تحقيق: وسام خليفة

فاجأت حركة "حماس" العالم عندما أعلنت عزمها على التحالف مع المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، خاصّةً أنَّ دحلان من الشخصيات التي تكن لها "حماس" عداوةً كبيرةً بسبب الأحداث التي جرت بينهما خلال انقلاب "حماس" وسيطرتها على قطاع غزة بالقوة العسكرية. وقد أثارت الرعاية المصرية للاتفاق تساؤلاتٍ حول الموقف المصري تجاه القيادة الفلسطينية، إلى جانب جملةٍ من التحليلات والاستنتاجات بخصوص أسباب الاتفاق وتأثيراته المتوقّعة، في حال طُبِّق، على القضية الفلسطينية، ومستقبل المصالحة بين حركتَي "فتح" و"حماس".


الاتفاق لن يُطبَّق.. ومصر تدعم الشرعية
تعتبر عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" أريج الخليلي تفاهمات "حماس - دحلان" خارجةً عن الشرعية الفلسطينية، مؤكِّدةً أنَّ "الشرعية الوحيدة لدينا هي السلطة الوطنية الفلسطينية المسؤولة عن دولة فلسطين وعلى رأسها الرئيس محمود عبّاس". وتُنوِّه الخليلي في حديثها لمجلّة "القدس" إلى أنَّ ما فعلته "حماس" هو انقلاب على الشرعية، وتقسيم للشعب الفلسطيني في الوطن بين الضّفة وغزة، مشيرةً إلى أنَّ الانقلاب أثَّر على القضية الفلسطينية بشكل كبير، بل وأرجعها للخلف عشرات السنوات في بعض المجالات، موضحةً أنَّه "منذ انقلاب "حماس" انصبَّ الاهتمام على إرجاع الوحدة بدلاً من التركيز على القضية الفلسطينية، والحرب التي تشنُّها إسرائيل ضدَّنا".
وتُضيف: "لا أظنُّ أنَّ هذا الاتفاق سيُطبَّق، فقد مضى على الإعلان عنه ما يزيد عن 15 يومًا، ومن يُؤدّي الدور المؤثِّر فيه هي الأطراف الدولية التي يتبع لها كلٌّ من "حماس" ودحلان، فهما يعملان بأجندات خارجية لا بأجندات وطنية، وهذه الجهات معنيّة بأن لا يتم هذا الاتفاق. وبالتالي، فما صدَرَ هو مجرد اتفاق رُوِّجَ له عبر وسائل الإعلام، لكنَّنا على الأرض لم نرَ شيئًا. وهنا أريدُ التنويه إلى أنَّ ما جمع "حماس" ودحلان هو المصالح. فحماس طامعة بعلاقات دحلان، والتمويل المالي الذي وعد به، ودحلان يطمح للوصول للسلطة، ولأن يكون له منصبٌ في غزة من دون الالتفات إلى مصالح الشعب في القطاع. أمَّا إذا حدث اتفاق بينهما -وهذا مستبعد حسب الظروف والمؤشرات الحالية- فالوضع سيتحوَّل من سيِّء إلى أسوأ، لأنَّنا هنا نتحدَّث عن تقسيمٍ آخر للوطن، وهذه المرّة بأيادٍ فلسطينية، لتلبية أطماع "حماس" بتأسيس إمارة في غزة وترك حدود العام 1967 التي ضمنتها لنا الاتفاقات والقرارات الدولية، وهو الأمر الذي برز في وثيقة "حماس"، والتي لم تُعيِّن حدودًا. لذلك فإتمام الاتفاق بكل تأكيد سيُضعِف القضية الفلسطينية بشكل كبير، وخاصّةً مع انشغال الدول العربية بمشاكلها الداخلية، وأكبر دليل على ذلك هو ما يجري حاليًّا في القدس. فالأقصى أُغلِقَ، وهناك ممارساتٌ جديدة كوضع بوابات الكترونية وتضييقات، على الـمُصَلِّين، وعلى أهل القدس، ولم نُشاهِد أحدًا يُحرِّك ساكنًا تجاه ما يحصل".
أمَّا حول الموقف المصري من الاتفاق، فتقول: "مصر رعت هذا الاتفاق لحفظ مصالحها الأمنية، وخاصّةً في هذه الفترة العصيبة التي تتعرَّض فيها للعديد من الهجمات الإرهابية، ولكنَّها لن تكون طرفًا في إضعاف الشرعية على حساب القضية الفلسطينية، وهذا ما أكَّده الرئيس عبدالفتاح السيسي للرئيس محمود عبّاس خلال لقائهما الأخير، مشدِّدًا في الوقت ذاته على دعم مصر للشعب الفلسطيني وللشرعية الفلسطينية".

تقليص الدعم المالي يستهدف "حماس" لا الغزيين
تُشير الخليلي إلى أنَّ ما نفَّذتهُ القيادة الفلسطينية من خطواتٍ تجاه "حماس" هي خطواتٌ كان ينبغي تطبيقها منذُ 10 سنوات، مضيفةً: "أن تأتي متأخِّرًا خيرٌ من أن لا تأتي أبدًا. ومَن ينظر إلى إنفاق السلطة يجد أن أكثر من 50% منه يذهب إلى غزة، وللأسف "حماس" تأخذ هذه الموازنة من خلال المساعدات، أو مواد البناء، أو التحويلات الصحية، أو أيِّ طريقة ممكنة، وتستخدمها لصالحها الخاص، وليس لصالح أبناء غزة. لذا قرار القيادة بتقليص الدعم عن بعض المجالات في غزة هو طريقةٌ للكف عن الصرف على الانقلاب، أي أنَّه وسيلةُ ضغطٍ على "حماس"، كي تعود للصف الوطني. وهنا أؤكِّد أنَّ الرئيس ثابت على الثوابت، ولا يُقدِّم أيَّ تنازلاتٍ، وما يقوم به أحيانًا هو حلول لتوحيد الصفوف من أجل المصلحة الوطنية".
وتردف الخليلي: "الشعبُ في غزة يتعلَّق الآن بقشة لظروفه المعيشية الصعبة من بطالة، وانقطاع كهرباء، وحصار، وغيرها، ولكنَّني واثقةٌ بأنَّهم سيرفضون أي اتفاق يُخِلُّ بالثوابت الوطنية. والسلطة الفلسطينية ماضيةٌ بخطواتٍ تصعيدية تجاه "حماس"، ولكن بشكل تدريجي، وهذه فرصةٌ لحماس كي تجلس لإنهاء الخلاف الذي طال كثيرًا، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنَّ السلطة الفلسطينية لن تقوم بأي خطواتٍ تضرُّ أبناء غزة، و"فتح" معنية بالمصالحة من أجل الشعب الفلسطيني، ولكنَّ تنفيذ الاتفاق سيُعقِّد الأمور كثيرًا. ونحن نمدُّ يدنا لتحقيق المصالحة، من أجل إنهاء معاناة أهلنا في غزة، ولإنهاء تبعية بعض الأطراف الفلسطينية لجهات خارجية تعمل ضد وحدة الشعب الفلسطيني. فنحن نريدُ قيادةً فلسطينية موحَّدةً للشعب الفلسطيني أساسها الشرعية الفلسطينية التي تُراعي مصالح الشعب والقضية الفلسطينية، وليس مصالح الأطراف الأخرى".

مصر ثابتةٌ على موقفها الداعم للشرعية الفلسطينية
يرى الكاتب والمحلِّل السياسي د.عبدالمجيد سويلم أنَّ "اتفاق "حماس" ودحلان برعاية مصرية أمرٌ ينبغي معاينته من أكثر من جانب. فيقول: "الجانب الأول هو وجهة النظر المصرية، وسبب رعايتها لهذا الاتفاق، فهي تحاول استمالة "حماس" إلى جانبها، وتسوية الأمور معها، لأسباب تتعلَّق بالأمن القومي المصري الذي يُؤرق مصر كثيرًا. أمَّا الجانب الثاني فهو الموقف الرسمي المصري تجاه القضية والشرعية الفلسطينية، ويجب عدم خلط الأمور على هذا الصعيد. فمصر ستبقى داعمًا رئيسًا للقضية وللشرعية الفلسطينية، ولاعتبارات خاصّةٍ بها أقامت مصر هذه العلاقة مع "حماس" ودحلان، لكن السؤال: هل هذه التفاهمات بين دحلان و"حماس" ستؤدِّي في نهاية المطاف للتأثير على الشرعية الفلسطينية؟ قد يحصل ذلك، ولكن هذا ليس بإرادة مصرية ولا تخطيط مُتعمَّد، فالأمن القومي المصري قضية، والتزامات مصر تجاه القضية والشرعية قضية أخرى".
ويُتابع د.سويلم: "ما زال الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية يدفع باتجاه الذهاب إلى مصالحة شاملة، هذا الموقف المصري المعلَن، لكن هل ستغيب المصالحة عن المشهد الفلسطيني إذا تمَّ الاتفاق؟ أنا شخصيًّا لا أعتقد ذلك، وبرأيي أنَّ مصر ستتابع موضوع المصالحة مع كلِّ الأطراف المعنية. بالطبع، لن يتم التوافق على كلِّ الأمور، ولا يجب أن تعلَم وسائل الإعلام بكل ما يتعلَّق بالاتفاق. من وجهة نظري، فإنَّ زيارة الرئيس عبّاس الأخيرة إلى مصر وضعت الأُسُس للتفاهم بين الرئيسَين والقيادتَين، ولتكون المسائل مُنسَّقة بحيث لا تضرُّ بالقضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت تراعي الشأن القومي المصري، وباعتقادي أنَّ الاتفاق بخصوص المعابر لن يكون على حساب الشرعية، ولا يمكن أن يقوم بدون الشرعية، ولا يمكن أن يحصل بدون أن تكون الشرعية هي مَن يُقرِّر، وأرى أنَّ المصريين سيبادرون لإجراء جولات جديدة من المصالحة، بحيث تكون مسألة "اتفاق حماس ودحلان" مسألةً فرعيّةً بالنسبة لموضوع المصالحة".


"حماس" مُنقسِمة داخليًّا تجاه التحالف مع دحلان
ينوِّه د.سويلم لوجود آراء ومواقف مختلفة داخل حركة "حماس" تجاه التوافق مع دحلان، ويضيف: "هناك من يريد أن يبالغ في المسألة، ويعتبرها طوق نجاة، وهناك من يقول إنَّها من الضرورات تطبيقًا لمقولة (الضرورات تبيح المحظورات)، لأنَّهم كانوا يعتبرون محمد دحلان من المحظورات في حركتهم، وهناك من هو عقلاني، ويرى أنَّ هذه التفاهمات جيّدة إذا كانت ستحل مشكلات القطاع، لكن الحل الأفضل يكمن في المصالحة الحقيقية، وهنا نجد أنَّنا لا نستطيع أخذ موقفٍ موحَّدٍ من حركة "حماس"، وأغلب الظن أنَّ "حماس" مضطربة، وغير موحَّدة، وليس لديها رؤية متكاملة حول هاتين المسألتين".
ويختم د.سويلم حديثه قائلاً: "لا أعرف كيف ستتصرَّف السلطة الفلسطينية حيال الوضع في غزة إذا تمَّ الاتفاق، ولكنَّني أعتقد أنَّ الأمور عندما تصل للحديث عن مصالحة وطنية، فإنَّ وجود دحلان لن يكون عائقًا أمام إتمامها".
اتفاق "حماس" ودحلان مسألة أمنية مصرية
تفاهمات "حماس-دحلان" هي وسيلة لجأت إليها حركة "حماس" لفك عزلتها، كما يرى الكاتب والمحلِّل السياسي جهاد حرب. ويقول حرب: "نتيجة قصور الخدمات في غزة، مثل الكهرباء، وخدماتٍ أخرى كانت السلطة الفلسطينية تدفع ثمنها، بالإضافة إلى الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع، لجأت "حماس" لإعادة علاقتها مع دحلان لاعتقادها بأنَّ الشروط المبرمة بين الطرفَين بموجب الاتفاق من شأنها فك عزلتها، وتخفيف حدة الأوضاع في غزة".
أمَّا عن موقف مصر من الاتفاق، فيقول: "الحكومة المصرية لديها مصالح استراتيجية في قطاع غزة، وهي تتعامل مع الاتفاق من ناحية أمنية بحتة، إذ يُعدُّ القطاع عُمقًا أمنيًّا بالنسبة لمصر، وللأمن القومي المصري، وهناك حاجة مصرية لمحاصرة الإرهاب والعنف اللذين تعاني منهما، وقد يكون الاتفاق حلّاً لذلك، كونه سيحد من  تعامل "حماس" مع تنظيمات تعتبرها مصر خطرًا على أمنها، وبذلك ستضبط الحدود مع غزة، وستحدّ من تهريب السلاح للمجموعات الإرهابية. وبالتالي، فهذا الاتفاق يضمن الأمن المصري، وهو بالتأكيد لا يمنح شرعية لأحد على حساب الشرعية الفلسطينية، وهذا يعود إلى طبيعة العلاقة المصرية الفلسطينية. فالنظام المصري يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها كممثِّل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وقد جاءت دعوة الرئيس السيسي للرئيس محمود عبّاس في إطار التأكيد على الالتزام المصري تجاه القضية الفلسطينية، والتي تعتبر جوهر العلاقة، وبالتالي نلحظ أنَّ النظام المصري ممثلَّاً بالسيسي يتعامل بالملف السياسي مع السلطة الفلسطينية و"م.ت.ف، أمَّا الجانب الأمني والمخابرات المصرية فتتعامل بالملف الأمني مع "حماس" ودحلان".

ماذا لو نجح الاتفاق؟
يرى حرب أنَّ تطبيق الاتفاق بين "حماس" ودحلان سيُمثِّل عائقًا أمام إتمام المصالحة بين حركتَي "فتح" و"حماس"، ويُعدُّ انفصالاً عن الضفة الغربية، ويُعزِّز الانقسام الفلسطيني، ويضرُّ بالمصالح العُليا للشعب الفلسطيني. ويضيف: "الخطر في الموضوع هو إيجاد كيانين سياسيين في الضفة وغزة، وهذا يُحقِّق أهداف إسرائيل في فصل الضفة عن غزة بشكل كامل، ممَّا يُصعِّب الوصول إلى اتفاق بخصوص القضية الفلسطينية، ولو كانت هناك أي مبادرة، بسبب وجود قيادات مختلفة بين الضفة وغزة، ونحن هنا نتحدَّث عن إيجاد "دولة" هي أصلاً غير قادرة على الحياة لطبيعة الظروف التي يعيشها قطاع غزة، وشح الموارد التي يحتاجها للاستمرار، وهذا يُضعِف حلَّ الدولتين، بما أنَّ القرار السياسي غير موحَّد، وهو ما سيُساعِد إسرائيل على الاستمرار بالاستيطان وتهويد القدس. أيضًا ففي حال تمَّ الاتفاق، ستزداد صعوبة التنقُّل بين الضفة والقطاع، وسيُصبح توجُّه الغزيين باتجاه مصر أسهل، وهذا قد يؤثِّر، وإن لم يكن بصورة كبيرة، على العلاقات الاجتماعية بين الضفة وغزة".
وفيما يتعلَّق بموقف السلطة والخطوات التي قد تتخذها إذا ما طُبِّق الاتفاق، يقول حرب: "سيكون لدى السلطة قرار واضح بوقف كلِّ المعاملات مع قطاع غزة، باعتباره قد انفصل عن النظام السياسي الفلسطيني، وحينها سيكون على الحكومة التي تُشكِّلها "حماس" في غزة تحمُّل تبعات الانفصال كتقديم الخدمات والقضايا الحياتية للمواطنين في القطاع".
ويختم حرب كلامه بالقول: "ما يحكم السياسة هو الحديث عن المصالح. فالحديث حول الاتفاق يدور حول مصالحة مجتمعية بسبب القضايا التي سبَّبها الانقسام، لتخفيف الاحتقان المجتمعي، ولإنهاء الآثار السلبية بعدما سيطرت "حماس" على قطاع غزة بالقوة التي سالت جرّاءها دماء فلسطينية. و"حماس" هي حركة برغماتية، ويمكن أن تتحالفَ مع محمد دحلان إذا ما كان ذلك يحُلُّ مشكلاتها في القطاع، فهي تتحالف مع مَن يتناسب مع مصالحها، ويخفِّف عنها العبء في قطاع غزة".