تحقيق: غادة أسعد

تُعَدُّ المؤسسات التعليمية الأكاديمية في أراضي الـ48 إحدى أبرز ساحات الاحتكاك والتعاطي المباشر ما بين فلسطينيي الداخل والإسرائيليين. وتتبدَّى العنصرية والتمييز ضدَّ الفلسطينيين في المؤسّسات الأكاديمية الإسرائيلية، من طلابٍ ومحاضرين، ضمن مجالَين أساسيين، هما: العنصرية والتمييز من قِبَل المؤسسة نفسها من جهة، والعنصرية الممارسة من قِبَل الطلاب والمحاضرين في المؤسسات الأكاديمية من الجهة الثانية.

مظاهرُ العنصرية في الجامعات
يحصل في الجامعات اللقاءُ الأوّلُ للطلاب الفلسطينيين في الداخل مع اليهودي بشكلٍ مباشر، بعد إنهاء المرحلة الثانوية، حيثُ يختبر الطلاب طريقةَ وأسلوبَ تعاملِ المؤسّسة الأكاديمية الإسرائيلية معهم عبر موظَّفيها، إلى جانب لقائهم الطلاب اليهود، الذين يدرسون في هذه المؤسّسات، والذين يُمثِّلون بشكل أو بآخر، المجتمع اليهودي والتوجّهات العنصرية.
وتظهرُ سياساتُ التمييزِ المنتهَجَةُ من المؤسّسة نفسها في اعتمادها اللغة العِبرية لغةً للتعليم، إذ بالرغم من كون اللغة العربية لغةً رسميةً في الداخل المحتل إلّا أنَّها لم تعتمَد كلغة للتعليم، وحتى أنَّ المحاضرين الذين يرغبون في أن يُدرِّسوا المساقات باللغة العربية وطلابهم كلّهم عرب لا يستطيعون ذلك إلّا بإذن من الجامعة، ومن ثُمَّ مجلس التعليم العالي، بالإضافة إلى أنَّ عدم وجود اللغة العربية في الحيّز العام الذي يحيط بالطلبة (عدم استخدامها في البرامج والمواقع الإلكترونية الأكاديمية، عدم التحدُّث بها في حرم الجامعة ومساكن الطلاب، ...) يُشعر الطلاب بنوع من الغربة.
كذلك تبرزُ أوجهٌ أُخرى من التمييز، ولا سيما في موضوع مساحة العمل السياسي، وحُريّة التعبير عن الرأي في الحرم الجامعي، خاصّةً من جهة بعض المحاضرين ومديري الأقسام، الذين لا يتوانون عن تعزيز وتقديم الخطاب الصهيوني، مقابل تقييد حرية الفلسطينيين في التعبير. أمَّا الـمِنَح التعليمية، فتُمثِّل بدورها تحدِّيًا للطلاب العرب، إذ من المعلوم أنَّ الحصول على كثيرٍ من الـمِنَح، وأحياناً السكن الجامعي، يشترط الخدمة في الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يحرِم الطلاب الفلسطينيين من الـمِنَح، ويضطَّرهم للعمل، لتغطية تكاليف دراستهم وسكنهم.

ضرورة معالجة مشكلة العنصرية ضد الطلاب العرب
نتائجُ مقلقةٌ كُشِفَ عنها مؤخّرًا تُفسِّر ابتعاد الطلاب العرب عن الأكاديميات الإسرائيلية، إذ نشرَت وسائل إعلام إسرائيلية نتائج استطلاعٍ للرأي شمل 1300 طالب عربيّ من عدة مؤسّسات إسرائيلية للتعليم العالي، أظهرت أنّ 50% منهم يواجهون مظاهرَ عنصريةً وتمييزًا خلال مرحلة الدراسة الجامعية، وأنَّ نحو 40% تحدَّثوا عن تعابير عنصرية تصدر عن أعضاء الطاقم الأكاديمي. وبيَّن الاستطلاع الذي أُجريَ من قِبَل معهد "هغال هحداش" (الجيل الجديد)، بناءً على طلب نقابة الطلاب و"مبادرات صندوق إبراهيم"، أنَّ غالبية مظاهر العنصرية ضد العرب في الأكاديميات تصدر من جانب طلاب آخرين، وبعضها يصدر عن أعضاء في الطاقم الأكاديمي، وأنّ ثلث الطلاب الذين شاركوا في الاستطلاع أشاروا إلى أنَّ المؤسّسات الأكاديمية التي يدرسون فيها لا تُقدِّم لهم تسهيلاتٍ تساعد على الاندماج، حتى في فترة الأعياد أو خلال شهر رمضان. وقال نحو 30% من الطلاب إنَّهم لا يستطيعون التقدُّم لطلب مِنَح دراسية لكونهم لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي.
وتعقيبًا على نتائج الاستطلاع قال مدير "الائتلاف لمناهضة العنصرية" المحامي نضال عثمان: "إنَّها معطياتٌ مؤسِفةٌ فعلاً، تُشير إلى حالة الاغتراب التي يعاني منها الطلاب العرب في المؤسّسات الأكاديمية الإسرائيلية، علمًا أنّ هذا الحيِّز يجب أن يكون فرصةَ لقاءٍ لطلابٍ عرب ويهود يحملون نفس الهَم، ويتشاطرون المشاكل والتحدِّيات الأمر الذي يُعزِّز الحياة المشتركة. لذا نعملُ في "الائتلاف لمناهضة العنصرية" على دعم المشاريع والمساهمة من أجل تعزيز الحياة المشتركة في هذه المؤسسات".
وبدوره، يلفت مدير قِسم التربية في جمعية "حقوق المواطن"، المحاضر في جامعة "تل أبيب"، شرف حسّان، في هذا السياق إلى ضيق مساحة الحريات الممنوحة للطلاب والأكاديميين العرب في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، ويستنكر المسَّ الذي تقوم به السلطة الإسرائيلية بحُريّة التعبير لمعلِّمين عرب ويهود، وتحريضَ مجموعات يمينية متطرِّفة ضدَّ معلمين طرحوا وجهات نظر داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وتجرّؤوا على ذكر النكبة، أو معارضة الاحتلال في دروسهم.
ويُضيف: "لليهودي والصهيوني مُتَّسع من الحُريّات في الحيِّز العام، وهذا وضعٌ غيرُ مريح، وغير ملائم لأجواء أكاديمية، فبدلاً من توفير إطارٍ حقيقيٍّ من حرية التعبير ومساواةٍ حقيقيةٍ بين جميع مَن هُم داخل الجامعة، يتمُّ التمادي بالمشاريع العنصرية، وذلك على الرغم من وجود عدة مبادرات في الآونة الأخيرة لمعالجة مثل هذه الظواهر، ولكن هذه المبادرات هي رمزية وغير كافية. لذا فالمطلوب اليوم معالجة أشكال التمييز في قوانين الجامعة، وفي آليات القبول والمنح والمساعدات وغيرها، وانتهاج وسيلة لتعويض الطلاب العرب عن النقص مقارنة مع الطلاب اليهود، إضافةً إلى بلورة برامج ملائمة لاستيعاب الطلاب العرب على مستويات مختلفة داخل الجامعات والكليات، كما يجب التشديد على مجابهة العنصرية الـمُمَارسة من قِبَل المحاضرين أو الجهاز الإداري، وكذلك الشروع بحملات توعية لمعالجة العنصرية بين الطلاب عمومًا".

من المدرسة للجامعة، العنصرية ستتبعك
من جهته، يرى رئيس "المركز العربي للحقوق والسياسات (دراسات)"، المحاضر في جامعة "حيفا" وكلية "تل حاي"، د.يوسف جبارين أنَّ العنصرية ضد الفلسطينيين لدى دولة الاحتلال متأصّلة ومستشرية على الصُّعد كافةً، ويقول:"لا يقفُ التمييز العُنصري بحق المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل على الجوانب الاقتصادية، والسياسية، والقومية، والعرقية، وإنَّما يتخطّاه ليشمل أيضًا الجوانب الثقافية، والعِلمية، والأكاديمية، حيثُ يُعاني جهاز التعليم داخل المجتمع العربي من التمييز المُجحِف منذ المراحل المبكرة التي تسبق المدرسة وصولاً إلى مؤسَّسات التعليم العالي، وما يتبع ذلك من إيجادِ فرصٍ للعمل".
ويتابع: "في الجانب التعليمي تتجلَّى مظاهرُ التمييز بوضوح، على مستوى الميزانيّات المخصَّصة للبُنى التحتية للمدارس، وجودة الأبنية والتجهيزات في المدارس العربية، مرورًا بكلِّ ما يتعلَّق بقضية مناهج التعليم المتنكِّرة لهُويّة الطالب الوطنية، ولأدبه وتراثه الفلسطيني. الأمر الذي يتمثَّل بالأساس في استثناء التعليم باللغة العربية".
وحول الأسباب والدوافع لانتهاج أسلوب التمييز بحق الطالب الفلسطيني، يقول د.جبارين: "أعتقدُ أنَّ الأسباب الرئيسة لانتهاج هذا الأسلوب تعود لسُلَّم الأولويات الذي تتبعه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لخدمة الطالب اليهودي، وتحضيره لقيادة هذه الدولة، وفي المقابل تنتهجُ المؤسّسات سياساتٍ عنصريةً بشكل واضح ضدَّ المواطن العربي، وهذا على مستوى الحقائق، باعترافٍ من مراقب الدولة، وإقرارات حكومية، ومحكمة العدل العُليا، واستنادًا لأبحاث أجراها زملاء يهود، إذ تُشير إلى أنَّ العديد من الطلاب الفلسطينيين يحصلون على خُمسِ ما يحصل عليه الطالب الإسرائيلي من الخدمات التربوية، الأمر الذي يوضح أنَّ هذا الفرق أو هذا التمييز ليس وليد الصدفة، وإنَّما هي سياسة مقصودة تمنح الأفضلية الأولى للطالب الإسرائيلي، وتُبقي الطالب العربي على هامش توزيع الموارد والميزانيات".
ويُشير د.جبارين إلى أنَّ الأبحاث تدل على علاقة واضحة بين الموارد التي تُرصَد وتستثمَر في التعليم، وبين النتائج، مضيفًا: "لا يُمكننا أن نفصِلَ بين أمرين مُهميّن، هما التمييز في الموارد، وإسقاطاته على نتائج الطلاب العرب، والتي تنعكس في عدم الحصول على فرصة لدخول الجامعات، التي يُشكِّل الطلاب العرب فيها نحو 10% في الجامعات، و6% في الكليات، ومع هذا ما زلنا بعيدين عن نسبتنا في تعداد السُكان التي تصل إلى نحو 20%، كما أنّ الجانب المادي مُهم، والنقص في الأبنية التعليمية في المدارس، هي بداية المشكلة، لأنَّ الاكتظاظ في المدارس، والأجواء الدراسية الصعبة، تؤدِّي إلى نتائج متردية في التحصيل!".
وفي خِضَمِّ هذه العنصرية، تبرزُ بعض المبادرات والجهود من عددٍ من المحاضرين والجامعات لتطوير برامج لتقوية الطلاب العرب في اللغة العبرية، وبرامج تحضيرية لبعض التخصُّصات، مما يُسهِّل عليهم العملية التعليمية، وهو ما بادرت إليه بعض المؤسّسات الأكاديمية في إسرائيل، كما في كلية الطب في بئر السبع، وغيرها. ويبقى القول إنّ الموضوع – المتعلِّق بتعاون الجامعة والمؤسّسة وتحسين ظروف استيعاب الطلاب- مرتبط بشقّه الأكبر ببعض المحاضرين، ولا سيما العرب، وبينهم بروفيسور يوسف جبارين في معهد "التخنيون" في حيفا، الذين يقومون بهذه المبادرات سعيًا لتحسين الظروف التعليمية للطالب العربي في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.