بعد محاولاتها المستمرة منذ عشر سنوات لإيجاد فرصة عمل في التخصص الذي أحبته، وإيمانها الداخلي بموهبتها وشغفها بالفن والرسم، قررت إيمان كليب (32 عاما)، تحدي كل الظروف بممارسة هوايتها من داخل منزلها، فرسمت ما يزيد عن 200 لوحة فنية، وشكّلت العديد من القطع الفنية بطرق يدوية بسيطة.

عاشت كليب في قرية حارس، إحدى قرى محافظة سلفيت، طفولة مولعة بالرسم ولصق الأوراق واللعب بالألوان وصنع ألعابها بيديها، حتى كبرت والتحقت بكلية الفنون الجميلة في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، فاكتسبت منها الهوية الفنية الحقيقية وأصبح لها أسلوبها المميز والذي انعكس فيما بعد على لوحاتها ومنتجاتها الفنية، فهي لديها دافع حقيقي في معرفة كل ما يخص اللوحات والألوان، وهي عاشت طفولتها في جو ريفي، حيث اللون الأخضر في مساحات واسعة من الأرض، وسماء مفعمة بألوان قوس قزح.

تفاعلت مع الطبيعة التي تعيش فيها والواقع الصعب الذي تمر به محافظة سلفيت، فاستلهمت من أشجار وادي قانا ومن سهل دير بلوط ومن المناطق الأثرية في قرى المحافظة، أفكارا أصبحت محور اهتمامها في رسم اللوحات.

تقول كليب: تشخّص لوحاتي الأصالة الفلسطينية، وتجمع عناصر التراث والتاريخ والإنسان الفلسطيني، كما تضم عناصر أخرى كالرموز والبنايات والحِرف واللباس، فرسمت نساء السهل الأخضر، والحجات بأثوابهن المطرزة، والطبيعة لبيوت الآباء والأجداد، ثم حاولت إدخال خيالي في بعض الرسومات واستخدمت أساليب مختلفة بالرسم.

وتختار كليب الألوان بعناية فائقة بعد دراسة سيكولوجيا اللون وقيمته التشكيلية، وهذا يعطي المنجز الفني دلالة أكثر رمزية بحسب قولها، وتحاول استخدام كافة التقنيات في إخراج اللوحات بطريقة مميزة، فتستخدم الألوان المائية أو الغواش أو الفحم والرصاص والحبر، مع مراعاة ما يستجد من تقنيات في هذا المجال، كالرسم بالسيلكون ورسم بالكواه والسبرية والدمج مع المطرازات للجمع بين الحداثة والتراث.

وعن سرّ تواجد بصمات كبيرة للتراث الثقافي في لوحاتها، بينت كليب أنها تحاول التوثيق للموروث الثقافي لكي لا يضيع من ذاكرتنا المشتركة، لذلك وجب الحفاظ عليه من خلال استلهام نقاط القوة به وإظهار جماله ورونقه، خاصه وأن المراكز التاريخية لمعظم القرى والبلدات تتلاشى تدريجياً، وكذلك الحرف التقليدية واللباس التقليدي الذي يعبر عن هويتنا وتاريخ أجدادنا ويحتاج للحفاظ عليه وترسيخه في أذهان الأجيال الصاعدة، في ظل عصر التكنولوجيا والحداثة.

وترى أن العمل الفني مضمون اجتماعي ذو قيمة إنسانية، فمن خلال الفن يستطيع الانسان أن يحقق رسالته الإنسانية السامية، ويستطيع أن يهذب نظرة الآخرين والارتقاء بهم الى الخير والجمال والحب.

مؤخراً، انطلقت كليب في صناعة الأعمال الفنية من مخلفات البيئة وعملت على إعادة تدوير المخلفات التي لم تعد بحاجة إليها في المنزل، مثل العبوات البلاستيكية والمعدنية، والقطع الخشبية، وقطع القماش، وأكياس الأرز، وأوراق الصحف وسواها من المواد المجمعة، لتخرج على شكل تحف فنية آسرة من الاكسسوارات والأساور والسلاسل، وتزيين كاسات الأعراس.

وتقول: بعد إصابة والدتي بالسرطان، شعرت بأن المخلفات البيئية كانت أحد الأسباب الرئيسية في هذا المرض، لذلك عملت على إبراز دور الفنان في تعريف الناس كيف نحول القطع التي نرميها إلى تحف فنية أو أغراض نستخدمها في حياتنا اليومية، بدلاً من حرقها أو إتلافها بطرق غير صحية.

وتوضح أن هذه الأعمال تحمل رسالة توعوية خاصة بالمدارس ولربات البيوت تحت شعار "استعد، جَمّع، وأعد التدوير"، وذلك بهدف الحفاظ على البيئة والاستفادة من المخلفات المنزلية، وتقليل التكلفة لتجميل المنازل للأسر ضعيفة الدخل.

ومن الجدير بالذكر أن كليب كانت شاركت في العديد من المعارض في جامعة النجاح ومحافظة سلفيت، بالتعاون مع وزارة الثقافة، وتشارك بشكل دوري في معارض المدارس، وتطمح أن يكون في محافظة سلفيت معرض دائم لاستثمار الطاقات الشبابية في مجال الفن ونفض الغبار عن العديد من اللوحات والإبداعات لترى النور، وتسعى حالياً لافتتاح مركز لننشر الوعي بين المواطنين عن كيفية استغلال المواد التالفة والاستفاده منها.