تقرير: منال خميس


في خطوةٍ مفاجئةٍ أعلنت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر، عن قطعها للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، مُتهمةً إيّاها بدعم الإرهاب وتمويله، في إشارةٍ من تلك الدول إلى احتضان الأخيرة لجماعة "الإخوان المسلمين" وحركة "حماس". وقد كانت لهذه الخطوة تداعياتٌ عدة طالَت حركة "حماس" بالدرجة الأولى، حيثُ أخذت ملامح هذه التداعيات تظهرُ تدريجيًّا ولا سيما في قطاع غزّة.

"حماس" الضحيّة الأولى لمقاطعة قَطر
جاءت خطوةُ مقاطعةِ دول الخليج ومصر لقطر مباشرةً بعد الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية. وبالتوازي مع الاتّهام باحتضان الإرهاب، برزت دوافع أخرى خلف قطع العلاقات مع قطر بينها رغبةُ السعودية في حماية أمنها من الانتهاكات القَطرية والتحريض الذي يهدف إلى شقِّ الصف الداخلي السعودي، وسَأَم البحرين من التدخُّل القَطري في شؤونها الداخلية ودعمه لمحاولة إسقاط النظام في المنامة.
وعلى ما يبدو فإنَّ الضحية الأولى للمقاطعة العربية لقطر كانت حركة "حماس". فقد أفادت التقارير الواردة عن إجلاء قَطر لقيادات حمساوية تُقيم على أراضيها، حيث سلَّمت السُّلطات القَطرية حركة "حماس" قائمةً بأسماء بعض قياداتها الذين طلبت مغادرتهم الفورية، وهو ما نفته "حماس" على لسان القيادي فيها خليل الحيّة، الذي برَّر خروج بعض قيادات حركته من قَطر بأنَّه جاء في إطار الانتشار وفقاً لنتائج الانتخابات الداخلية لحركته، وإعادة توزيع الملفات في جميع الساحات، علماً أنَّ عدداً كبيراً من مسؤولي حركة "حماس"، وعلى رأسهم رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل، يُقيمون في قَطر.
ويظهرُ أنَّ قرار مقاطعة قَطر لن تقتصر تَبِعاتُهُ على إخلاء قيادات "حماس" منها، بل ستكون له تَبِعات أشدُّ على الحركة في قطاع غزة. ويعزو محللِّون ذلك إلى عدم قدرة "حماس" على تسيير أمور القطاع بدون التمويل القَطري، وهو ما أكَّده نائب نقيب الصحفيين، أستاذ الإعلام، د.تحسين الأسطل، في حديثه لمجلّة "القدس".
ويرى د.الأسطل أنَّ علاقة "حماس" بقَطر لن تتأثَّر كتحالف في المرحلة الحالية، إلّا أنَّها ستتغيَّر في القريب العاجل، وستعود قطر إلى الإقليم، مشيراً إلى أنَّ المشاريع القَطرية في غزة قد توقَّفت بالفعل، وستسكمل قَطر المشاريع الحالية لاحقاً، ولن تكون هناك مشاريع مستقبلية إلّا من خلال السُّلطة الفلسطينية، وهذا ما أعلنه السفير القطري في غزة، محمد العمادي، خلال لقائه بالصحفيين، لأنَّ مشاكل غزة لا بدَّ من حلِّها استراتيجيًّا وليس مرحليًّا على حدِّ قوله، محذِّراً الغزيين أيضاً من أن بانتظارهم "أياماً سوداء".
وعلى ما يبدو أيضاً فإنَّ أزمة قطر مع شقيقاتها الخليجيات من جهة، وتعثُّر ملف المصالحة الوطنية الداخلية من جهة ثانية، وعجز" حماس" عن إدارة أزمات قطاع غزة المتراكمة من جهة ثالثة، كلُّ ذلك، سوف يُبقِي غزة مع "حماس" وحدها في حلقةٍ جديدةٍ من مسلسل مغامرات "حماس" البائسة في البحث عن طوق نجاة لإنقاذ نفسها.

تفاهمات "حماس"- دحلان
 على قاعدة "عدو عدوي صديقي" يبدو أنَّ "حماس" وجدت في مَن كان خصمها الأكبر، محمد دحلان، جسراً للعبور من نفق أزماتها، فقد سعت من خلال عدة لقاءات إلى تعزيز علاقاتها، وتفاهماتها، ولقاءاتها بشكلٍ مباشرٍ معه، ودُبِّرت تلك اللقاءات على الأراضي المصرية، برعاية الاستخبارات العامّة المصرية، برئاسة الوزير خالد فوزي.
وحسب مصادر فلسطينية مُطَّلعة، نصَّت التفاهمات بين "حماس" ودحلان على أن تبقى مسؤولية الأمن الداخلي والخارجي لقطاع غزة بيد حركة "حماس"، على أن تؤول مسؤولية السياسات الخارجية لغزة ليد "محمد دحلان". وفي مراحلها الأولى تشمل التفاهمات إجراءاتٍ إنسانيةً، مثلَ فتحِ معبر رفح، وتسهيل دخول وخروج المواطنين من غزة للخارج، وإدخال وقود للقطاع. وبحسب ما ورد أيضاً من تفاهمات، فإنَّ حماس ستلتزم بالعمل ضدَّ تنظيمات "جهادية"، تنشط على الحدود بين غزة وسيناء، ومن ضمنها تنظيم "الدولة الإسلامية - داعش"، كما أنَّها ستسمح بعودة أفراد "معسكر دحلان" لغزة.
بالإضافة إلى ما سبق ساقت المصادر ضمن التفاهمات، على حدِّ قولها، استعداد الإمارات لإنشاء محطة كهرباء تُنهي مشكلة كهرباء غزة، بحيث يتم إنشاؤها في صحراء مدينة رفح المصرية، وذلك ليبقى التحكم بمصير الكهرباء ووارداتِها معلَّقاً بيد المصريين والإماراتيين، وهو ما يُمثّل ضمانةً للموقف المطلوب من "حماس" في السنوات المقبلة، علماً أنَّ المحطة ستعمل غالباً على الطاقة الشمسية، وتكلفتها المبدئية تبلغ نحو 150 مليون دولار.
وتعقيباً على ذلك قال القيادي في حركة "حماس" أحمد يوسف مخاطباً دحلان في رسالةٍ وصلت لمجلة "القدس" نسخةٌ عنها: "بالنسبة لنا في غزة قد تُمثِّل طوقَ نجاةٍ يصلُح الاعتماد عليه مرحليَّا لتخطي الضغوطات، التي أحكمت قبضتها علينا.. نعم؛ قد يكون في هذا الكلام بعض الصواب، ولكن البُعدَ الغائب عن تفكير الكثيرين هو رغبة جادة لدى قيادة حماس في الخروج من نفق الأزمة، وتعقيدات الحالة السياسية الفلسطينية، بعدما غدت الأبواب مُؤصَدةً من جهة الرئيس أبو مازن، وبدا أنَّه غير معني بحلِّ مشكلة العلاقة مع غزة أو تفريجها، فكأنَّها الرؤية لدى قيادات الحركة هي البدء بالتيار الذي تمثّله أنت، ثُمَّ التوسُّع في مصالحتنا مع حركة "فتح" الأم، التي يمثِّلها الرئيس أبو مازن. فإذا نجحنا في بناء الثقة معك، وهذا التيار الواسع الحضور في قطاع غزة، وكان لك "سهم خير" في توظيف شبكة علاقاتك الإقليمية والدولية لخدمة قطاع غزة، وفكِّ الحصار عن أهله، ربما تكون هذه الخطوة هي المدخل لإنهاء الانقسام، وطي صفحة الماضي الأليم".

انعكاسات توافق دحلان – حماس على المصالحة
الاتفاق بين حماس ودحلان ومصر من وجهة نظر بعض السياسيين سيُعمِّق الانقسام بين غزة والضفة وسيُنهي أي أمل لقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، معتبرين أنَّه من الواجب أن يكون هناك اتفاقٌ فلسطينيٌّ عامٌّ قائمٌ على الثوابت الوطنية لحلِّ أزمات قطاع غزة، وللخروج من أزمة الانقسام، إلَّا أنَّ القيادي في حماس خليل الحيّة أعرب عن تفاؤل حركته بتحسُّن علاقاتها مع مصر.
وقال الحيّة: "العلاقات مع الأشقاء في مصر ذاهبة للتحسُّن بعد اللقاء الأخير مع الجانب المصري، والذي كان الأفضل في اللقاءات السابقة على مدار 15 شهراً".
وأضاف الحيّة: "وفد الحركة لمسَ تفهُّماً مصرياً عالي المستوى للأزمات التي فُرِضَت على غزة، ورأى تجاوباً عالياً في إمكانية قيامهم بدور مهم للتخفيف عن الشعب في غزة". وكان وفدٌ من "حماس" قد قام بزيارة لمصر في الـ28 من مايو/ أيار الماضي، قالت الحركة إنَّها كانت تهدف لـ"تطوير العلاقات الثنائية."
ومن جانبه يقول نائب د.تحسين الأسطل في حديثه لـ"القدس": "مصر باتت على يقين بأهمية دور "حماس" في إدارة غزة، وخاصّةً فيما يتعلق بالوضع في سيناء، وارتأت أن يكون هناك تعاون بينها وبين "حماس" في حصار الحركات المتطرِّفة في سيناء، وعليه كانت لمصر مَطالبٌ و"حماس" قبلت بها جميعًا بما فيها المصالحة مع تيار دحلان، الأمر الذي لم تنجح به مصر مع الرئيس أبو مازن. وبالتالي أعتقد أنَّ العلاقة ستتطوَّر في المستقبل أكثر بين الجانبَين خاصّةً إذا قامت إسرائيل بحماقة في غزة، عندها سيكون هناك دور كبير لمصر والإمارات والسعودية ودحلان في وضع حل، والتدخُّل من أجل تجنيب غزة عدواناً كبيراً، أو التدخُّل فيما بعد لإعادة الهدوء من جديد وإكمال المصالحة الوطنية وترتيب الوضع الفلسطيني".
ويتوقَّع د.الأسطل أنَّ تقارب "حماس" ودحلان، سيُساهم في الوصول إلى المصالحة، وإن لم يكن ذلك فوريًّا، ويوضح: "أساس الخلاف كان بين دحلان و"حماس"، و"حماس" عندما انقلبت كان في إعلانها أنَّها قامت بهذه الخطوة لتطهير السلطة من تيار دحلان الذي يقف عائقًا أمام تمكين "حماس" وحكومتها في قطاع غزة من وجهة نظرها، وبالتالي تحقيق المصالحة. لذا فإنجاز المصالحة المجتمعية التي تتخوَّف حماس منها بشكل كبير ربما يُسهم في تحقيق وتسهيل الوصول للمصالحة لها من خلال هذا الاتفاق، ثُمَّ تحاول حماس إنجاز المصالحة الوطنية مع الرئيس أبو مازن في مرحلة ثانية".
وبتقدير د.الأسطل فإنَّ "حماس لن تهرب هذه المرة كعادتها إلى مواجهة مع الاحتلال، بل إنَّ قرارها الاستراتيجي الآن هو منعُ أيِّ مواجهة مع إسرائيل أو الانزلاق إليها، لأنَّها تعلم أنَّ المعطيات الخارجية كافةً الآن ليست في مصلحتها، كما أنَّه سيتوفَّر لإسرائيل غطاءٌ أمريكيٌّ لأيِّ عدوان جديد في غزة. فإسرائيل تأخذ مبرراتها لما ستقوم به من  حرب أمريكا التدميرية في العراق وسوريا، التي دمَّرت كلَّ شيء، وبالتالي فتحت شهيَّتها لارتكاب حروب مماثلة في قطاع غزة".
وبحسب د.الأسطل فقد انعكست آثار أزمة قطر على حركة "حماس"، إذ بدأت كلُّ المحاور تتحرك باتجاه غزة، ما بين الضغط من جانب، وفتح الآفاق من جانب آخر. ويرى د.الأسطل أنَّ حماس ستستفيد من تجربتها المؤلمة مع إيران وسوريا، وستُبقي جميع الأبواب مفتوحة مع كلِّ دول الإقليم، سواء الحليفة لها استراتيجياً مثل تركيا وقطر، أو الدول التي ستحرص على ترميم العلاقة معها من أجل المصالح المشترَكة مثل إيران، وسوريا، ومصر التي ستحاول إقامة العلاقة معها من بوابة ساحة سيناء.
ويختم الأسطل حديثه قائلاً: "ستُوثِّر أزمة قطر على حركة حماس بشكل ملحوظ، ويعتمد ذلك على مدى قدرة الحركة على التأقلم مع المتغيِّرات الجديدة. إنَّ ورقة حماس، والمبادئ السياسية الأخيرة، ربما حرَّكت المياه الراكدة إلّا أنَّها غير كافية، وبالتالي في المنظور حماس مُقبلةٌ على أزمة إن لم تلجأ إلى تحقيق المصالحة الوطنية من خلال منظمة التحرير والذوبان في مؤسسات المجتمع الفلسطيني".

بوادر دخول التفاهمات حيّز التنفيذ
يبدو أنَّ تفاهمات (مصر-حماس-دحلان)، دخلت إطار التنفيذ الفعلي فقد أعلن مدير دائرة الإعلام في معبر رفح البري وائل أبو عمر، دخول مليون لتر من الوقود المصري، صباح الأربعاء 21 حزيران الجاري، عبر معبر رفح لتشغيل محطة الكهرباء في غزة.
وقال مسؤول الأمن الداخلي في حماس اللواء توفيق أبو نعيم، إنَّ شاحنات الوقود التي دخلت القطاع تُمثِّل الشحنة الأولى وستعقبها دفعات أخرى.
ولكنَّ مصادر فلسطينية ذكرت أنَّ محطة توليد الكهرباء الرئيسة في غزة ترفض تشغيل مولّداتها بالوقود المصري الذي وصل إلى غزة في موعده، عبر معبر رفح البري.
إلاّ أنّ محكمة تُسمَّى "محكمة الأمور المستعجلة بغزة"، أصدرت قراراً يقضي بإلزام محطة توليد الكهرباء الوحيدة بتشغيل المحطة، وذلك في أعقاب القضية التي رفعها ضدَّها مركز لحماية حقوق الإنسان، أمام المحكمة المذكورة بعد أن قرَّرت إدارة المحطَّة الامتناع عن تشغيلها، زاعماً (المركز) أنّ ذلك جاء بناءً على تعليمات من السلطة الفلسطينية في رام الله، ومُعلِّلاً بأنَّ خدمة الكهرباء تمسُّ حياة المواطنين اليومية، ومظاهر الحياة الإنسانية كافةً خصوصًا خدمات الصحة والبيئة.
جاء ذلك بعد أيام من قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتقليص الكهرباء عن غزة عبر الخطوط المغذِّية للقطاع، تدريجيًّا، حيث قلَّصت 18 ميجاوات عبر 4 خطوط ليقل بذلك عدد ساعات التغذية بالكهرباء إلى ما دون الـ4 ساعات يوميًا.