بقلم: عمر حلمي الغول

شهدت مدينة القدس الجمعة الموافق 14 تموز الحالي عملية فدائية، نفذها ثلاثة شبان من مدينة ام الفحم في المثلث، إدت إلى إستشهادهم في باب الأسباط وداخل باحات المسجد الأقصى، وسقط إثنان من الشرطة الإسرائيلية ايضا من ابناء الشعب الفلسطيني من قريتي حرفيش والمغار. وتبين ان المنفذين للعملية يمتلكوا اسلحة كارلو ستاف ومسدس. نتج عن العملية فضلا عن تحريض اردان، وزير الداخلية على الرئيس ابو مازن، وأعتبره، بأنه المحرض الرئيس على العمليات؛ إعلان السلطات الإسرائيلية أغلاق ابواب المسجد الأقصى، وهي المرة الأولى منذ خمسين عاما، اي منذ الإحتلال في الرابع من حزيران 1967؛ وتم تحويل القدس لثكنة عسكرية؛ واعتقالها الشيخ محمد حسين، مفتي القدس لمدة خمس ساعات بذريعة، انه حرض المصلين على عدم الإنصياع لتعليمات المؤسسة ألمنية الإسرائيلية.

وقبل نقاش ردود الفعل الإسرائيلية  ومالآتها، فإن الضرورة تملي الحديث عن اسباب ودوافع الشباب الفلسطيني لتنفيذ العمليات الفدائية. السبب الرئيسي والمباشر، هو الإحتلال الإسرائيلي، وسياسة التمييز العنصرية، التي تعتبر أعلى اشكال الإرهاب. لاسيما وان سلطات الإستعمار الإسرائيلي وقطعان المستعمرين تنتج على مدار الساعة كل عوامل الرفض لسياسة الإرهاب الإسرائيلي المنظم، وعدم الإذعان لسياسات تكميم الأفواة او هدم البيوت او الإعتقال وحتى القتل بدم بارد من قبل منتسبي مؤسسات دولة الإستعمار العسكرية والأمنية، ولا حتى الضرائب والغرامات المرتفعة وغيرها من الإنتهاكات الخطيرة، وجميعها لا تفت في عضد الكفاح الوطني الفلسطيني.

إذا لو فكر اي قائد إسرائيلي بغض النظر عن موقعه السياسي في الحكومة ام في المعارضة أو في اي حزب كان، ما هي النتيجة، التي جلبها الإستعمار الإستيطاني لهم، وهل الشعب الفلسطيني استسلم او يمكن ان يستسلم او يمكن ان يقبل بخيار الترانسفير او بأنصاف الحلول ك"دولة غزة" و"كانتونات الضفة" او "الدولة ذات الحدود المؤقتة" او الحل الإقتصادي او الأمني؟ وما هي المؤشرات الدالة على ذلك؟ وهل يعتقد الإسرائيليون أن مشروعهم الإحلالي والإقتلاعي يمكن ان ينجح في الجزء المتبقي من فلسطين المحتتلة في الخامس من حزيران 67؟ وعلى ماذا يراهنوا أكثر مما فعلوا وإجتاحوا ودمروا في حروبهم المتواصلة وإعتقلوا وإقتعلوا ودمروا من البيوت والشجر والمؤسسات ؟ بالتأكيد لو وجد حد أدنى من الرؤية العقلانية المستندة للمنطق، لغيرت القيادات الإسرائيلية والأميركية توجهاتهم. وقبلوا بخيار السلام ودفعوا إستحقاق حل الدولتين على حدود الخامس من حزيران 1967. وقبلوا ضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194. لكن همجيتهم وعنصريتهم وفاشيتهم المتصاعدة، تمنع عنهم الرؤية السليمة والواقعية لسياق تطور الأحداث. ولهذا ستستمر حالة الفوضى والعنف، لإن الإحتلال والإستيطان الإستعماري والانتهاكات العنصرية في داخل إسرائيل والقدس والأراضي المحتلة عام 67 ضد الفلسطينيين في تجمعاتهم المختلفة، لن ينتج عنه سوى مزيد من النضال ضد سياسة القهر والتغول الإستعماري، حتى تحقيق الأهداف الوطنية والسياسية.

لكن والمرء يترحم على شهداء العملية في باب الإسباط. وتأكيده على القناعة الراسخة، ان الشعب العربي الفلسطيني شعبا واحدا وموحدا بثقافة وهوية وطنية واحدة، إلآ ان شروط نضاله من تجمع لآخر مختلفة، ففي ال48 النضال من اجل المساواة، هو النضال الأمثل والأكثر ملائمة لإبناء الشعب هناك لتحقيق الهدفين: الأول المساواة في المواطنة؛ والثاني دعم كفاح ابناء الشعب في ال67 والشتات لتحقيق هدف السلام وبلوغ خيار حل الدولتين على حدود ال67. وبالتالي من ساهم في دفع الشباب الإبرياء لتنفيذ العملية، ومدهم بالسلاح، يبدو ان له خلفيات غير بريئة، وتستهدف ابناء الشعب في المثلث والنقب والجليل والساحل، بالإضافة إلى تقديم خدمة مجانية لإئتلاف اليمين المتطرف والحريديم لإرتكاب جرائم بشعة قد تصل لتدمير المسجد الأقصى. وبالتالي إذا دققنا في ابعاد ما حصل الجمعة الماضي نلحظ انه خطير، ولا يحقق الأهداف المرجوة. لماذا نعطي نتنياهو اسلحة وذرائع لتنفيذ مآربه الخطيرة ؟ لماذا لا نختار الأسلوب الأمثل والأقدر على فضح وتعرية نتنياهو وبينت وليبرمان وكل عصابة المستعمرين في الحكومة؟

الدرس الأهم من العملية الفدائية، هو إعادة نظر في السياسات الكفاحية لكل تجمع بما يؤمن مصالح هذا التجمع او ذاك ومن موقع الدفاع عن الكل الفلسطيني. وأما قرار إغلاق المسجد الأقصى، فإنها ليست عملية طارئة او ردة فعل آنية، بل هي سياسة مدروسة، ومقدمة لخطوات أكثر خطورة تستهدف المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وحرف النضال عن مساره الصحيح باتجاه الحرب الدينية. وهذا امر مرفوض وغير مقبول. وعلى الكل الفلسطيني التصدي له، وقطع الطريق على اهداف إسرائيل الخبيثة.