تحقيق/ عدي غزاوي

صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الكنيست "الإسرائيلي"، على مشروع قانون يُجيز لـ"إسرائيل" اقتطاع مبالغ من الأموال التي تُحوِّلها للسلطة الفلسطينية، لمنعها من دفع رواتب لأهالي الشهداء والأسرى في المعتقلات الصهيونية. وقد استنكرت السلطة الفلسطينية هذا المشروع، كونه يهدف لتجريم الأسرى والشهداء الذين دافعوا عن فلسطين، وقرصنة مستحقاتهم التي يستفيدُ منها ذووهم أكثر منهم شخصيًّا، ويُمثّل بالتالي عقابًا جماعيًّا للشعب الفلسطيني.


اقتطاع أموال المقاصّة ليس من مصلحة إسرائيل!
بعد مصادقة الكنيست على مشروع القانون، يحتاجُ القانون إلى المرور بثلاث قراءاتٍ في الكنيست، قبل أن يصبح نافذًا. غير أنَّ هذا القانون المقترَح قد أحدَثَ ضجةً كبيرةً في أوساط النُّخب السياسية والقانونية الإسرائيلية لما فيه من ثغراتٍ قانونيةٍ، ولأنَّه قد يُعرِّض الكيان للمساءلة القانونية في المحافل الدولية. ويُوضِح المحلِّل السياسي والاقتصادي د.هيثم دراغمة أنَّ إسرائيل تعمل على محاربة الأسرى والشهداء على الصُّعد كافةً بما فيها الصعيد المالي، ويضيف: "خلال لقائه مع سيادة الرئيس محمود عبّاس، ناقش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موضوع مخصّصات الأسرى، وهذا دليل على أنَّ إسرائيل تعمل جاهدة لقطع رواتبهم، فهي ترى في مخصصاتهم فرصةً للسيطرة عليها وقرصنتها، وهذا كان واضحًا من خلال تعبئة ترامب ضدَّ الرئيس أبو مازن، حيثُ قال ترامب للرئيس: (أنتَ قُلتَ في أحد خطاباتك أنّك مع الإرهاب)، فأجابه الرئيس بأنَّ الكلام مُقتطَع من نص طويل، وقد عرضَهُ الإسرائيليون عليك ليُشوِّهوا الصورة، وعندما فشل نتنياهو بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط لقطع مستحقات الأسرى والشهداء من خلال الضغط على السلطة، لجأ إلى وضع تشريعات خاصّة بذلك، عبر محاولة إقرار قانون يُتيحُ لإسرائيل سرقة جزءٍ من مستحقات أموال الضرائب الخاصة بالسلطة، والذي يذهب إلى عائلات الشهداء والأسرى، ونحن نستطيع أن نتوجَّه إلى المؤسّسات القانونية الدولية، فمستحقات الأسرى والشهداء لم تأتِ برغبة فلسطينية فقط، بل هي جزءٌ من اتفاق أوسلو. فالجندي الإسرائيلي الذي يموت تُعطي إسرائيل راتبه لأُسرته، ونحن لا نستطيع منعها، وبالتوازي مع ذلك ليس من حقِّهم إذًا قطع مستحقات أسير أو شهيد ضحَّى من أجل الوطن، وبالتالي هذا إجراء غير قانوني، إذ لا تستطيع دولةٌ تشريعَ قوانين وتطبيقها على الدول المجاورة، فنحن دولة عضو في الأُمم المتحدة، والكثير من دول العالم تعترف بنا، لذا لنا الحرية في التصرف في أموالنا ومستحقاتنا، ولا يجوز لإسرائيل تشريع قانون يستبيح الأموال الفلسطينية، وهذا القرار لن يمرَّ مرور الكرام، والفلسطينيون لن يخضعوا للرغبات الإسرائيلية".
ويضيف د.دراغمة: "من جهة ثانية، فالأمريكيون مُتَّجهون لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني أكثر ممَّا يتوقَّع الإسرائيليون، وبتصوري أنَّه سيكون هناك انفتاح اقتصادي، وهذه نتيجة طبيعية لأي معادلة سياسية مُعقَّدة، حيث يلجأ الساسة لتحسين الوضع الاقتصادي، لينعكس على الأداء السياسي، أو لتخفيف العنف، أو لعلاج التعصب والفقر والعديد من المشكلات. وما أعنيه أنَّه حتى ولو اقتطعت إسرائيل من أموال السلطة، فإنَّ الوضع الاقتصادي لن يتأثَّر كثيرًا، عدا عن أنَّ إسرائيل لن تتمكَّن من قطع أموال المقاصة لأنَّ العقوبات التي ستنتجها هذه الخطوة ستنعكس عليها سلبيًّا، حيثُ أنَّ 70% من رواتب موظّفي السلطة الفلسطينية من المقاصة، وبالتالي المتضرِّر الأكبر هو جميع الشارع الفلسطيني، لأنَّ مفتاح الاقتصاد الفلسطيني وأداة تحريك العجلة التجارية هي رواتب الموظفين، فلا يوجد حلقة مالية أو موارد أخرى سواها، وهذا القطع قد يؤثِّر على الشارع الفلسطيني بنسبة كبيرة. وفي هذا السياق، نذكرُ تمامًا الأزمات السابقة التي لحقت بالفلسطينيين نتيجة قطع إسرائيل لأموال المقاصّة، وقد لوحظ ركود في الأسواق، وخوف من الاستثمار، وهذا القطع سينعكس بشكل سلبي على الإسرائيليين أيضًا، لأنَّك عندما تُحاصر شخصًا، ولا تترك له أي خيار، فإنَّه سيقوم بالهجوم عليك دفاعًا عن نفسه، ولأنَّه لا يوجد شيء ليخسره، فالذي يجوع سيذهب إلى اتجاهات لا تخطر على البال، والمسافة بيننا وبين الاحتلال قريبة، وهذا يعني أن تأثُّرنا في أي ناحية من نواحي الحياة سيُؤثِّر عليهم، خاصّةً أنَّ اقتصادهم يعتمد بجزء كبير علينا، وهذه الخطوة الاقتصادية ستُؤثِّر على السياسيين في إسرائيل، والجيش الإسرائيلي، فالقرار سيؤدي إلى عنف موجَّه تجاه العدو، فخسائر مالية، وبالتالي المستوى الرسمي في إسرائيل متخوّف من الخطوة كون المستوى العسكري يُحذِّر من انفجار الوضع باتخاذ هكذا خطوة".

السلطة لن تسمح بقطع مخصّصات الأسرى والشهداء
يلفت رئيس الهيئة العُليا لشؤون الأسرى والمحرَّرين أمين شومان إلى أنَّ إسرائيل دأبت منذُ فترة طويلة جدًا على محاولة قطع رواتب الشهداء والأسرى من أموال المقاصّة المستحَقّة لفلسطين من الجانب الإسرائيلي، والتي تجبيها إسرائيل من الضرائب قبل تحويلها للسلطة الفلسطينية، ويضيف: "ولكن كان هناك رفضٌ، منذ كان الشهيد ياسر عرفات رئيسًا، بأن يتم اقتطاع مستحقات الأسرى والشهداء الشهرية. فمَن تصفهم إسرائيل بالإرهاب هم مناضلون من أجل فلسطين، وهم أعضاء حركات تحرُّرية، وقد قدَّموا أرواحهم وأعمارهم فداءً للوطن، ولا يمكن أن تقبل السلطة الفلسطينية على المستويَين الرسمي والشعبي بأن تتم هذه السرقة. إلّا أنَّ إسرائيل تقوم بهذه الخطوة بضغط من المتطرّفين في الكنيست الإسرائيلي، وهذا دليلٌ على أنَّها فكرة قائمة على الكراهية، وقد وضعوا قضية رواتب الأسرى والشهداء كقضية حسّاسة تُستخدَم قبيل أي حدث مهم في إسرائيل، كالانتخابات، وكأنَّ موضوع الأسرى والشهداء دعاية انتخابية إسرائيلية، من خلال ربط الشهداء والأسرى بالإرهاب، ولذلك تصدَّت القيادة الفلسطينية للمشروع رغم تعرُّضها لضغوط أوروبية وأمريكية كبيرة، وهي صامدة، ومصمِّمة على رفض الضغوط، وهذه السرقة ليست بجديدة، فإسرائيل تقتطع أموال الكهرباء المشتراة من شركة الكهرباء الإسرائيلية من خلال أموال المقاصة من دون موافقة السلطة على ذلك، وحتى اللحظة الموقف واضح من هيئة شؤون الأسرى ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية كافةً، بأنَّها ترفض هذا النهج. وبالمناسبة فرواتب الأسرى والشهداء مصدرها الصندوق القومي الفلسطيني، وليس السلطة، وهناك قانون فلسطيني أُقرَّ عام 2012 يضمن الحياة الكريمة لأهالي الشهداء والأسرى من خلال صرف مستحقاتهم، فهي حق وليست مِنّة من أحد، ولا يحق لإسرائيل التدخُّل بها، ولكن هدف إسرائيل من هذه الخطوة هو تجريم الشهداء، وتجريم الأسرى لوضعهم في عزلة داخل المعتقلات الإسرائيلية، لتتمادى إسرائيل بانتهاكاتها بحقهم في معتقلاتها".
ويوضح شومان أنَّ "خطورة هذا القانون تكمن في العجز الذي سيحصل في الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية بمئات ملايين الشواقل، والذي سينتج من تعويض السلطة للنقص في أموال الأسرى والشهداء منها ما سيُؤدي لعجز في العديد من القطاعات، فهي لن تترك أبناء شعبها يموتون جوعًا، ولن تترك إسرائيل لتستبدَّ بهم، فهذا من الثوابت الفلسطينية، وهو حق الشهداء الذين ضحوا من أجل الوطن، وحق الأسرى الذين يشكِّلون رأس الحربة في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي".
ويُردف: "إنَّ نقطة القوة التي تجعل إسرائيل تختار هذا الطريق هي تحكُّمها بعائدات ضرائب السلطة لديها، والتي تأتي من الجمارك التي تأخذ السلطة نسبة منها، فهي ترى أنَّها تستطيع أن تأخذ ما تشاء من دون عقاب، وإذا لجأت إسرائيل لهذه الخطوة لا بدَّ من التوجه إلى جامعة الدول العربية والعديد من المؤسسات الدولية، فهناك 45 مؤسَّسة حقوقية دولية تختصُّ بهذه القضايا بين الدول، فما تقوم به إسرائيل غير قانوني، ويحق للسلطة الفلسطينية ملاحقة إسرائيل قانونيًّا عليه من خلال القوانين الدولية. أمَّا رسميًّا، فقد رفضت السلطة الفلسطينية هذه الخطوة، حيثُ أكَّد وزير الأسرى عيسى قراقع أنَّنا لا نخضع للقوانين الإسرائيلية لأنَّنا واقعون تحت الاحتلال، لذلك نحن نخضع للقانون الدولي، ولا نعترف بالقوانين العنصرية التعسفية الإسرائيلية، فما تقوم به إسرائيل هو السيطرة على أموال الشعب الفلسطيني، وهذه سرقة، وبالتالي نحن نستطيع رفع قضية إذا حُجِزَت أموالٌ تخصُّ الشعب الفلسطيني، وهذا الضغط لن يسفر عن شيء، فالعناية بالأسرى والشهداء وفرز مخصّصات لهم هو جزء من الدستور الأساسي الفلسطيني وجزء من القوانين الفلسطينية منذ إنشاء السلطة الفلسطينية. لهذا، لا يمكن الخضوع لإسرائيل، وإذا حلَّلنا الموقف هنا، فهدف إسرائيل ليس ماديًّا، بل هو وضع رموز الشعب الفلسطيني ممَّن ناضلوا ودافعوا عن الناس والوطن في دائرة الإرهاب والجريمة، وهذا خطير جدًا، فالأسرى هم أسرى حرية والمناضلون هم مناضلون شرعيون، وإسرائيل هي مَن تمارس الإرهاب بحق شعبنا الفلسطيني، كما أنَّ علينا أن نتذكَّر أن الرواتب المستحقة للأسرى والشهداء تذهب بالمعظم إلى أهاليهم فما حاجة الشهيد إلى راتب؟ الراتب يذهب للأهل كي يتدبَّروا أمور حياتهم، وهذا حقُّهم الشرعي والإنساني، فلا تستطيع الدولة التخلّي عن ضحايا الاحتلال من مواطنين تابعين لها، وهذا العدوان هو عدوان ليس فقط على الشهداء والأسرى، بل على كلِّ الشعب الفلسطيني وعلى نضاله وتاريخه، وأفضل شيء هو أن نستمرَّ في الدفاع عن حق أهالي الأسرى والشهداء، فالموضوع مبدئي يتعلّق بالكرامة، وأي تنازل عن هذا الموضوع يُترجَم أنَّ كلَّ فلسطيني قاوم الاحتلال يصبح في نظر المجتمع الدولي إرهابيًّا".
ويختم شومان كلامه قائلاً: "مَن تابع نتائج الإضراب الأخير للأسرى يرى كمَّ الإجرام الإسرائيلي. فقد تكشَّفت العديد من الجرائم بحقِّ الأسرى والحالات الصحية السيئة في صفوف الأسرى بسبب الوحشية التي مُورِست بحق الأسرى خلال الإضراب، فهناك حالات بين الأسرى مصابة بأمراض صعبة كأمراض الرئة وأمراض القلب والدماغ في بعض الحالات، وهي أمراض تُهدِّد الحياة، إضافةً لإجراء العديد من الأسرى عملياتٍ في القلب، والرئتين، والأمعاء، وما زال عدد منهم على أسرة الشفاء، وهذا يدل على مدى الوحشية القاتلة التي تعاملت بها إسرائيل مع الأسرى من خلال الضرب، والعزل، ومصادرة الملح، وكادت أن تُوقِع شهداء في صفوف الحركة الأسيرة، ونحن نناشدُ كلَّ الجهات للكشف عن هذه الممارسات اللاأخلاقية بحقِّ الأسرى خلال الإضراب".