مع إشراقة الشمس وزقزقات العصافير، نفضت أم نور الغبار عن وسادتها وذهبت مسرعة كعادتها لتيقظ ابنتها، وتنطلق في رحلة مليئة بالأشواك.
استقلوا السيارة ومضوا في طريقهم ووصلوا إلى معبر بيت حانون/ إيرز لينتظروا لساعات طويلة ليسمح بعدها لهم بالدخول إلى غرف التفتيش، ثم ينطلقون إلى المستشفى حيث الألم.
نظرت حنان المصابة بمرض السرطان منذ سنوات بعيونها إلى السماء حيث العدالة الإلهية توحي لها أن الله أراد الخير لها وإن لم تسعد بالدنيا بسبب ما تعانيه من مرض فإن الله سوف يتغمدها برحمته وعنايته.
بعد خروجها من غزة المحاصرة وتخطي حاجز الموت وصلت إلى مستشفى بيلنسون في مدينة القدس المحتلة وفور دخولها نظر إليها الأطباء بشفقة لما آل إليه وضعها الصحي فيما كانت نظرات حنان مليئة بالإصرار.
دخلت الغرفة وجلست على السرير الأبيض لتتلقى العلاج وكعادتها تمسك بريشة وألوان لترسم لوحاتها الإبداعية والأطباء يعطونها الجرعات الكيماوية.
بعد دقيقة دخل طبيب أمريكي من أصل يهودي، وبدأ ينظر بدهشة لحنان قائلاً لها: نحن الأطباء عندما يوضع ملفك بين أيدينا نشعر بالخوف لتغلغل المرض بجسدكِ وأنتِ تضحكين وترسمين والموت ينتظركِ أيعقل ذلك؟
قطعت كلامه حنان بابتسامتها لتقول: أنا مؤمنة بالله رب العالمين؛ فرد الطبيب: ولكن ليس إلى هذه الدرجة، فالله رب المسلم والمسيحي.
فردت حنان أنا مؤمنة ولست قانطة من رحمة الله، فالكل يكون مؤمن بالله؛ ولكن نحن المسلمون نؤمن بالله ولا نقنط من رحمته وأضع ثقتي بالله أنه طالما أعطاني القوة سوف أبقى مؤمنة بتقديم أفضل ما لدي لنشر الإسلام.

فغادر الطبيب والدهشة تسيطر على ملامحه
واصلت حنان الرسم على لوحتها لتتحدى أنين المرض وبعد الانتهاء من الرسم بدأت تقرأ القرآن الكريم مع والدتها.
وفجأة سمعت حنان وأمها التي تجلس بجوارها صرخات إحدى مريضات السرطان نيفين في السرير المقابل لها بنفس الغرفة، تدفع الأطباء لمساعدتها ولكن دون جدوى.
مما حدا بالأطباء بعد رؤيتهم صلابة وقوة حنان في تحدي المرض أن يطلبوا منها مساعدة تلك المريضة، حيث إنها تعاني من انهيار عصبي نتيجة تغلغل السرطان بجسدها.
توجهت حنان لتلك المريضة لتساعدها وتصبرها؛ ولكنها استقبلتها بغلظة غادرت حنان والابتسامة ترتسم على محياها.
بدأت نيفين تنظر من تحت الغطاء نحو حنان لتجدها تارةً تصلي وتارةً أخرى وهي تقرأ القرآن وبعدها تواصل موهبتها بالرسم مندهشة  فتوجهت إلى حنان وجلست معها.

لتقول نيفين حنان جئتي لمساعدتي ونحن أخبرونا عنكم أنكم إرهابيون ومجرمون وتقتلون أطفالاً إسرائيليين فهل هكذا هو الإسلام؟ وتكمل نيفين فمساعدة الناس وخدمتهم لا تجتمع مع القتل والإرهاب.
بأسلوب بسيط وبطريقة متواضعة بدأت حنان تشرح لنيفين الإسلام وحقيقة الأمور أن الفلسطينيين ليسوا بإرهابيين ولا قتلة؛ بل نحن من أمة الرسول محمد صلى الله عليها وسلم- الذي جاء إلى الأمة ليخرجها من الضلالة إلى النور بالكلمة الطيبة وليس بالسيف.
فاليهود احتلوا أرضنا وشردونا وقتلونا ونحن ندافع عن أنفسنا بأبسط الإمكانيات.
أما عن المرض فأنا أعاني مثلكِ من السرطان؛ ولكن إيماني بالله يعطيني شعوراً بالراحة والسكينة؛ مما يدفعني إلى الصبر والاحتساب بقضاء الله تبارك وتعالى.
تفتح نيفين قلبها لحنان والدموع تتساقط من عيونها قائلة: أنا ملحدة ولا أؤمن بوجود الله؛ ولكني عرفت حقيقة الإسلام والرسالة السامية التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليها وسلم، من خلال حديثك يا حنان.
تعالت الابتسامة بينهم وأصبحت صديقة وطلبت نيفين من حنان أن تجرب لبس الحجاب فخلعت حنان حجابها بعد أن أغلقت باب الغرفة وارتدت نيفين الحجاب وقالت: لا أشعر بالخوف؛ بل بالراحة بعد ارتدائه.
استطاعت حنان بكل بساطة أن تخرِج نيفين من وحل الألم واليأس لتثبت لها أن الإنسان المؤمن بربه حقاً يشعر في بعض الأحيان بالخوف؛ ولكنه لا يقنط أبداً من رحمة الله التي وسعت كل شيء.
وأن الإنسان يجب أن يكون رسولاً أينما كان في نشر الإسلام بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة.