد منهم عن المدينة، كما أصيب العشرات من أبناء الحركة خلال المواجهات.

اعتداءاتُ الاحتلال تطال الصحفيين أيضًا!
أوضح نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر في حديثه لمجلة "القدس" أنَّ اعتداءات الاحتلال طالت نحو عشرين صحفياً، إمّا بالهراوات والقنابل الصوتية، أو حتى بالرش بالمياه العادمة، لافتًا إلى أنَّ الاحتلال يستهدف الصحفيين لكسر العدسة التي تكشف وتفضح ممارساته وانتهاكاته ضدَّ القدس، وأهلها، والمقدسات.
وأكَّد  أنَّ "منع جنود الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين من الاقتراب من باب الأسباط هو منع لحرية الحركة والتنقل، وهو منع من حق الوصول إلى المعلومة"، مشدِّدًا على أنَّ "اعتقال الصحفيين والاعتداء عليهم هي جريمة حرب تتحمَّل مسؤوليتها المباشرة الحكومة الإسرائيلية وقادة أمن وجيش الاحتلال"، وداعيًا وسائل الإعلام العربية للتوقُّف فورًا عن استضافة المسئولين الإسرائيليين.
كما دعا الاتحاد الدولي للصحفيين لإرسال وفد لتقصي الحقائق بشكل عاجل وفوري إلى فلسطين، للوقوف على تصاعد جرائم الاحتلال بشكل هستيري ضدَّ الصحفيين المقدسيين، خاصّةً بعد إصابة عددٍ من الصحفيين بجروح بفعل اعتداء قوات الاحتلال عليهم، وطالبَ المنظمات الدولية التي لم تحرِّك ساكنًا، وتقف موقف المتفرج، بأن تتحرَّك فورًا للضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لوقف اعتداءات الاحتلال بحقِّ الصحفيين الفلسطينيين في القدس المحتلة.
من جانبها حمَّلت نقابة الصحفيين الفلسطينيين حكومة نتنياهو المسؤولية الكاملة عن حياة صحفيي القدس. وكانت لجنة الحريات في النقابة قد أعلنت أنَّه ومنذ 14 من الشهر الجاري أصيبَ أكثر من عشرين صحفيًا مقدسيًا، وأشارت إلى أنَّه رغم التزام صحفييها الكامل بالتغطية الموضوعية والملتزمة بالأصول المهنية، فإنَّ ذلك لم يمنع جيش وشرطة الاحتلال الإسرائيلي من إيقاع الأذى بهم واستهدافهم بشكل واضح عبر سلسلة انتهاكات خطيرة تمثَّلت في الاعتقال، والضرب المبرح بالهواتف وأعقاب البنادق، وإطلاق الرصاص والقنابل الغازية السامة والقنابل الصوتية عليهم.
من جانبها، جدَّدت وزارة الإعلام الإشادة بالصحافيين المقدسيين، مؤكِّدةً أنَّهم "يعملون بكل جهد وإرادة لنقل رسالة الحرية وصوتها ورواياتها إلى كل مكان في العالم، بالرغم ممّا يواجهونه من قمع وإرهاب وعربدة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي".

الاحتلالُ يخضع لإرادةِ الشعبِ الفلسطيني وقيادتِهِ
بعد عدّة اجتماعات أمنية إسرائيلية على أعلى المستويات الحكومية والأمنية في كيان الاحتلال، صادقَ المجلس الوزاري الإسرائيلي الـمُصغَّر للشؤون الأمنية والسياسية على قرار نتنياهو بإزالة البوابات الإلكترونية عند مداخل المسجد الأقصى، وكذلك الكاميرات التي نُصِبَت في باحة المسجد.
وقد عملت قوات الشرطة وجيش الاحتلال في القدس فجر الخميس 27/7/2017 على إزالة جميع الجسور المعلّقة، والكاميرات الذكية التي نصبتها في الأيام الماضية عند مداخل الأقصى لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 14 تموز الجاري.
وأوضح مراسلو إذاعة جيش الاحتلال أنَّ حكومة نتنياهو وعدت الأوقاف الإسلامية الفلسطينية في القدس والملك الأردني، بإزالة كل ما تسبَّب بالأحداث الأخيرة لاستعادة الأمن في البلدة القديمة في القدس، وتمكين المصلين من دخول الأقصى، على أن يُصار إلى إعادة تقييم الأمن مرة أخرى بعد ستة أشهر. من جهتها، كانت المرجعيات الدينية في المدينة المقدسة قد أكَّدت عقب إعلان الاحتلال نيته إزالة الكاميرات والبوابات الإلكترونية أنَّ المصلين لن يدخلوا إلى المسجد، وسيصلون على أبوابه، وأنَّ التظاهرات ستتواصل، حتى تستوضح الأمور، ويتبيَّن أنَّه لا تغيير يُذكَر على المسجد وعلى أبوابه وأسواره، من كاميرات أو مجسات.
وشدَّدت المرجعيات الدينية ممثَّلة برئيس المجلس الأعلى للأوقاف الإسلامية في القدس الشريف عبدالعظيم سلهب، ورئيس الهيئة الإسلامية العُليا الشيخ عكرمة صبري، ومفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، والقائم بأعمال قاضي القضاة في القدس واصف البكري، في بيان تلاه الشيخ سلهب خلال مؤتمر صحفي، على ضرورة فتح جميع أبواب المسجد الأقصى لجميع المصلين بدون استثناء وبحرية تامّة، وأوضحت أنَّها كلَّفت مديرية الأوقاف الإسلامية في القدس بتقديم تقرير أولي عن الحالة داخل وخارج المسجد الأقصى المبارك للوقوف على ما تمَّ من عدوان داخل وخارج الأقصى، بحيثُ يتم على ضوئه اتخاذ قرارٍ بشأن دخول المسجد الأقصى وفك الاعتصام الذي بدأ منذ 14 تموز 2017 مؤكِّدةً وحدة أهلنا في بيت القدس وفلسطين والتمسُّك بحقوقنا، ومثمِّنةً وقفةَ أبناء الشعب والتفافهم حول المسجد الأقصى المبارك.
وأكَّدت المرجعيات الدينية أنَّ المصلين سيواصلون أداء صلواتهم بالقرب من أبواب وساحات الأقصى وشوارع القدس، لحين اتخاذ القرار بالدخول إلى المسجد على ضوء الحيثيات التي ستتوفَّر من قِبَل اللّجان الفنية المتخصِّصة من موظَّفي دائرة الأوقاف، وهي الدائرة المشرفة على كل شؤون المسجد، مؤكِّدةً أنَّ الدخول إلى الأقصى هو قرار بحجم الوطن وبحجم أبنائه، وأنَّ الدخول لأداء الصلاة في الأقصى سيكون بالكل الفلسطيني بقواه ومكوّناته، ونوَّهت لضرورة تواصل الزخم الشعبي حتى بعد الدخول إلى الأقصى لمجابهة التجاوزات الاحتلالية المستمرة في الأقصى.
وعقِب قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإزالة البوابات الحديدية والكاميرات الإلكترونية والجسور التي نصبتها على أبواب المسجد الأقصى، يوم الخميس 27/7/2017، دعا الرئيس عبّاس القيادة الفلسطينية إلى اجتماع عاجل، لتدارس المستجدات الجارية في مدينة القدس، حيثُ أعلن أنَّ إقامة الصلاة في المسجد الأقصى المبارك ستتم في اليوم نفسه بعد التأكُّد من أنَّ الأمور داخله عادت إلى ما قبل الـ14 تموز، وأشاد بصمود المقدسيين، ووحدة موقفهم.
وعلى ضوء ذلك، دخلَ أكثر من 100,000 مواطن من القدس وخارجها يوم الخميس المسجد الأقصى المبارك لأداء صلاة العصر في رحابه الطاهرة، على وقع تكبيرات الأعياد، وهتافات "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، صدحت بها الحناجر، وهزَّت أركان المدينة المقدسة. غير أنَّ قوات الاحتلال عمدت لإطلاق وابلٍ من قنابل الصوت الحارقة والارتجاجيّة، والغازية المسيلة للدموع، والأعيرة النارية، على المصلين ما أدَّى إلى إصابة أكثر من 113 مواطنًا بحسب الهلال الأحمر، عُولِجوا ميدانيًّا، فيما نُقِلَت 15 إصابة لمستشفيات القدس. وعلى الرغم من ذلك، واصل آلاف المواطنين التوافد لأداء الصلوات في المسجد الأقصى.
 وقد أفادت دائرة الأوقاف الإسلامية، مساء الجمعة 28/7/2017، بأنَّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرَّرت فتح جميع أبواب المسجد الأقصى المبارك أمام المصلين، ووقف تحديد الأعمار.
ولفتت الدائرة على لسان رئيس قسم الإعلام فيها فراس الدبس، إلى أنَّ القرار يشمل باب حطة.
وفي الوقت نفسه، أصدرت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، بيانًا، ذكرت فيه "أنَّ تحديد أعمار المصلين كان لصلاة الجمعة (الظهيرة) فقط، وأنَّ الأقصى مفتوح الآن لجميع الأعمار".
وقد تواصلت المواجهات بين الاحتلال والفلسطينيين في عدد من مناطق القدس ومدن الضفة الغربية وغزة، ما أدَّى لوقوع عشرات الإصابات في صفوف الفلسطينيين بالرصاص المطاطي والغاز المسيّل للدموع، حيثُ عمدت قوات الاحتلال لاستخدام القوة والقمع بحقِّ الفلسطينيين، واستهداف سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر بشكل مباشر، في محاولة منها لرد بعض من الاعتبار الذي خسرته، بعد ركوعها للإرادة الفلسطينية.