هلت  ذكرى ثورة تموز/ يوليو 1952، التي قادها مجموعة من الضباط الأحرار في مصر ضد النظام الملكي، وشكلت تلك الثورة العظيمة تحولا إستراتيجيا في مسار مصر العربية وعموم العالم العربي، حيث أمست أحد روافع التحرر الوطني لشعوب الأمة العربية وقارات افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وكان لزعيمها الخالد جمال عبد الناصر دورا ملهما ومبدعا في تعميم وإشاعة رسائل الثورة الشعبية، والإنعتاق من عبودية الأنظمة الرجعية والإستعمار القديم على حد سواء.
وكان لفلسطين ونكبتها الدور الحاسم في بلورة خيار الثورة المصرية العظيمة. وإستمرت قضية العرب المركزية هاجسا أساسيا في أجندة كل القيادات المصرية، التي تولت الحكم بعد الزعيم عبد الناصر، لكن حتى اللحظة الراهنة (وعلى اهمية كل الرؤساء بالنسبة للشعب المصري، وليس للشعوب العربية، لإن هناك الكثير مما يمكن قوله عن كل زعيم مصري بتفاوت طبعا بإستثناء مرسي المخلوع) لم تحظ مصر بقامة قيادية تتمثل الراحل العظيم ابو خالد. وعلى اهمية ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون ثاني 2011، وثورة الثلاثين من يونيو / حزيران 2013 بالنسبة لكفاح الشعب المصري، غير أن لثورة 23 يوليو 1952 نكهة مختلفة، وطابعا متميزا مع ان من قادها مجموعة من الضباط الاحرار، ولاحقا تبنتها الجماهير الشعبية المصرية مع سن قانون الإصلاح الزراعي، والتصنيع، وتعزيز إستقلالية القرار الوطني المصري، وبناء السد العالي، وتأميم قناة السويس عام 1956، ومواجهة العدوان الثلاثي ايضا في إكتوبر 1956، واللجوء للتسلح من المنظومة الإشتراكية، ودعم قوى الثورة العربية في فلسطين والجزائر واليمن والعراق والوحدة مع سوريا 1958/1961 وليبيا .. إلخ
في الذكرى ال65 لثورة عبد الناصر، ورغم كل الأخطاء والهزائم، التي لحقت بنظامها السياسي حتى العام 1970، إلآ انها كانت تحمل معها شعاع الأمل دائما لكل العرب، وليس للمصريين فحسب، وشكل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر صمام امان لمناعة الثورة وتحديها لإرادة الإستعمار بكل اشكاله وتلاوينه، ورفض التلاعب او المساومة على مصير القضية والثورة الفلسطينية، عندما رفض إقتراحا أميركيا في اعقاب هزيمة حزيران/ يونيو 1967، كما ذكر الدكتور جورج حبش نقلا عن عبد الناصر نفسه، يتضمن "تمكين مصر من تحقيق نصر عسكري ضد إسرائيل، يعيد لها إعتبارهاونفوذها ... وإسترجاع الأراضي، التي فقدتها في تلك الحرب، على ان تتخلى كليا عن موضوع فلسطين ودعم الثورة الفلسطينية". لكن الزعيم القومي العربي الأصيل رفض ذلك الإقتراح، حسب ما جاء في مذكرات المناضل صلاح صلاح بعنوان ( من ضفاف البحيرة إلى رحاب الثورة/ ص 339/ دار الفارابي/ بيروت/ الطبعة الأولى أيار 2016) ولكن بعد رحيل زعيم الأمة العربية سقطت القلاع العربية واحدة تلو الأخرى، وبدأت مرحلة من الضياع المتدحرج، تجلت بإنعدام الثقة والأمان في منظومة أهل النظام الرسمي العربي، حيث باتت القضية الفلسطينية محل مساومة وبيع ومتاجرة. إلآ ان الشعب العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية تصدت، ومازالت تتصدى بحزم لكل المحاولات العبثية، التي يخطط لها بعض العرب الرسميين. كما ان الرهان سيبقى على الأشقاء العرب حملة لواء القومية العربية، الذين رفضوا ويرفضون المتاجرة بقضايا الأمة وخاصة قضية فلسطين وشعبها.
ثورة يوليو المصرية العظيمة ستبقى نموذجا حيا لروح القومية العربية، وعنوانا يحتذى للنهوض بشعوب وقوى الأمة الحية وفق معطيات اللحظة السياسية الراهنة، وبإصباغ الطابع الديمقراطي عليها. وسيبقى الرجاء معلقا على ثورة الثلاثين من يونيو 2013 كي تكون الإمتداد الطبيعي لثورة يوليو الناصرية. لما لذلك من اهمية إستراتيجية لقيادة الثورة المصرية والعربية على حد سواء.