بقلم: أكرم عطا الله

لم تتم إثارة قضية حكم المواطن الفلسطيني عبد الكريم أبو حبل، والذي حكمت عليه محكمة نمساوية، الأسبوع الماضي، بالسجن المؤبد، لا من قبل السلطة الفلسطينية ولا من قبل حركة «حماس» التي ينتمي لها الشاب، فأن يعتقل فلسطيني في دولة أوروبية ويودع السجن لسنوات طويلة بسبب كفاحه ضد إسرائيل كان يجب أن يقيم الدنيا ولا يقعدها.

الأمر لم يكن أكثر من خبر عابر في وسائل الإعلام التي تناقلت الحكم عليه مع أسباب الحكم والمتعلقة بالعمل ضد إسرائيل، في سابقة أصبحت تنوب فيها دول أوروبية ذات استقلال عن أجهزة الأمن والقضاء والمخابرات الإسرائيلية. وما يثير الأمر هو أن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتطلب حياد دول العالم على الأقل إذا لم تقف مع الضحية، لكن أن تتبنى الرواية الاسرائيلية وتضع دولة أوروبية مثل النمسا نفسها في خدمة الأمن الإسرائيلي فهذا عار كبير عليها ويجسد موقفاً ينحاز ضد الشعب الفلسطيني وكفاحه.

في حيثيات لائحة الاتهام التي أرسلتها لي عائلة السجين، لم تخجل دولة النمسا أن تكتب بالنص: «تم القبض عليه يوم 17/6/2016 في عملية مشتركة بين سلطات الأمن النمساوية وسلطات الأمن الاسرائيلية». وجاء أيضاً في حيثيات الحكم في اللائحة: «ليس لعبد الكريم أبو حبل سابقة قضائية وعلى كل حال فإنه يظهر توجهه الإرهابي وانتماءه إلى تنظيم «حماس» منذ فترة من الزمن، أي منذ كان عمره 14 عاماً اعتقل لمدة 9 سنوات. وحسب ما يظهر وكأن عقوبة السجن في إسرائيل لم تمنعه ولم تردعه عن تكرار نفس الجرائم، وحسب المستجدات الجديدة لجهاز الأمن الإسرائيلي «الشاباك» في المحضر رقم 14-30».

هذا ما ورد في النصوص القضائية ويحمل مدلولات خطيرة، حيث تتجند هذه الدولة «النمسا» لصالح مؤسسة الأمن الاسرائيلية، إذ تعيد محاكمة فلسطيني حارب ضد الاحتلال كما نصت كل القوانين الدولية؛ لأنه «لم يرتدع من السجن الإسرائيلي» وبذلك فإنها تعلن انحيازها الكامل إلى جانب دولة الاحتلال، وفي هذا ما يستدعي النظر لهذه الدولة ولطبيعة علاقة الشعب الفلسطيني بها، حيث موقفها الواضح كمدافعة عن الاحتلال، أما حين يتعلق الأمر بالجرائم الإسرائيلية يتم تهريب أي مسؤول إسرائيلي من أي دولة أوروبية حتى لا يحاكم.

خطورة النص أنه يصم الكفاح الفلسطيني بالإرهاب. والمسألة هنا لا تتعلق بحركة «حماس»؛ لأن ما قام به عبد الكريم ينطبق على كل الفصائل والقوى الفلسطينية المقاتلة، إنه يتعلق بأدوات الفلسطيني في النضال ضد دولة محتلة. من حقنا نحن أن نقول ما نريد عن حركة «حماس» وعن سوء إدارتها وحكمها وارتكابها للعديد من الأخطاء والخطايا وأولها جريمة الانقسام وما رافقها. هذا شأننا ولكن حين يتعلق الأمر بدولة خارجية مثل النمسا وغيرها فإن الأمر يعني محاكمة الكفاح الفلسطيني ورغبة الفلسطينيين بالتحرر من إسرائيل وحلمهم بالاستقلال وإدانة لأدوات كفاحه، وهذا أمر يثير الشبهة في سلوك دولة مثل النمسا ويستدعي تصنيفها كدولة داعمة للاحتلال وقيمه، بعيداً عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وادعاء العدالة الإنسانية.

قصة أبو حبل يجب أن تستوقف الكل الفلسطيني؛ لأن أي فلسطيني قاتل ضد الاحتلال أصبح مهدداً بالاعتقال إذا ما سافر إلى هذه الدولة وربما دول أخرى تحذو حذوها، لا أحد يعرف. يجب أن تستوقف السلطة وحركة «حماس» والشارع الفلسطيني الذي يتوق للاستقلال ويقدر مناضليه، فلا يجب أن يترك من ضحى بسنوات عمره من أجل الشعب وعندما يتعرض لمحنة لا يجد من يقف معه.

السلطة مدعوة لإجراء الاتصالات اللازمة، والعمل على ضمان عودته لأطفاله بكل الوسائل. فهذه مسألة تتعلق بحرصها وعملها كراعٍ لكل الفلسطينيين أينما وجدوا، ولنا سفارة وسفير عليهما ضمان إطلاق سراحه؛ لأن هناك خوفاً من تسليمه لإسرائيل ولا نريد أن تتكرر قضية عمر النايف الذي اغتاله الموساد في بلغاريا، وأيضاً قضية خطف المهندس ضرار أبو سيسي. فالفلسطيني ليس رخيصاً إلى هذه الدرجة، وله نظام سياسي ورئيس وسلطة وأجهزة وسفارة وعلاقات خارجية.

المقارنة جارحة مع إسرائيل. فقط، الأسبوع الماضي، قام حارس إسرائيلي بقتل مواطنين أردنيين، جعل دولة إسرائيل تقف على قدميها لضمان عودة هذا القاتل، وتمكنت من إعادته خلال 48 ساعة، ونحن لسنا أقل منهم أو يفترض ألا نكون أقل. فالمواطن لدينا هو رأسمالنا الوطني في إطار مشروعنا الطويل ويجب ألا نفرط به وبكرامته وحريته، وخصوصاً أن ما يحاكم عليه هو الثمن الذي دفعه كفاتورة كفاحنا الطويل.

لا يجوز ترك العائلة وحدها في هذا الظرف العصيب تراسل الصحافة وترسل نداءات للكتاب لإثارة القضية والضغط لإطلاق سراحه، فهذا أمر مخجل ويشكك في كل مؤسساتنا وأجهزتنا وفصائلنا وسفاراتنا؛ لأن كل الأبناء الذين ذهبوا للقتال ضد الاحتلال ذهبوا لمهمة وطنية أولى. يجب استنفار الوطن لضمان عودتهم، لا تركهم يواجهون مصيرهم في سجون أوروبا، لتسجل إسرائيل انتصاراً جديداً علينا، وعلينا جميعاً أن نقنع النمسا بأن الأمر أخطر مما تتصور فهذا مساس بحقنا وروايتنا التاريخية لن نسلم به.